على الرّغم من محاذاتها للمنطقة الأثرية تيديس، إلاّ أنّ قرية الصّفصافة الكائنة ببلدية بني حميدان بقسنطينة لازالت غارقة في مستنقع التهميش والتّخلّف، وبينما تخصّص المبالغ المالية للنّهوض ب»تيديس» لا تكاد القرية تنعم ببعض المشاريع المهمة لتنفض الغبار عن سكانها ممّن ملّوا الارتواء من الينابيع والاعتماد على الحطب للحصول على الدفء. يعيش سكان الصّفصافة ببلدية بني حميدان التّابعة لدائرة زيغود يوسف بقسنطينة منذ عقود خارج مجال التّنمية، بحيث أنّ قريتهم لا تشبه في موتها إلاّ الآثار القريبة منها، والتّي على عكسها استفادت من مبالغ مالية هامّة على أمل إحيائها وبعثها، بينما لا يلتفت أحد لسكان القرية التّي يطرح التّساؤل عن العين التّي يراها من خلالها السّياح القادمين لتيديس، وطبعا عن الجرأة التّي يتحلى بها المسؤولون الذّين يطالبون بإقامة مهرجان وطني في منطقة لازالت بها مشاهد ركوب الأحمرة والاحتطاب قائمة لحد السّاعة. بركات «تيديس» لم تنفع.. هذا الأمر الذّي يجعل من أمر الرّهان على بعث المنطقة الأثرية فاشلا مادام لم يرتكز على الرّغبة في إحياء المنطقة كلّها ومحيطها، وقد يكتفي أيّ سائح بمنظر البؤس والشّقاء في أعين سكان الصّفصافة دون الاضطرار للوقوف عند أطلال تيديس التّي لا يبدو أنّ بركات مشروع بعثها وإحيائها قد مسّت جيرانها أو نفعتهم. السكان يصرخون: «نريد الأدنى فقط..» «السلام» زارت القرية وتحدّثت إلى بعض سكانها ممّن لم يفلحوا في تحديد أولوية أولوياتهم مادامت كل مظاهر التنمية غائبة، بدءا من انعدام الطّرق وعدم صلاحية تلك المعابر والممرّات الطّينية، التّي تتحوّل بدورها شّتاء إلى أوحال وصّيفا إلى أغبرة، مرورا بانعدام المياه الشّروب وقنواتها بحيث يضطر السّكان للتّزوّد من الينابيع والآبار رغم ما في ذلك من ضرر، وصولا لوضعية الطّريق الوطني الذّي يربط المنطقة بالبلدية الأم، والذّي نظرا لاهترائه فإنّ صفة «الوطني» لم تعد تصلح له، سيما بعد أن هجره أصحاب سيارات الأجرة فاسحين المجال أمام «الفرود» وأمام المعاناة، لترفع أسهمها وتفرض منطقها على الموظّفين والعمال، المجبرين أحيانا على قطع الكيلومترات راجلين عوض انتظار «الفرود» أو «مزية» أصحاب الجرّارات. في المطالب دائما هناك النّقطة الأولى لكنّ سكان المنطقة لا يريدون إلاّ الالتفات لهم مادامت كل المطالب مهمّة في الوقت الرّاهن، وأنّ سياسة التّهميش علمتهم الرّضى بالقليل الذّي لخّصه أحد الشيوخ بقوله «نحن هنا لا نريد الكثير..فقط الأدنى...». وفي قرية الصّفصافة لازالت الأحمرة «بشأنها»، بحيث تعتبر أكثر الوسائل الصّالحة للتّنقل على مسالك مملوءة بالمطبّات والحفر، مثلما أنّها المكلّف رقم واحد بحمل القوارير في عمليات التّزوّد بالمياه الشّروب، ناهيك عن حمل الحطب وكذا قارورات غاز البوتان التّي يعتمد عليها بعض السّكان بالموازاة مع ذلك، وباختصار فإنّه حين تبتعد التنمية عن منطقة ما فإنّ الأحمرة والدّواب تكون قيّمة، رغم أنّ منظرها لا يشرّف أبدا سيما مع وجود السّياح القادمين لزيارة تيديس من خارج الجزائر. أغيثوا الأحياء قبل إحياء الأطلال.. وبالإضافة للمشاكل السّابق ذكرها فإنّ السّكان يضطرون لاستخدام طرق جد بدائية في مجال الصّرف الصّحي نظرا لانعدام قنواته، وهو الأمر الذّي أدّى إلى انتشار واسع للحشرات وللتّلوّث البيئي الذّي يعود بالسّلب على الصّحة، هذه الأخيرة التّي يظهر أنّها مظلومة بالمنطقة بسبب عدم وجود أيّ وحدة صحية قريبة يمكن أن تكون ملجأ للمرضى، دون الحديث عن غيرهم من الرّاغبين في الاستفادة من التّلقيح وبعض الخدمات البسيطة التّي تعني الحاجة إليها ضرورة التّنقل مسافة طويلة.. وإن كانت بلدية بني حميدان في الأساس تعتبر من أفقر البلديات مواردا، فإنّ السّكان يطالبون بالالتفات لحالتهم السّيئة نظرا للظّروف الكارثية التّي يعيشونها، وبدل العمل على إحياء الأطلال ونفض الغبار عن الآثار، فإنّ مهمة إغاثة الأحياء تعتبر أنبل وأقدس، سيما وأنّ رهان التّنمية لطالما كان أهمّ الشعارات المرفوعة أثناء الحملات الانتخابية.