يشتكي سكان منطقة المالحة الواقعة ببلدية ابن زياد في قسنطينة، من جملة مشاكل لها بداية دون نهاية، بحيث تكاد تقترب حياة المواطنين هنا للحياة البدائية، فيما يبدو جليّا أنّ عجلة التّنمية توقفت هنا أو لم تمرّ من الأساس، بفعل الظّروف الكارثية التّي يتكبّدها الكثيرون والظّروف المعيشية الصّعبة التّي يتخبّط فيها جيل الاستقلال. تعاني المنطقة التّي تعتبر أكبر تجمّع سكاني ببلدية ابن زياد بقسنطينة، من العزلة بسبب انعدام وسائل النّقل، وصعوبة توفيرها لأجل التّنقل لعاصمة الولاية، وهو الأمر الذّي جعلها غير معروفة حتّى لبعض سكان قسنطينة، بل وأنّ الوصول إليها يتطلّب ركوب حافلة متوجّهة لولاية ميلة مثلا أو الاعتماد على سيارات الأجرة، التّي تشترط مبالغ خيالية في غالب الأحيان بسبب عدم رغبة أصحاب السّيارات في التّوجه لمنطقة معزولة نسبيا، وهي الوضعية التّي تدفع بالكثيرين المجبرين على التّوجه لقسنطينة على الرّضوخ لمطالب أصحاب السّيارات وابتزازهم، ودفع مبلغ يكفي ربما للتّوجه للجزائر العاصمة. مسالك ترابية تبحث عن تهيئة وفي نفس الإطار فإنّ جولة ميدانية قادت “السلام” إلى المنطقة بينت أن طرقات المالحة لا ترقى لهذه التّسمية بفعل عدم تعبيدها وانتشار الخفر والمطبّات والتّشقّقات، التّي توجب ضرورة برمجة مشروع ضخم لتهيئة مسالك وطرق المنطقة، التّي لم تستفد من مشروع مهمّ واحد في هذا الإطار، بينما لازال السّكان غارقين في الأوحال شتاء والغبار صيفا، وإن كان الأمر مثيرا لاستياء المارة والرّاجلين، فإنّه يمثّل سببا كافيا لثورة أصحاب السّيارات الذّين يدفعون ثمن عدم تعبيد الطّرقات أعطابا مستمرة في مركباتهم. والمثير في الأمر أنّه وفي الوقت الذّي استفادت عديد المناطق بقسنطينة من مشاريع للتّحسين الحضري، كان من المفروض أن توجّه للمناطق التّي تحتاجه، فإنّ منطقة المالحة ظلت غائبة عن هذا النّوع من المشاريع وتركت تتخبّط في ريفيتها القاتلة. المياه والصّرف الصّحي مشكلة أخرى من جهة أخرى تعرف حنفيات منطقة المالحة - حسب تصريحات بعض سكانها- جفافا حقيقيا، رغم أنّ المنطقة استفادت من مشاريع في هذا الإطار لم توفّر للبعض من السّكان إلاّ قطرات مياه تزروهم “مرة في الفال” ولوقت قصير قد يكون ربع ساعة لا أكثر، وهي المشكلة التّي جعلت السّكان في رحلة دائمة للبحث عن مصادر تموين أخرى بالمياه، بينما تعرف المشكلة تفاقما كبيرا في فصل الصّيف وتدخل الكثيرين دوامة حقيقية. ويطالب الكثير من السّكان بحلّ مشكلة قنوات الصّرف الصّحي غير الصّحية والتّي يظهر بعضها للعيان، بحيث تعرف شبكة الصّرف الصّحي العشوائية تسرّبات كثيرة جعلت من منظر المياه القذرة داخل الأحياء والشّوارع أمرا عاديا، فيما لا تتدخّل السّلطات المعنية أبدا رغم أنّ الوضع يهدّد بكارثة بيئية سيما في هذا الفصل . أزمة السكن و”الشكوى لربي”.. وفيما يخص السّكن فإنّ أغلب منازل سكان المالحة عبارة عن سكنات فوضوية لم تحترم في الكثير منها معايير البناء، بينما لازال البعض في انتظار الحصول على منحة السّكن الرّيفي، التّي قيل أنّ توزيعها لا يعتمد على العدل أبدا فيما تشكّل حصة السّكن الاجتماعي المتوفرة في كلّ مرّة فرصة ذهبية يتراكض خلفها المئات ولا يحصل عليها إلاّ المحظوظون أو أصحاب المعارف، حسب تصريحات بعض السّكان، الذين اشتكوا تجاهل الإدارة التّام لهم بحيث لا يتم استقبالهم ولا يستمع أحد من المسؤولين لانشغالاتهم، وهي المشكلة التّي يتقاسمها كلّ سكان البلدية بلا استثناء. وفي هذا الصّدد فإنّ بعض المنازل بمنطقة المالحة لازالت تعتمد مادة الأميونت الخطرة نظرا لعدم تمكّن أصحابها من توفير المال اللاّزم لأجل تأمين الأسقف، وهي المادة التي من المفترض أنّها ممنوعة بسبب خطورتها والأمراض التّي يمكن أن تتسبّب فيها. الصّحة والتّعليم.. وضع لا يسر ولتكتمل المعاناة فإنّ وضعية التّعليم والصّحة أيضا لا تسرّ بالمنطقة، بحيث يضطر التلاميذ لتكبد عناء التّنقل للبلدية الأم، لأجل مزاولة الدّراسة في الطّور الثّانوي، بينما تشكّل وضعية المؤسّسات التّعليمية الأخرى علامة استفهام كبيرة نظرا لوضعيتها السّيئة، وعن قطاع الصّحة فإنّ قاعة علاج وحيدة بالمنطقة يقوم عليها ممرّض واحد من واجبه خدمة السّكان فيما يتعلّق بالخدمات الطّبية البسيطة، بينما وعند الضّرورة فإنّهم يضطّرون للتّنقل لولاية ميلة التّي تعتبر أقرب إليهم من قسنطينة، و هو الأمر المبكي والمضحك في نفس الوقت، إذ من غير المعقول أن تفتقر المنطقة لهيكل صحّي أو عيادة متعدّدة الخدمات ويتحمّل سكان ولاية أخرى ذنب ذلك . هذا ويطالب سكان منطقة المالحة ببلدية ابن زياد، من المسؤولين الالتفات لمنطقتهم التّي لازالت تعيش حقبة ما قبل الاستقلال الذّي لم يذق جيله شيئا من التّحضر ولا من التّنمية، ومع ذلك لا يجدون آذانا صاغية بحيث رغم عديد الشّكاوى إلاّ أنّ لا حياة لمن تنادي.