التهبت بورصة أسعار الأدوات واللوازم المدرسية بشكل واضح عشية افتتاح الموسم الدراسي الجديد 2012 – 2013، وتشير مؤشرات ومعاينات إلى أنّ ضعف الانتاج الوطني وما أفرزته من اختلالات في منظومة العرض والطلب وراء الارتفاعات المحسوسة التي عادت لتحرق جيوب الموظفين محدودي الدخل. في استطلاع ل”السلام” شمل عديد أسواق الحاجيات المدرسية وبعض المكتبات الخاصة في العاصمة وضواحيها، لاحظنا طغيان الغلاء كعنوان أبرز، حيث عُرضت المآزر بأسعار تراوحت بين 500 و1500 دينار، في حين كانت قيمة المحافظ والحقائب المدرسية بين 1200 إلى ألفي دينار، ولم تكن الكراريس والأقلام وكذا الأوراق أفضل حالا، حيث لم تكن متاحة بأثمان أقل، وبرز للعيان أنّ معظم السلع المعروضة مستوردة وذات منشأ صيني، بمقابل نقص فادح للمنتوج الوطني. وردا على التباينات الحاصلة بين المكتبات والأسواق، أكّد لنا عمر، وهو أحد الباعة وجود أدوات مختلفة النوعية، فهناك الممتازة والمتوسطة وأخرى أقلّ، وعليه فإنّ الأسعار مرتبط بنوعية المنتجات بالإضافة إلى البلدان المصنّعة لها، وإذا كانت محلية فإنّ قيمتها منطقيا تكون أقل من نظيرتها المستوردة. واستنادا إلى إفادات متابعين على صلة بالملف، فإنّ أسعار الأدوات المدرسية شهدت هذه السنة ارتفاعا قدّره متابعون بنسبة 10 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، وطبعا فإنّ الأمر يعدّ هاجسا بالنسبة لأرباب العائلات المكوّنة من 3 إلى 5 أطفال متمدرسين، ما يفرض على المعنيين رصد ميزانية ضخمة لن تقلّ في أسوأ الأحوال عن الخمسين ألف دينار للعائلة الواحدة. هذا الوضع اشتكى منه معظم المواطنين الذين رأوا فيه ظلما ونسفا صريحا لجيوبهم نظرا للأعباء المرهقة على حد تعبيرهم، أين عبّر عديد الأولياء عن عجزهم عن اقتنائها ولم يتقبلوا ما آلت إليه الأسواق اليوم، حيث ارتفعت أسعارها بزيادات غير متوقعة مقارنة بالسنة الفارطة، خاصة وأنّ الدخول الاجتماعي هذه المرة أتى مباشرة بعد مناسبتي رمضان والعيد، وما رافقهما من إنفاق كبير للعائلات . وأبدى مواطنون انزعاجهم مما يحصل، في صورة عائشة، وهي أم لطفلين يتابعان تعليمهما في الابتدائي، حيث استغربت هذه السيدة التي التقيناها بسوق ساحة الشهداء، من ارتفاع الأسعار بطريقة جنونية، متسائلة في الوقت نفسه عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء هذا الغلاء، موضحة أنّها مضطرة لكي يرتدي ابناها ملابس العيد لدى دخولهما المدارس، واصفة الغلاء ب«النار التي تحرق جيوب المواطنين”. ويضيف محمد، أب لثلاثة أبناء: “لم أعد أتحمل المصاريف باعتباري عامل بسيط أتقاضى أجرا لا يتعدى 18 ألف دينار، وعليه سأكتفي بشراء سراويل فقط، طالما أنّ راتبي محدود لا يمكنني استخدامه لتغطية نفقات الأكل، الثياب، الايجار، ودراسة أبنائي”. وبالرغم من الصرخات الصادرة من المواطنين إزاء هذا الالتهاب السريع في الأسعار، إلا أن باعة الأدوات واللوازم المدرسية لم يراعوها، فهم يسعون دوما إلى استغلال الفرص لتحقيق فوائد طائلة على حساب الزبائن البسطاء، في وقت يتحجج الباعة بالصعوبات التي تعترضهم جرّاء جلبها بالجملة، مشيرين في الوقت ذاته إلى أنّ نوعية المواد هذه تختلف أسعارها باختلاف نوعيتها وكذا شكلها. وأمام عجز أوليائهم، أبرز الكثير من الأطفال أنهم عملوا ضعفين لاقتناء ما يلزمهم من أدوات دراسية، في هذا السياق، ذكر أيوب 11 سنة الذي هو في استعداد لدخول المتوسطة. حيث حدثنا بأنه عمل طيلة شهر رمضان الكريم مع أخيه في بيع الخبز من أجل جمع المال لشراء اللوازم المدرسية، وهو نفس ما أكدته والدته التي صرحت بأن غلاء اللوازم المدرسية ارتفع بدرجة كبيرة خلال هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، خاصة وأن الأبناء أصبحوا هم من يختار المحافظ التي التهبت أثمانها بسبب ما يوجد عليها من رسوم متحركة والمقدرة ب1900 دينار بعدما كانت 600 دينار، تضيف أن لها ولدان اشترت لهما كل ما يحتاجانه من الأدوات التي قدرت ب5000 دينار من دكان يشتغل على البيع بالجملة، ففي البلدية يقدمون لنا محافظ لكنها ذات نوعية رديئة يقول الابن خاصة مع عدد الكتب الوفير والذي يصل إلى 13 كتابا، الأمر الذي يسهل تمزيق المحافظ خلال مدة وجيزة، أما عن ملابس تفيد بأنها لم تشتر لهما في العيد وهي حائرة عن كيفية دخولهما المدرسة خاصة عن محمد أيوب الذي هو جديد في فصل السنة الأولى متوسط، كاشفة على أنها تتلقى منحة أطفالها التي تبلغ 3000 دينار واعتبرتها خاصة بملابس ولديها، مضيفة “وفيما يتعلق بالكتب فليس لدي ما أقوله”. اختلالات العرض والطلب في تصريحات خاصة بالسلام، كشف الطاهر بولنوار، الناطق الرسمي لاتحاد التجار والحرفيين، أنّ السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية راجع إلى ضعف الإنتاج الوطني، في وقت زاد الطلب تبعا لارتفاع عدد المتمدرسين. وأشار بولنوار إلى أن حوالي ثلث الأدوات المدرسية تمرر عن طريق السوق الموازية، ففي فترة الدخول المدرسي الامر متعلق بالمستهلكين حيث يشتري هؤلاء ما يريدونه بواسطة الاقتراض، ما يدلّ على انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. وأوضح محدثنا أن عامل ارتفاع الأسعار هنا لم تكن فيه مضاربة لأن أغلبية التجار لهم فترة يبيعون فيها، فأي بائع له سلعة يعرضها للبيع، طالما أنّ فترة العرض لبيع المنتوج محددة، وفيما يتعلق بدور اتحاد التجار والحرفيين يؤكد بولنوار، أنه تنظيمي محض، إذ يشرف على تقديم اقتراحات للسلطة فيما يخص الحد من المضاربة، كما له دور توضيحي في المحافظة على هوامش الربح القانونية والحرص على سلامة المنتجات خصوصا تلك التي لها خطر على الصحة. أسواق الجملة في قفص الاتهام أجمع معظم التجار المختصين في البيع بالتجزئة، على أن ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية يعود إلى شرائها من سوق الجملة بأسعار باهظة الثمن، مما يجعلهم يبيعونها بأثمان مرتفعة، وهو ما فسروه بالأمر الطبيعي، وأوضح خالد بائع المآزر بالقبة، حيث قال بأن ثمنها يتراوح ما بين 600 إلى 1000 دينار، هذه الأخيرة لأنها مستوردة من الخارج، وعن مكان سوق الجملة الذي اقتنى منه السلعة يؤكد أنه سوق “العلمة”. انعدام الورق لعب دورا مؤثرا أرجع سعيد عامل ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية إلى انعدام مادة “pate papier” في الجزائر، والتي تستخدم في صناعة الورق، من جهة أخرى هناك ثلاثة مصانع تابعة للدولة خاصة بصناعة الورق موزعة على النحو التالي بسوق أهراس وآخر بمستغانم، أما الأخير والذي خلق أزمة تسببت في غلاء أسعار السلع المدرسية مقره ببابا علي، مذكرا أن الجزائر تصنع الأوراق من الحلفاء المتوفرة لديها إلا أن سوء الاستغلال وكذا انعدام المادة الحيوية السابقة خلقا عجزا في ذلك، الأمر الذي يدفعها إلى استيراد الورق من الخارج هذا ما يبرهن أن كل مستورد أسهمه سائرة إلى تصاعد. اللارقابة تمدّد عمر الفوضى أرجع المواطنون التلاعبات الحاصلة في أسعار الأغراض المدرسية إلى انعدام الرقابة التي لا تزال الرقم الصعب المغيّب عن كل الاستحقاقات والمناسبات، ما جعل التجار يغردون منفردين وسط غياب غير مفهوم لمصالح مصطفى بن بادة، ولعلّ من نافلة القول أنّ محذور اللارقابة مدّد وسيظل يمدّد من عمر الفوضى، رغم تعاقب المناشدات بتفعيل فرق الرقابة وجعلها الأساس الأوحد للقضاء على التصرفات غير الشرعية، وبين هذا وذاك يبقى المواطنون البسطاء ضحايا يتخبطون في كنف الصراعات اللامتناهية حول قيمة المقتنيات.