حظيت صناعة الطين بولاية الأغواط طيلة العقود الزمنية المتعاقبة، بمكانة متميزة عكستها ما تحتله الأواني المصنوعة من هذه المادة الرملية من “قداسة” وتعلم فنياتها، غير أن هذا الإرث أصبح يواجه اليوم الكثير من الصعوبات قد تؤدي إلى اندثاره وتعصف بالحرفة من جذورها. تقول في هذا الصدد خيرة بن سالم ( 56 سنة ) إحدى الحرفيات الحرائر القليلات اللائي لا زلن يتمسكن بهذه الحرفة التقليدية ويتحملن متاعب استخراج المادة الأولية ومكابدة جميع مراحل التصنيع “أن مواصلة مسيرة الجدات تتطلب الكثير من الدعم والتحفيز وهو الأمر الغائب بتاتا سيما في السنوات القليلة الماضية”. وتبدأ صعوبات الحرفة من الحصول على مادة الطين بعدما تعرضت للنهب الواسع والاستغلال العشوائي وصولا إلى استحالة تسويقها عدا بعض الطلبات النادرة من طرف المولعين بكل ما هو تقليدي مرورا بتكاليف نقلها وانعدام فضاءات تصنيعها في ظل اعتماد الحرفيين على أفنية منازلهم العائلية لممارسة مهنة “العمر”. حرفة صناعة الطين تواجه ظاهرة عزوف الشباب عنها ورغم استفادة الكثيرات ممن صمدن في ممارسة حرفة صناعة الطين من قروض مصغرة لإنشاء مؤسسات تعنى بهذا النشاط الحرفي التقليدي تحديدا إلا أن الحرفة لم تعرف بعد طريقها للانتعاش المطلوب بسبب عزوف فئة الشباب على هذا النوع من الصناعات كما أضافت بن سالم. وللنهوض بهذا الصنف من الصناعة التقليدية العتيقة تقترح نفس المتحدثة توجيه إعانات مباشرة وتوفير المادة الأولية للحرفيين مع تخصيص نسبة من المحلات لممارستها بغية إيجاد ورشات تعكف على التصنيع من جهة وتلقين الحرفة للأجيال الصاعدة من جهة ثانية. كما تلتمس إدراج صناعة الطين ضمن برامج التكوين المهني وتتويج فترة التربص بشهادة تتيح لحاملها مزاولة عملهم بصفة قانونية دون إغفال الاستعانة بتجارب وخبرات الحرفيين القدماء. ومن جهته يفسر أحمد زناقي رئيس غرفة الصناعات التقليدية والحرف بولاية الأغواط “ضعف” الإقبال على هذا المجال واحترافه يعود “لقلة” مردوده المالي، خصوصا و«أن السوق المحلية تهتم بسلع أخرى أكثر تداولا ورواجا”. ويرمي غالبية طالبي الحصول على بطاقة حرفي من الغرفة لاستغلالها فقط أثناء إعداد ملفات الحصول على قروض من أجهزة التشغيل المستحدثة، على غرار الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر ووكالة دعم تشغيل الشباب، وهو أحد عوامل “تراجع” ممارسة صناعة الطين بالمنطقة وفق ذات المتحدث. محاولات لبعث حرفة صناعة الطين وفي إطار الجهود المحلية الرامية إلى بعث هذا النشاط من جديد، فقد جرى مؤخرا تكوين ثمانية حرفيين ضمن تربص بولاية أدرار أشرف عليه مختصون من إسبانيا، فضلا عن إجراء تبادلات مع عدد من الجمعيات الوطنية، ومن بينها “جمعية أيادي” بالجزائر العاصمة كما ذكر أحمد زناقي. وترمي مثل هذه المبادرات الى تثمين هذا النوع من الصناعة التقليدية وترقيته وحمايته من الاندثار، باعتبار أنه يشكل أحد مشاهد التراث المحلي لسكان ولاية الأغواط والذي يمكن أن يصبح واحدا من الأنشطة الحرفية التي لا تقتصر على العنصر النسوي فحسب بل بإمكانها المساهمة كذلك في استقطاب الحرفيين الشباب وفتح فرص جديدة للشغل. للإشارة فإن صناعة الطين بولاية الأغواط تعتبر حرفة نسوية بامتياز تتم وفق طلبات الزبائن ولا تتعدى الأواني البسيطة أو أدوات التزيين المنزلية وبأسعار تتراوح ما بين 200 و1000 دينار كما ذكرت بعض الحرفيات. جدير بالذكر أن ولاية الأغواط تحصي حاليا 732 مسجلا لدى الغرفة الولائية للصناعات التقليدية والحرف منهم 388 في الصناعات التقليدية والباقي في الصناعات التقليدية لإنتاج المواد وفي الخدمات حسب إحصائيات هذه الهيئة.