يشدد خبراء على أنّ الجزائر باتت مدعوة لاستغلال 40 مليار م3 من المياه الجوفية، طالما أنّ تحديات المستقبل تفرض كسب رهان “الطاقة الزرقاء”، ويذهب مسؤولون في القطاع إلى أنّ الرهان المذكور سيتحقق في قادم الأعوام، بيد أنّ كوكبة من المتخصصين يرون أنّ تحديا استراتيجيا بهذا الوزن لا يزال بعيد المنال، ما يُبقي القلق قائما، خصوصا إذا ما حصل أي لون من التراخي مع ثروة حيوية بهذه القيمة. يركّز خبراء تحدثوا ل “السلام”، على معاناة الجزائر من نقص مقلق في مجال المياه، وعدم تمكنها من استغلال الكم الهائل من المياه الجوفية واستمرار التسربات، رغم كل الأحاديث التي تجترها السلطات للعام الرابع على التوالي بشأن إعادة هيكلة وتأهيل منظومة المياه المحلية. وبفعل وضع تظافرت في إنتاجه عوامل الجفاف وسوء التسيير، صارت الجزائر توصف ب«الفقيرة” من حيث الموارد المائية، رغم أنّ الجزائر التي تمتلك 65 سدا ومحطتين لتحلية مياه البحر، تحوز مخزونا مائيا ب7.1 مليار متر مكعب حاليا مرشح ليصعد إلى 9.1 مليار متر مكعب في غضون الثلاث سنوات القادمة. ويشير “أنيس نواري” إلى أنّ الطاقات المائية الحقيقية للجزائر تصل إلى 17.2 مليار متر مكعب، بيد أنّ نضوب عديد الجيوب المائية وتضاؤل الأمطار المتهاطلة خلال الأعوام الأخيرة، كان لها أثرها السلبي على الموارد السطحية التي تراجعت إلى مستوى 10 مليارات متر مكعب فحسب، بما يربك ضمان تسيير مدمج حقيقي للماء في مختلف استعمالاته المنزلية والزراعية والصناعية. وباتت الأمطار خلال الفترات الماضية تتهاطل في فترات متباعدة وبكميات غير كافية، ما ألقى بظلاله على السدود التي انتصفت أوعيتها وانعكس ذلك على الزراعة، طالما أنّ وضع كهذا لا يضمن منتوجا زراعيا جيدا تماما كما حصل خلال الموسم المنقضي الذي اتسمّ بانخفاضات هامة في إنتاج القمح والشعير في بلد يمتلك 3.3 مليون هكتار من الأراضي الخصبة. ويستهجن الخبيران “أحمد والي” و«منير شنان” عدم تمكن الأجهزة المختصة من الاستغلال العقلاني لمياه الأمطار، خصوصا وأنّ ما تساقط على محدوديته كان كفيلا لو أحسن استغلاله، أن يجعل الجزائر في مأمن عن أي تقلبات غير مأمونة العواقب، لا سيما في حال تكرار سيناريو الجفاف الذي ضرب البلد العام 2002 وكانت له تبعات كارثية آنذاك. واستنادا إلى مراجع “السلام”، سيتضاعف عدد سكان الجزائر بحلول سنة 2020 إلى حدود 46 مليون نسمة (حاليا 36 مليونا)، وسيعرف نصيب الفرد من الماء حينئذ انخفاضا إلى أقل من 271 متر مكعب سنويا، بعدما كان يتجاوز 565 متر مكعب في مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع الإشارة إلى أنّ المستوى الأدنى للاستهلاك الفردي للماء محدّد دوليا بألف متر مكعب. بيد أنّه خلافا لما ذهب إليه عموم الخبراء، يبدو “عبد المالك سلال” وزير الموارد المائية واثقا من خلق واقع أحسن فور تجسيد البرنامج الإنمائي التكميلي الساري المفعول، ويكشف سلال في هذا الصدد عن رصد مخصصات تتجاوز 25 مليار دولار لإنجاز 18 سدا جديدا، وإعادة ترميم شبكات التزويد بالماء الشروب في 37 مدينة، بجانب إنجاز 44 محطة تصفية و42 وحدة لمعالجة مياه الصرف الصحي. كما يلفت المسؤول ذاته إلى اهتمام بلاده باستغلال المياه المستعملة التي تم تطهيرها لغرض استعمالها في الأنشطة الزراعية، حيث يُرتقب رفعها إلى 800 مليون متر مكعب عن طريق تفعيل 40 محطة اعادة رسكلة، فضلا عن تشكيل احتياطات جهوية لتأمين حاجيات مواطنيه وكذا قطاع الري في حالة حدوث جفاف. استغلال المياه الجوفية سيمنح طفرة زراعية يشدّد خبراء على أنّ الاقتصاد الزراعي في الجزائر يظلّ تفعيل أفقه مرهونا بالاستغلال العقلاني للرافد الهائل من المياه الجوفية التي يربو مخزونها عن الستين ألف مليار متر مكعب، ويحيل “عمار إيماش”، “طارق حرتاني”، و«سامي بوعرفة” إلى أهمية استثمار الجزائر في ثروتها من المياه الجوفية التي تمتد عبر مناطق ورقلةوبسكرة والوادي. ويذهب الخبراء إلى أنّ استغلال هذا الرصيد المائي الهائل سيقلب وجه الزراعة رأسا على عقب، وسيكفل رفاهية المواطنين، خصوصا مع تأكيدات كوكبة من المختصين على أنّ الموارد المائية الباطنية تكفي لقرون قادمة. ويتوقع المختصون أن تسدّ الجزائر حاجاتها من الماء بشكل جيد مطلع سنة 2025، وذاك يقتضي بحسبهم اعتماد سلطات هذا البلد نمطا مستحدثا في مجال استغلال المياه الجوفية. ولعل استغلال المياه الجوفية سينهي معضلة السقي التي يعاني منها جمهور الفلاحين، سيما في سهل المتيجة (يمتد على مساحة 1400 كلم مربع) الغني بأنواع من الحمضيات و أشجار منتجة كالكاليتوس وعسل السدرة والجزر البري وغيرها. وركّز الخبراء على أنّ الوضع حتّم على 90 بالمائة من أصحاب المستثمرات الزراعية اللجوء إلى المياه الجوفية، لذا أوصى هؤلاء الخبراء بالتسوية التدريجية للوضعية حتى يتم تثمين منتجات حيوية كالحمضيات والخضر والفواكه. وتعتبر زراعة الحبوب نشاطا ذو فوائد للفلاحين، ويوضح الخبراء أنّ زراعة الحبوب التي لا تتطلب الكثير من المياه، تعد نشاطا جديرا بالاهتمام في بلاد تشكو من مردود محتشم على صعيد إنتاج الحبوب. ويسجل الخبير “مراد حيون”، أنّ مضاعفة حجم الأراضي المسقية يستدعي توفير منسوب مائي لا يقل عن 8.9 مليار متر مكعب، الأمر الذي يفوق الكمية المتوفرة من المياه المتوقعة في إطار المخطط المحلي للماء، مما يستوجب اللجوء إلى الأنظمة المقتصدة للمياه. واستنادا إلى معايير ميدانية، فإنّ تطوير زراعة الحبوب في المساحات المسقية، يقتضي تعبئة ثمانمائة مليون متر مكعب لكل مائة ألف هكتار من البطاطس، مقابل خمسمائة مليون متر مكعب تخص كل 50 ألف هكتار من الأعلاف، و150 مليون متر مكعب لكل 50 ألف هكتار من أشجار الزيتون. ضمان الأمن الاقتصادي إلى ذلك، يشدد فاعلون على أنّ نجاح الجزائر في استغلال ثروتها الضخمة من المياه الجوفية، هو من سيحسم الأمور إيجابا ويجعل البلد محصنّا ضد أي قلاقل قد ترهن الأمن الاقتصادي للأجيال المقبلة. بهذا المعنى، يلّح كل من “عمار إيماش”، “طارق حرتاني” و«سامي بوعرفة” على أنّ الاقتصاد الزراعي الجزائري متصل رأسا بتحويل الرافد الهائل من المياه الجوفية. ويتعلق الأمر استنادا إلى إفادات الخبراء الثلاثة، بمياه جوفية تتوزع على طول مناطق ورقلة، بسكرة والوادي (جنوبي الجزائر)، واستغلال رصيد مائي بهذه القيمة سيقلب وجه الزراعة رأسا على عقب، وهو ما يؤكده “عبد المالك سلال” بقوله أنّ استثمار المياه الجوفية سيمنح الرفاهية لمواطنيه وكذا سكان دول الجوار، خصوصا مع تأكيدات كوكبة من المختصين على أنّ الموارد المائية الباطنية ليس في الجزائر فقط بل وحتى في المنطقة المغاربية، قد تكفي لقرون قادمة. ويتوقع إيماش، حرتاني وبوعرفة أن تسدّ الجزائر حاجاتها من الماء بشكل جيد مطلع سنة 2025، وذاك يقتضي بحسبهم اعتماد سلطات هذا البلد نمطا مستحدثا في مجال استغلال المياه الجوفية. مشروعات قد تقلب الموازين يقدّر متابعون أن يسمح الافتتاح الأخير لمشروع تحويل الماء على مستوى محور عين صالح - تمنراست (أقصى الصحراء)، رفقة مشاريع أخرى جار تنفيذها، بقلب الموازين وفتح آفاق تنموية واعدة تعبّد الطريق أمام قيام فعل زراعي وصناعي حقيقي. ويضم هذا المشروع الفريد الذي بلغت كلفته 197 مليار دينار، 48 بئرا وقناتين على طول 750 كلم، وست محطات ضخ وخزانين من الحجم الكبير بسعة 50 ألف متر مكعب، ومحطة لتحلية المياه بطاقة مائة ألف متر مكعب، وبوسعه ضمان 50 ألف متر مكعب من الماء الشروب يوميا، مع قابليتها للتضاعف سنة 2030. ويُنتظر بدء مشروع ثان لتحويل المياه إلى منطقة المنيعة الجنوبية انطلاقا من منطقة الهضاب العليا بشرق البلاد على أن يكون جاهزا نهاية هذا العام، إلى جانب مشروع هام آخر لتحويل المياه انطلاقا من السدود الواقعة بولايتي سطيف وجيجل الشرقيتين لسقي ما لا يقل عن 000 30 هكتار من المساحات المزروعة، إضافة إلى مشروع يربط مناطق المنيعة والجلفة وتيارت بطاقة (600 مليون متر مكعب) وكذا استغلال مياه الشط الغربي بولاية تلمسانالغربية لتحويلها نحو منطقة النعامة الجنوبية بسعة (140 مليون متر مكعب) لزيادة مردودية المتعاملين الاقتصاديين الفعليين وما سيمثله ذلك من دعامة كبيرة وقيمة مضافة للأداء الاقتصادي في الجزائر.