جاء في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل أحداً عنه غيرك، قال: (قل آمنت بالله ثم أستقم). والاستقامة هي أداء الفرائض واجتناب النواهي، وقال المفسرون في تفسير قوله تعالى: ثم استقاموا لم يشركوا بالله شيئاً ولم يلتفتوا إلى إله غيره أي التوحيد، توحيد الله في عبادته، التوحيد الكامل الذي يحرم صاحبه على النار، ولأن المعاصي قادحة في التوحيد فهي إجابة للهوى والشيطان، أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، فالذي لا يهوى شيئاً إلا فعله فإنه بذلك ينافي الاستقامة على التوحيد . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم للسائل بالإيمان موافق لقوله تعالى: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير. وقوله تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه، ولأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية أتبع الأمر بالإيمان. الأمر بالاستقامة، ولكن لابد من التقصير، فجاءت الآية السابقة تأمرنا بعدم الطغيان لأن الله مطلع علينا، وجاءت الآية الثانية بالاستغفار والتوبة والأوبة إلى صراطه المستقيم، كما جاء الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربوا) فالسداد هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد كالذي يرمي إلى هدف، إلى غرض، فيصيب. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه أن يسأل الله عز وجل السداد والهدى وقال له: (أذكر بالسداد تسديدك السهم وبالهدى هدايتك الطريق). والمقاربة أن يصيب الشخص ما قرب من الهدف أو الغرض إذا لم تصب الهدف نفسه ولكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد وإصابة الغرض فتكون مقاربته من غير عمد (سددوا وقاربوا)، أي اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة فمن سدد في أعماله كلها قد فعل ما أمر به، ومن قارب بعد اجتهاد قد فعل ما أمر به، ومن أخطأ وجانب الطريق فعليه الإسراع بالعودة إلى الاستقامة. فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، فمن استقام قلبه على معرفة الله وعلى خشيته في السر والعلن ومهابته ومحبته وإرادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه، استقامت جوارحه كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وإذا وقع القلب في غير طاعة الله رتعت جنوده ورعاياه. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالاستقامة وصاه بحفظ اللسان، جاء في السنن عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، وجاء عند الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفاً: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر - أي تعلن الخضوع له والانقياد له - اللسان فتقول: اتقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا). ومما يعين على الاستقامة تكوين مكتبة منزلية صغيرة تحوي أهم ما يحتاج إليه المسلم.