لكونها تشكل إحدى الحلول لمعضلة الغذاء في الجزائر، تعوّل ولاية ورقلة على تجسيد عشرات المشاريع في ميدان الزراعة الصحراوية، وتشير مراجع تحدثت للسلام إلى 54 مشروعا استثماريا في صحاري المنطقة، ضمن تصور متعدد لا يكتفي بترقية الزراعات الاستراتيجية، بل سترقي الطاقات المتجددة واستخداماتها في استصلاح الأراضي والري الزراعي بورقلة والمناطق المجاورة، والخوض في تربية المائيات والمربى والعسل، إلى جانب التمور بمختلف أنواعها، وصولا إلى تربية الدواجن واستثمار المياه الجوفية. وسيغدو المجال متاح أيضا لإنتاج زيت الزيتون والعسل والطماطم والفلفل والفاصوليا والبرتقال والليمون والحليب ومشتقاته والدقيق والعجائن الغذائية، إضافة إلى مشتقات النخيل التي تشكّل مجالات خصبة للحرف والصناعات التقليدية في الجنوب كالحياكة والطرز والدباغة وغيرها. ورصدت السلطات المحلية غلافا زاد عن الثمانمائة مليون دينار لاستغلال الواحات والأراضي الصحراوية القابلة للاستغلال زراعيا، في خطة تطمح إلى خلق أنشطة زراعية بوسعها استيعاب الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، ويُرتقب أن يتم تجسيد المشاريع المذكورة في غضون الخمس سنوات القادمة، في سياق موصول بما يجري إنجازه على مستوى ولايات: الأغواط، الجلفة، بسكرة، غرداية، أدرار، النعامة، جانت، تمنراست، البيض، الوادي، إليزي، بشار وتندوف. وتحتوي هذه المناطق على مواد زراعية متنوعة كالتمور الجافة مثل الدقلة البيضاء، والتمور اللينة كالغرس والرطب ودقلة نور ذات السمعة العالمية، علما أنّ الثمانية سنوات المنقضية شهدت 47 مشروعا استثماريا زراعيا وفرّت آلاف الوظائف الدائمة. وأوضح «محمد بن مرادي» وزير لترقية الاستثمار، إنّ الأمر يتعلق باستعدادات حثيثة لتطبيق برنامج خاص تمنح من خلاله الدولة تخفيضات جبائية لصالح مستثمري الزراعة الصحراوية والسهبية، وسيستفيد هؤلاء من تخفيضات بنسبة تصل نصف الضرائب على مداخيلهم الإجمالية. واستنادا إلى كشوفات الوكالة الوطنية للاستثمار، أبدى قطاع واسع من المتعاملين الخواص رغبتهم في الاستثمار بالصحراء الكبرى، واللافت أنّ كثير من هؤلاء لا يريدون الاقتصار على الجانب الزراعي فحسب، بل يعتزمون استغلال أموالهم في بعث نشاطات مرافقة كحفر الآبار لاقتناعهم بمدى نجاعتها في مناطق الجنوب ذات الخصوصية المناخية المتميزة، ما يساهم في تلبية جانب من الحاجيات الاجتماعية للسكان. ويشير «عبد الوهاب برتيمة» مدير الوكالة الوطنية للتنظيم والتسيير العقاري إلى توفر الصحراء الجزائرية على مساحات خضراء تعدّ مشتلة لاستزراع أنواع شتى، إلى جانب تهيئة البحيرات بمنطقة ورقلة لتربية المائيات، وأسهم نجاح تجربة أولى تمّ خلالها استزراع 6800 من بيض أسماك «الشبوط» و»البلطي» عبر 13 حوضا، في إغراء مستثمرين خواص بجدوى تعميم التجربة وممارستها بكثافة نشرها على امتداد الولايات. وتؤكد «ياسمين خازم» المتحدثة باسم وزارة الصيد، إنّ المخطط يقوم على استغلال كل نقاط المياه البحرية والعذبة لبعث مزارع مائية، فضلا عن توظيف الوديان والسبخات، واستغلال أحواض السقي وعموم المسطحات المائية الطبيعية والاصطناعية في تربية أسماك يكثر الطلب عليها محليا، وتتميز بفائدتها الغذائية الصحية بينها بلح البحر والجمبري. إلى ذلك، يرى «رشيد بن عيسى» وزير الزراعة، إنّ الفرصة مواتية لبعث برنامج الزراعات الزيتية، مع التركيز على انتاج الشمندر السكري وزيت المائدة، لذا جرى إطلاق 70 مزرعة نموذجية وثلاثة آلاف وحدة مضاعفة الحبوب، ومائتي وحدة مضاعفة بذور البطاطا، إضافة إلى مائتي مشتلة معتمدة، ناهيك عن المعاهد التقنية والمراكز الزراعية التي ستُعنى رأسا ببرامج انتقائية في مجال الحبوب، الأعلاف، البقول، زراعة الخضر والكروم وتربية الأبقار، الأحصنة والجمال. ويثمّن الوزير الأسبق «صافي بوديسة» الانفتاح الحاصل على الزراعتين الصحراوية والسهبية في الجزائر، بالنظر إلى حجم الثروات المتوفرة في الصحاري التي تكتنز أنواعا من الخضروات والحمضيات والتمور والمنتجات البقولية، بجانب ما تحتوي عليه من مساحات شاسعة تسمح بتفعيل تربية المواشي وتنمية المناطق الجافة وشبه الجافة. بدوره، يؤكد «عبد الكريم منصوري» المدير العام للوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، إنّ المخطط ستكون له نتائج نوعية على الصعيدين الاقتصادي والسياحي، ويمهّد لدفع الاستثمارات خارج قطاع المحروقات، خصوصا مع تموقع الزراعة الصحراوية والسهبية كبديلين حيويين، تبعا لامتلاكهما مقومات النجاح الاقتصادي الأكيد. من جهته، يؤكد «شريف رحماني» وزير تهيئة الاقليم والبيئة، إنّ الانفتاح على الزراعتين الصحراوية سيسهم كثيرا في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمناطق السهبية والجنوبية، وجني ثمار العمل في آفاق العام 2025. يلّح متخصصون على حتمية مراجعة السلطات للسياسة الزراعية المنتهجة، وتوخي تدابير مستحدثة لتأطير العقار الزراعي، وبعث الأنشطة الزراعية والاستغلال الزراعي والتنظيم المهني وكذا إجراءات للتأطير العلمي والتقني من أجل تحسين مستوى التأهيل المهني لعموم المزارعين، للنهوض بالقطاع الزراعي في الجزائر الذي ظلّ يعاني من عديد المشكلات خلال الفترة الأخيرة، احتكاما لمعاناة المسألة الزراعية من شدّ وجذب بين مطلب حماية العقار الزراعي والحفاظ عليه، ومطلب ضمان دينامية حقيقية من أجل الاستغلال الأمثل للأراضي الزراعية. ويتعلق الأمر بتنفيذ «شبه ثورة زراعية» ستعنى بإعادة بناء القطاع الزراعي في الجزائر على أسس صلبة، تلافيا لتكرار أزمات الحبوب والبطاطا وتوابعهما، وتحسين الأمن الغذائي من أجل تمكين الجميع من الغذاء السليم والكافي، وضمان تطوّر متحكّم فيه لتنظيم قطاع الزراعة ووسائل تأطيره في سبيل رفع إنتاجيته وقدرته التنافسية، من خلال تطبيق مبدأ دعم الدولة المدروس للتنمية الزراعية. كما يشدد أخصائيون على حساسية تثمين أنواع الإنتاج الزراعي واعتماد نظام جودة (العلامة الزراعية، تسمية المنشأ، توضيح مراحل الإنتاج، وجودة المنتوج البيولوجي)، مع ضمان استمرارية المستثمرات الزراعية والحفاظ عليها عبر هياكل زراعية مكيّفة، والارتقاء بالمستوى المعيشي للمزارعين من خلال تكفل الدولة بتوفير الظروف الملائمة لدينامية تنمية المناطق الزراعية، مع تشجيع إدماج الشباب من حملة الشهادات في مسار تحديث المستثمرات الزراعية وتسييرها، بما سينعش القطاع الزراعي ويخرجه من مستنقع اللااشتغال على كثير من الضروب الجديدة. ويرى مراقبون أنّ النهوض بالزراعة الصحراوية في ورقلة لا يكفي بتوفير المادة الأولية وحدها أو توفير الآلات الزراعية الكافية، بل ينبغي النهوض بالمجتمع الريفي وبالفلاح على الخصوص، وذلك هو الطريق الذي سلكه الرئيس هواري بومدين عندما رفع التحديات، حيث بدأ بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين وتوفير مساكن لهم من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين وقضى على البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون، وأمده بكل الوسائل والإمكانات التي كان يحتاج إليها. ومن شأن الزراعة الصحراوية أن تضع حدا لتدهورا أوضاع المنظومة الزراعية في البلاد، عبر الارتقاء بإنتاج وتطوير بذور الزراعات الإستراتيجية مثل البقول والحبوب والبطاطا وغيرها، وهو أمر مرهون بضمان دعم نوعي للأنشطة الزراعية بشكل يضمن السعر الأدنى لكل منتوج زراعي، إضافة إلى إعفاء عوامل الإنتاج الزراعي من الضريبة على القيمة المضافة ومسح ديون المزارعين، مع إعادة النظر في التقييم الخاص بها وإيجاد صيغة عملية لإدراج الجفاف والجراد والفيضانات ومختلف الآفات ضمن الكوارث الكبرى وتعويض المتضررين منها.