أحيت الجزائر أمس، الذكرى المزدوجة لهجمات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام في 20 أوت 1955 و1956 على التوالي، وهما محطتان حاسمتان في مسار الثورة التحريرية، تمّ خلالها تقييم ما وصلت إليه الثورة وإعطاء نفس جديد لها، سمح بإسماع صداها دوليا، وتفعيل أكبر للكفاح المسلّح الذي هزم الاستعمار الغاشم وظفر بالاستقلال بكل جدارة. نوّه محمد يوسفي، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر “للسلام”، بما فعله الشهيد البطل زيغود يوسف، وكوكبة من مجاهدي الجهة الشرقية في 20 أوت 1955، حينما شنوا عمليات واسعة النطاق على مستوى منطقة الشمال القسنطيني، وهي عمليات استمرت ثلاثة أيام وكبّدت الاستعمار الفرنسي خسائر مادية وبشرية جسيمة. وبخصوص الأهداف التي سطرها جيش التحرير من وراء تلك الهجمات، أبرز يوسفي نجاح الجزائر آنذاك في تعميق التلاحم وتظافر الشعب مع الثورة، بجانب تمرير رسالة إلى فرنسا والرأي العام الدولي، مفادها قدرة جيش التحرير على مواصلة القتال إلى غاية الظفر بالاستقلال. ويقول يوسفي: “إنّ أهم هدف أراد قادة الثورة الوصول إليها هو تغيير تلك النظرة الاحتقارية للاستعمار الفرنسي، اتجاه جيش التحرير الوطني حيث كان يعتبر المجاهدين مجرد (فلاقة) مغلوب على أمرهم، ولكنهم وبفضل تلك الهجومات صار يحسب لجيش التحرير ألف حساب”. في 20 أوت 1955 كان الاستعمار الفرنسي يحكم قبضته على منطقة الأوراس، فساهمت تلك الهجومات في فك الحصار بعد أن سبقت تلك الهجومات عملية تخطيط محكم من طرف قادة الثورة، وأضاف المتحدث أنه وبعد مجموعة من العمليات المتفرقة وسّع جيش التحرير منها فكان لها صدى كبيرا عند الفرنسيين ممن توقعوا أن تضمحل، ولكن الهجمات جاءت في وقتها لتغيير كل الحسابات والتوقعات. أما عن ردة فعل الاحتلال على هجمات الشمال القسنطيني، أشار محدثنا إلى كون رد الاستعمار الفرنسي كان عنيفا، حيث قام على إثرها بحملة قمعية ذهب ضحيتها عدد من المجاهدين وحتى المدنيين من عموم الشعب ممن تعرضوا لعمليات إبادة انتقاما منهم على ما فعله جيش التحرير، حيث جرى قصف العديد من القرى والمداشر وإحراق الأراضي. ومن أهم تلك العمليات الإجرامية، استدلّ المتحدث ببعض الكتابات التاريخية التي عرّت ما قام به المستعمر الفرنسي في سكيكدة، حيث جرى إعدام الآلاف من الرجال والنساء أطفال وشيوخ رميا بالرصاص. وبشأن مؤتمر الصومام، يركّز يوسفي على أنّ هذا الحدث كان الأول من نوعه في تاريخ الثورة التحريرية، حيث جمع اللقاء بين أبرز نخبة الثورة التحريرية من قادة ومجاهدين من داخل وخارج الوطن، بعد أن اختير 20 أوت 1956 تاريخا لعقد اللقاء بوادي الصومام. وكان الهدف من تنظيم هذا المؤتمر حسب المتحدث ذاته، هو تقييم الثورة بعد ما يفوق سنة من اندلاعها، ولأنهم كانوا مقتنعين بأهمية العمل المنظم لنيل المراد حيث عملوا على بعض الترتيبات الجديدة في الجهازين العسكري والسياسي من أجل الوصول إلى أهم مسعى وهو استقلال الجزائر. أما عن أهم النتائج المنبثقة عن مؤتمر الصومام، فكان إستراتيجية جديدة أرست قواعد وهيكلا تنظيميا محكما من أجل الوصول بالثورة إلى الهدف المنشود. فمن الناحية العسكرية ذكر أستاذ التاريخ أنه تمت إعادة تقسيم المناطق العسكرية إلى ست مناطق عسكرية بعد أن كانت خمسة مع إدراج منطقة الجنوب ضمن التقسيم الثوري، مع البحث عن مصادر جديدة لتدعيم جيش التحرير الوطني بالذخيرة الحية، والأهم أنه تم تقييم ما تم تحقيقه من نتائج منذ اندلاع ثورة التحرير المجيدة من خلال الوقوف على النقائص وتجاوز الأخطاء، سياسيا تم إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ولجنة التنسيق العسكرية والسياسية. إنّ هذا التنظيم كان قد سمح بخوض معارك ناجحة كبدت العدو خسائر جسيمة ودفعهم للجلوس على طاولة التفاوض والتي أعلنت على وقف إطلاق النار واستقلال الجزائر.