حرمان، بؤس وإقصاء، هي صفات اجتمعت لتصنع يوميات سكان بلدية ميزرانة بتيزي وزو، وتحاول هذه المنطقة بجهد كبير التخلص من واقعها المزري الذي خلفه إرهاب أتى على الأخضر واليابس، فارضا على السكان العيش في قلق دائم، وخلّف وراءه سوء التسيير والنقص الفادح للمشاريع الإنمائية. تقع بلدية ميزرانة التابعة إداريا لدائرة تيقزيرت الساحلية على بعد حوالي 35 كلم شمال تيزي وزو، يعيش سكان قراها ال14 يوميات مثخنة بجحيم الإرهاب الذي سلبهم حرياتهم مع مطلع التسعينيات، وسط مشاكل اجتماعية متشعبة نتيجة تمركزها في منطقة ريفية معزولة وافتقارها لمركز أمني، ما عمّق من حجم معاناتهم، كما حرم أهالي المنطقة منذ زمن بعيد من أدنى ضروريات العيش الكريم. ووسط بطالة خانقة وفراغ قاتل نظرا لانعدام مرافق عمومية وهياكل قاعدية، يتخبط شباب ميزرانة في حلقة مفرغة، في حين يعاني سكان القرى على غرار "تيكيواش" المهجورة من سياط الجماعات المسلحة، وحالة اللاأمن التي اشتهرت بها البلدية بعد المرارة التي ذاقها الأهالي بفعل مجازر لا تزال عالقة بأذهانهم لحد الساعة، بينما تقاوم قرى تيزي بوعلي وتلا ميمون وتالا تغراست آلة الإرهاب، حيث يجاهد السكان من أجل تأمين أراضي أجدادهم. ويشد انتباه الزائرين لميزرانة، أولئك الرجال الذين لا ينامون ليلا أو نهارا، ويتعلق الأمر بأفراد الدفاع الذاتي الذين يتولون حراسة ممتلكاتهم وعائلاتهم بوسائل تقليدية جد بسيطة يتصدون بها لكل طارئ قد يحدث بين الحين والآخر. السكان يطالبون بوحدات أمنية لكبح الإجرام يعلق سكان قرى ميزرانة آمالا كبيرة على السلطات المحلية من أجل استحداث وحدات أمنية لكبح الإجرام، بما يسهم في التخفيف من عبء الهجمات الإرهابية والتصدي للاعتداءات المتكررة ضد المدنيين. وكشفت مصادر مطلعة محلية ل"السلام"، أنّ السلطات المحلية تعتزم إنجاز مقر للدرك الوطني سيفتتح أبوابه قبل نهاية السنة الجارية، علما أنّ نسبة الأشغال فاقت 70 بالمائة، في خطوة سيتنفس معها السكان الصعداء، كما أفادت مصادرنا أنّ البلدية ستعمّم الإنارة العمومية عبر كافة الطرقات والمسالك، علما أنّ الغطاء النباتي بقرى بلدية ميزرانة جاوز 80 في المائة، وهو معطى وظفته جماعات الإرهاب لتنفيذ خططها الإجرامية. العائلات الجبلة تعيش تحت رحمة العطش تشكّل المياه معاناة حقيقية لسكان ميزرانة، حيث تفتقر هذه البلدية إلى مياه صالحة للشرب وبات سكانها مجبرين على التزود بالمياه العذبة من الينابيع الجبلية أو الآبار الفلاحية، فيما يضطر البعض الآخر إلى اقتناء مياه معدنية أو كراء صهاريج، رغم ثمنها المكلف الذي يصل إلى حدود 1200 دج وهو ما أرّق السكان وجعل فكرة النزوح تراودهم مجددا نحو مدن قريبة من سد تاقصبت. وإذ نددوا بتهميش السلطات، أكّد السكان ل"السلام"، أنّ الوضعية الصعبة التي تعيشها ميزرانة، فرضت على العائلات استغلال الحمير وقطع عدة كيلومترات نحو منابع جبلية رغم الخطر المحدق بحثا عن قطرة ماء، وإذا كان مصدر مسؤول من مديرية الري الجهوية تعهّد بتزويد تلك الضواحي بالماء الشروب من سد تاقصبت الممتلئ، إلاّ أنّ الآجال لم تحترم، ما يجعل المتضررين يواصلون رحلة حمل الدلاء بحثا عن مادة حيوية، في انتظار توفير الماء. النقل المدرسي هاجس يؤرّق التلاميذ وأولياءهم على لسان التلاميذ وأولياؤهم، فإنّ انعدام النقل المدرسي يمثل هاجسا حقيقيا يعانونه في كل موسم دراسي، ويتطلع الأولياء إلى التخفيف من معاناة أبنائهم الذين يضطرون في الكثير من الأحيان إلى قطع مسافات تتعدى ثلاثة كيلومترات مشيا على الأقدام وهم يخترقون غابات لا تخلو من المخاطر، ويزداد الوضع تأزما بالنسبة لتلاميذ الطور الابتدائي في الشتاء ومعاناة البرد والجوع، ما دفع كثير من البنات إلى التوقف عن الدراسة. كما اشتكى سكان ميزرانة من افتقار بلديتهم إلى ثانوية حيث يتنقل أبناؤهم إلى مقر دائرة تيقزيرت لمزاولة تعليمهم، رغم أنّ ميزرانة تستوعب 10 آلاف نسمة، ما يستدعي إنشاء ثانوية تؤطر الكم الهائل من تلاميذ الطور الثالث. الشباب ضائع في بلدية لا تملك شيئا يصف شباب ميزرانة وضعهم ب"الأكثر من المزري" بالنظر إلى افتقادهم أدنى متطلبات العيش الكريم، بعد أن سدت في وجوههم أي فرصة للعمل أو الحصول على أراض لاستزراعها، ويتعلق الشباب بقشة تشغيل الشباب عبر الشبكة الاجتماعية، في وقت تنعدم المرافق الشبانية بميزرانة، حيث يضطر الشباب إلى الجلوس في المقاهي، ما يجعل المنطقة نموذجا حقيقيا للعزلة والإقصاء وبات حلم السكان الوحيد إدراج مشاريع تنموية. وفي حين لا توجد مصانع بميزرانة، يرهن نقص الأوعية العقارية مستقبل المشاريع التنموية في البلدية، إذ تصطدم محاولات الكثيرين لدفع بعجلة التنمية المحلية بعراقيل عديدة نتيجة نقص العقار.