كان تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم يوم 11 أفريل عام 1958 من أكبر الضربات التي وجهتها الثورة الجزائرية للاستعمار الفرنسي، لأن تضامن الأسرة الرياضية الجزائرية أكد تضامن الشعب الجزائري بجميع شرائحه حول الهدف المشترك الذي سعى إلى تحقيقه وهو الاستقلال، إضافة إلى كونه شكّل صفعة قوية للفرنسيين الذين كانوا يأملون في تجنيس بعض المواهب الكروية الجزائرية أمثال رشيد مخلوفي، عبد الحميد كرمالي، الإخوة سوكان وغيرهم تحسبا لكأس العالم بالسويد 1958. و في هذه الورقة، تستعرض "السلام" صفحات مشرقة من مجد فريق جبهة التحرير. قضى ميلاد فريق جبهة التحرير على كل أطماع الفرنسيين لتكسير الوحدة الوطنية، فبعد التحاق الطلبة والفنانين، التحق الرياضيون بصفوف الثورة ليسمعوا صوت الجزائر الحرة عبر العالم على طريقتهم الخاصة، وبواسطة أقدامهم الذهبية التي صنعت ملحمة كروية أبهرت العالم على مدار أربع سنوات. أقرّ مؤتمر الصومام إنشاء تنظيمات تابعة لجبهة التحرير الوطني على غرار الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين والاتحاد العام للعمال الجزائريين، إضافة إلى الفرقة الفنية وفريق جبهة التحرير لكرة القدم، هذا الأخير شكّل خير سفير للجزائر في المحافل الدولية، خصوصا مع ما تحظى به الرياضة الشعبية الأولى من اهتمام دولي، وكان تشكيل الفريق مغامرة حقيقية قادها كبار النجوم الجزائريين في البطولة الفرنسية الذين لبوا نداء الواجب، ولم يبالوا بأمجاد فرنسية زائفة. هكذا التحق اللاعبون بالثورة يعود تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم إلى 14 أفريل سنة 1958، حيث غادر عشرة لاعبين جزائريين الأراضي الفرنسية سرا إلى تونس عن طريق دول الجوار، وكانت ضربة قاضية للشرطة الفرنسية التي لم تتمكن من اكتشاف الأمر، وانتصارا لجبهة التحرير في فرنسا، خاصة وأنّ هؤلاء اللاعبين كانوا نجوما سطعوا بقوة في عاصمة الجن والملائكة، بشكل أسال لعاب الفرنسيين الذين منوا أنفسهم مطولا بالاستفادة من خدمات صانع ألعاب نادي سانت ايتيان "رشيد مخلوفي" ومهاجم نادي موناكو عبد الحميد كرمالي ومصطفى زيتوني المدافع الصلب الذي تألق مع كان، وكثير من النجوم الآخرين في المونديال السويدي. تأسيس فريق الجبهة بعد مغادرة اللاعبين الجزائريينلفرنسا والتحاقهم بتونس، تم تشكيل فريق الجبهة رسميا ورافقه صدى إعلامي كبير على الصعيد العالمي، وقام المرحوم محمد بومزراق بتشكيل الفريق الذي خاض رحلات ماراتونية من تونس إلى بكين، مرورا ببلغراد وهانوي وطرابلس والرباط وبراغ ودمشق التي رفعت بملاعبها الراية الوطنية، ولعب فريق جبهة التحرير الوطني 62 مقابلة فاز في 47 مقابلة وتعادل في 11 منها بينما انهزم في 4 مقابلات فقط. وواصلت تشكيلة فريق جبهة التحرير دورها الرياضي النضالي إلى غاية 1962 أين شكلت النواة الأولى للفريق الوطني الجزائري. نجوم الأفلان صنعوا الحدث رغم أنّ مسيرة منتخب جبهة التحرير كانت نضالية أكثر منها رياضية، إلاّ أنّ مخلوفي وزملاءه تألقوا بقوة وحققوا انتصارات كبيرة على تونس والمغرب وفيتنام وليبيا وغيرها، ما جعل المنتخب يتلقى دعوات بالجملة للعب في الخارج، فشارك اللاعبون على طريقتهم في التعريف بالثورة الجزائرية وكان لهم الفضل في تشكيل أول منتخب جزائري. قائمة اللاعبين الذين شكلوا منتخب جبهة التحرير: مخلوفي - برطال - شابري حداد- بن تيفور - معزوزة - بومزراق - بن فضة- زيتوني - بوشوك - زوبا - معوش - بوبكر -كروم - براهيمي - بوشاش 1 دودو - بوشاش 2 - بوريشة - بخلوفي- ستاتي- كرمالي - دفنون - سوخان 1 - عريبي - واليكان سوخان 2 رواي. منتخب جبهة التحرير مهّد لتكوين منتخب 1982 كان لنواة فريق جبهة التحرير دور كبير في مرحلة الإصلاح الرياضي التي اعتمدتها الجزائر أواخر سنة 1977، وكللت بنتائج باهرة خلال الأعوام اللاحقة، وليس بخافٍ أنّ بصمات مخلوفي وسوكان وكرمالي كانت واضحة في إنتاج منتخب 1982 الذهبي، وما فعلته مجموعة من اللاعبين المتميزين كرابح ماجر، لخضر بلومي، صالح عصاد، مصطفى دحلب، نور الدين قريشي وغيرهم، فبعد ميدالية ذهبية في الألعاب الإفريقية 1978، وبرونزية في ألعاب المتوسط بسبليت 1979، استطاعت الجزائر أن تفتك المركز الثاني في كأس إفريقيا 1980، قبل أن تتأهل مرتين متتاليتين إلى نهائيات كأس العالم في إسبانيا والمكسيك، واستطاع كرمالي أن يمنح الجزائر أول لقب إفريقي عام 1990. رشيد مخلوفي "اللاعب الذي ندمت عليه فرنسا" ولد رشيد مخلوفي في 12 أوت 1936 بمدينة سطيفبالجزائر، ويُعتبر أحسن لاعب جزائري لكل الأوقات كما يعتبر أحد أفضل لاعبي البطولة الفرنسية لكل الأوقات أيضا. اقترحه أحد لاعبي سان إيتيان على المدرب الشهير جان سنيلا سنة 1954 وبعد إجرائه التجارب لنصف ساعة فقط تمكن مع إمضاء العقد مع النادي الأخضر وعمره لم يتجاوز 18 سنة، وصرّح سنيلا وقتئذ: براعة هذا اللاعب تظهر من أول لمسة للكرة. كان مخلوفي مهاجما خطيرا وقناصا بارعا للأهداف، حيث سجل 106 أهداف في 213 مقابلة لعبها مع سان إيتيان منها 104 أهداف في 205 مباريات في البطولة الفرنسية وهدفان في كأس أوروبا للأندية البطلة حيث لعب 8 مقابلات، ما جعل الاتحادية الفرنسية تستدعيه لمنتخبها نظرا لإمكاناته الكبيرة، حيث لعب 4 مقابلات مع المنتخب الفرنسي بين سنتي 1956 و1957، ونظرت إليه فرنسا كأحد أكبر آمالها في كأس العالم 1958 بالسويد، لكنه فضّل نداء الوطن الأم، وقرر الالتحاق بفريق جبهة التحرير مفاجئا بذلك الرأي العام الفرنسي. بعد الاستقلال، عاد مخلوفي مثل زملائه إلى البطولة الفرنسية، ولدى دخوله إلى الملعب كان متخوفا من ردة فعل الأنصار تجاهه بعد مغادرته المنتخب الفرنسي، لكن العكس حصل فعند أول لمسة له للكرة، انفجر الملعب كله فرحا بعودته للنادي، حيث منح البسمة لأنصار سان إيتيان بفنياته ومهاراته. وقضى مخلوفي ستة سنوات أخرى مع سان إيتيان إلى غاية سنة 1968، أحرز خلالها على ثلاث بطولات سنوات 1957، 1964، 1967 و1969 وكأسا واحدة سنة 1968، علما أنّ مخلوفي سجل مع سان إيتيان ستة ثلاثيات (هاتريك) و17 ثنائية، وهو ما دفع بإدارة النادي للإبقاء عليه كلاعب ومدرب في نفس الوقت حتى 1970، بعدها أصبح مدربا للمنتخب الجزائري، وتولى رئاسة الاتحادية سنة 1988 لمدة قصيرة.