ترددت أول أمس أصوات “المحتجزون” -التجربة التأليفية الأولى للمسرحي أحمد العقون، بعد ثلاث توقيعات إخراجية، والعديد من الأدوار- وصداها بين أرجاء قاعة الحاج عمر بالمسرح الوطني محيي الدين بشطارزي. حيث استضافت الشاعرة لميس سعدي المخرج، بفضاء “صدى الأقلام” الثقافي، ليقدم نصه الجديد وتجربته الأولى في عالم التأليف المسرحي والحامل عنوان “محتجزون”، الذي يندرج في إطار العبث، وقد ضمّنه الكاتب مشاكل وهموم اجتماعية شبابية يضج بها الشارع الجزائري، وتئن من هواجسها وتبعاتها قلوب السواد الأعظم من شبابه. وفي السياق قال، المخرج والممثل والكاتب المسرحي، أحمد العقون، أن حكاية مسرحيته الجديدة الحاملة لتقنية “المسرح داخل المسرح”، تبدأ في قاعة الانتظار بمكتب أحد المحامين الذي أطلق عليه اسم “البرق”، ليجعل من تأخره في استقبالهم السبب الأوحد في تعرفهم على بعضهم البعض، ويطول الانتظار وساعاته لتسنح لهم الفرصة في الدخول في حوار متشعب المواضيع، يمتد لوقت متأخر تستأذن خلاله أمينة سر المحامي تاركة الخمسة يموجون في مشاكلهم متسائلين عن كيفية الخروج منها بأقل الأضرار، وفي خضم التبادلات للأفكار والشكاوى ينضم المحامي للخمسة شبان ويتجاذب معهم أطراف الحديث، وما إن يتساءلون عن موعد مقابلتهم مع المحامي حتى يكشف عن هويته ويرفض البث في استشاراتهم لحين وصول المدعو: مروان. خ، ويقول إنه بانتظاره ليقوم بقتله، وهنا يتغير مجرى الأحداث وتدخل في متاهات عبثية. ينتفض الكل ويهرعون إلى الباب بغية المغادرة غير أنهم يكتشفون أنهم “محتجزون” ما يزيد من توترهم، وغموض وضعهم في أعينهم، خاصة بعدما يطلب “البرق” منهم اختيار واحد من بينهم للموت في مكان مروان كحل وحيد لخروج البقية من المكتب سالمين، يتناقش الخمسة لاختيار الأضحية، توصلهم لمشادات كلامية، يتحجج كل فرد منهم فيها بعدم قدرته على اختار الموت نظرا لما ينتظره من واجبات إما عائلية أو عاطفية أو اقتصادية أو طموحية، ويضطر الكل للجوء إلى القرعة، التي يصدر فيها اسم جمال في كل الأوراق التي يكتبها الخمسة بأيديهم، وفي هذه الأثناء من انعدام الثقة يدخل “البرق” المحامي حاملا حبلا وطالبا إنهاء المسألة بسرعة لأن صبره قد نفد، وهنا يتحول الكل إلى محاولة تمثيل مشهد الانتحار مستهلين الأمر بكتابة رسالة تشرح الأسباب الدافعة بهم إلى اختيار هذا السبيل، لم يرد أحد من الخمسة وضع حد لحياته، غير أن العاشق اليائس من زواجه بمن اختارها نتيجة رفض والدها القاطع، يتبرع بالتقدم إلى حبل المشنقة. يقطع المحامي حزن المشهد الذي يقول فيه الشاب: “الحب هو المنفى الاختياري لكل إنسان”، حيث يدخل حاملا جريدة في يده، فتح صفحة الحوادث فيها ومنحهم وقتا لقراءة خبر نشر عن حادثة وقعت قبل يوم فقط، عن انتحار شاب كتب رسالة تبين من فحواها أنها نفس ما كتبه الخمسة مجتمعين بنفس الأسباب والألفاظ والعبارات. ليتبين الكل أن المنتحر هو نفسه الشخص الذي طال انتظاره ودخلوا في متاهات مثيرة بسبب تأخره “مروان. خ«. للإشارة يسدل ستار أحداث نص مسرحية “المحتجزون” لكاتبه أحمد العقون عند هذا المشهد تاركا تخمين نهاية القصة على المشاهد أو القارئ الذي ستفتح أمامه الكثير من الخيارات يبدؤها على سبيل المثال بالتخمين في أن الأحداث لم تكن سوى ميتافيزيقا بطلها ملك الموت وأهل القبور، أو أن المحامي ساحر مهووس بالقتل والترهيب. إلى غير ذلك من نهايات يرتبها دراميا كل قارئ أو مشاهد بالشكل الذي تمليه عليه مخيلته. والجدير بالذكر أن المسرحي، أحمد العقون - الذي يؤمن بأن المسرح ليس مطالبا بنقل الواقع بأدق تفاصيله التي نعيشها يوميا، مشيرا إلى ضرورة تعبيره عنها بطريقة فنية، حيث يتمكن الممثل من منح أية حركة عادية روحا ونفسا جديدا وخاصا يجذب المتلقي ويرسخه في خياله وفكره، مقنصا بذلك الواقع ومانحا إياه جمالية مميزة- لم يشر إلى تبنيه نصه إخراجيا لتجسيد أحداثه على الركح، كما أنه لم يكشف عن الأسماء التي يمكن أن يرشحها مستقبلا لتقمص شخصيات تجربته التأليفية الأولى التي ستلج به إلى عالم الكتابة المسرحية بعد بروزه مخرجا وممثلا.