تسبب تزايد الروائح الكريهة لمفرغة أولاد فايت في حالة من الغليان بين مواطني بلدية بابا حسن، ولا يفهم هؤلاء كيف للسلطات المحلية أن تتغاضى عن أمر كهذا رغم كل الأحاديث والأحكام القضائية الآمرة بغلقها، وتثير مفرغة أولاد فايت (20 كلم غربي الجزائر العاصمة) انزعاجا مضاعفا لدى عموم السكان وكذا الناشطين البيئيين يرفضون استمرار السلطات في تشغيل المفرغة رغم أطنان النفايات التي حوّلت حاضرهم إلى جحيم. ووسط حالة من اللامبالاة، أضحى المقيمون كما زوار باباحسن يعانون جرّاء تزايد حدتها في فصل الصيف، حيث تعدّ ببلدة بابا حسن أكثر المناطق تأثرا بمفرغة أولاد فايت ، حيث تحوّلت مناطق سهبية كانت مشتهرة بهوائها النظيف وغنائها البيولوجي، إلى مستنقع كالح يخنق الأنفاس وتسبّب في تهجير عائلات بكاملها وإفساد معيشة أخرى. وفي تصريحات خاصة ب «السلام»، أبرز «نعيم سلماتي» مسؤول جمعية حماية البيئة ببلدة بابا حسن، إنّ الأخيرة التي كان مقررا غلقها مطلع فيفري 2012، باتت تربك السكان المحليين سيما القاطنين في الضواحي المحاذية للمفرغة على غرار: بابا حسن، أولاد فايت، السويدانية، العاشور، فضلا عن الدرارية، الدويرة والخرايسية. وإذا كانت السلطات المحلية التزمت في وقت سابق بغلق المفرغة حال امتلائها، إلاّ أنّ الأمر لم يتم وسط استياء عارم للشارع المحلي، بهذا الشأن، يستهجن رضا، منير، مولود وشوقي وهم من أبناء الضواحي بقاء المفرغة تفتك في صمت بضحاياها، حيث يشيرون إلى تأثر المصابين بالأمراض التنفسية وكذا فئة الأطفال الهشة، واضطرار الكثير من مواطنيهم للارتحال للهروب من الروائح الكريهة التي تتفاقم في مواسم الحرّ. بدورهنّ، تشجب لمياء، خديجة ونبيلة العاملات في ورشة خاصة قريبة من المفرغة لوضع يصفنه ب»المقرف»، خصوصا بعد الإعلان الأخير عن تمديد سيرورة هذه المفرغة المثيرة للجدل، وتحضيرها لاستقبال أطنان إضافية من النفايات المنزلية والصناعية التي تلفظها 57 بلدية تستوعبها المدينة الأولى في البلاد. إلى ذلك، بدأت جمعية حماية البيئة حراكا لجمع تواقيع سكان البلدات الخمس المتضررة جرّاء المفرغة، ويبدي «ناصر زبّار» استغرابا لاستمرار هذه المفرغة بعدما جرى غلق مفرغة وادي السمار، حيث تستقبلان خمسة آلاف طن يوميا و680 ألف طن دوريا، رغم إصدار جهاز القضاء لحكمين نهائيين نصّا على غلق مفرغة أولاد فايت، إلاّ أنّها ظلت مفتوحة رغم أنف المجلس الأعلى للدولة. ويحترز أطباء مما تلفظه مفرغة أولاد فايت من مواد سامة متسربة وتضرر المياه الجوفية، بجانب عدم ملاءمة طرق معالجة النفايات مع الطرق المعمول بها في دول غربية رائدة في هذا المجال. من جهته، لا يفهم «سيد علي مخفي» الناشط في الطاقات الخضراء، كيف تبقي السلطات مفرغة بهذه الخطورة ولا تستبدلها بأخرى حديثة تنتصر لتدوير النفايات إلى طاقة منتجة على منوال ما هو حاصل في أوروبا، ويعتقد مخفي أنّ سماح الجهات الرسمية للمتعاملين الاقتصاديين بالاستثمار في تدوير النفايات سيقلب وجه البلاد، خصوصا مع إبداء كونسورتيوم فرنسي – إسباني مشترك، فضلا عن مجموعات ألمانية استعدادها لتفعيل الجزائر على هذا المستوى. في الجانب الحكومي، وإزاء وضع كهذا، كشف وزير البيئة «شريف رحماني» عن غلق مفرغة أولاد فايت مرحليا في غضون العشرة أشهر المقبلة، على أن يتم تحويل النفايات المكدّسة بالمفرغة إلى ثلاثة مفرغات أخرى، إلا أنّ متخصصين يتكهنون ببقاء المشكلة عالقة وأخذها منحنيات أخطر، في ظل هيمنة ثقافة تكديس النفايات لا تدويرها، في وقت تنفق الجزائر مخصصات هامة للحفاظ على البيئة، حيث تقدّر قيمة المخصصات السنوية ب3.5 ملايير دولار وهو ما يمثّل 7 بالمائة من الناتج المحلي الخام. ويقرّ رحماني إنّ البلاد تتكبدّ خسائر جسيمة بفعل اتساع رقعة التلوّث بقيمة تربو عن الملياري دولار، وهو معطى خطير، وتعدّ الزراعة الأكثر تضررا، بخسائر سنوية تربو قيمتها عن المائة وعشرة ملايين دولار، جرّاء إتلاف ثلث المنتجات الزراعية، وهي فاتورة ثقيلة تفرض على السلطات التفكير في تفعيل مشروعات تدوير النفايات، بجانب إلزامها الملوّثين بدفع ضرائب، مع الإشارة إلى أنّ الحكومة فرضت ثمانية أصناف من الرسوم، وذلك لأجل تشجيع عدم تخزين النفايات الصناعية. ويشير الخبير «أنيس بن مختار» إلى مصاعب جمّة تواجهها الجزائر في مجال معالجة النفايات، جرّاء تماطل بعض البلديات في دفع الرسوم المستحقة على تسيير وجمع فضلات أقاليمها الجغرافية. كما تتحدث المختصة «أنيسة حمادي» عن معاناة السلطات إزاء عدم مقدرتها على تحويل النفايات، بسبب عدم امتلاكها التقنيات الضرورية للمعالجة، وهو ما يرغم البلاد بحسب بيانات رسمية - على استيراد عشرة آلاف طن سنويًا كمادة أولية من السويد، لكن يبقى المشكل الأساس كامنًا في التجهيزات الضرورية لمثل هذه العمليات، وهو ما يجعل من فتح السوق أمام الاستثمارات الخاصة، السبيل الأمثل لرسكلة النفايات دون تكبد الخزانة العامة لمخصصات ترهق كاهلها. وتواجه الجزائر مصاعب في مجال معالجة النفايات وتسييرها، وهو واقع يبدي مختصون مخاوفهم تجاهه، سيما مع كون معظم مراكز معالجة النفايات هي في طور التجميد منذ فترة ليست بالقصيرة، كما يحترز آخرون على عامل عدم اعتناء السلطات بتطوير مراكز تصنيع النفايات. ويقدّر مخزون النفايات الخاصة في الجزائر ب2.8 مليون طن، ومرشحة ليصل إنتاجها حدود 325 ألف طن سنويًا، بيد أنّ هذا التخزين غير مراقب بدقة، وتصل نسبة النفايات المنتجة إلى 87 في المئة بمعدل 282 ألف طن سنويًا، في وقت، أحصيت 1100 طن من المبيدات الفاسدة في الجزائر في شكل مواد صلبة و615 ألف لتر من المبيدات السائلة، وتتشكل المواد السامة الفاسدة من نفايات الزئبق، حيث يخزن موقع عزازقة 1 طن، وتعمد الجزائر إلى الاتصال بشركات خاصة للقضاء عليها، وهناك 22 طنًا من مادة «السيانور» تنتج سنويًا، و270 طن مخزنة، إضافة إلى كميات من نفايات المحروقات.