ليست الإشاعات غريبة على المجتمع الجزائري، فهي كانت دائما موجودة، غير أنها باتت الآن تنتشر بكثافة مرعبة، حتى يخال للمرء كأنّ هناك مصنعا يقوم بإعدادها وتسويقها، فمن ترويج إشاعات سياسية إلى بثّ مزاعم اجتماعية، صار الشارع المحلي يتخبط تحت ثقل مشكلة تفاقمت على نحو واسع بفضل الهواتف الخلوية والأنترنت ومواقع “البلوغرز”، فماذا وراء الظاهرة؟، وما هو العلاج النافع لمواجهتها؟ ذاك ما نتناوله في هذا الاستطلاع. أحصى متابعون للشأن الجزائري خلال الفترة القليلة الماضية، ما لا يقلّ عن 120 إشاعة تداولها الرأي العام هناك بأشكال مثيرة للجدل، وكانت أخطرها ما روّج عن “موت” الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهي قنبلة انفجرت شعبيا، وما إن هدأ الشارع قليلا بعدما ظهر بوتفليقة على المباشر بكل قواه، حتى تلاحقت الإشاعات حول الحكومة، في مسلسل مستمرّ وتضمنّ مزاعم عن استقالات وإقالات وفضائح أيضا، وكانت نهاية هذا السيل العرم برحيل الوزير الأول أحمد أويحيى ومجيئ عبد المالك سلال. وفيما استمرت الإشاعات السياسية في تهشيم واقع بلد لا تمتلك حكومته ولا رئاسته ناطقين باسمهما، حضرت الإشاعات الاجتماعية بقوة وقفزت إلى السطح، فلم يكن يمرّ أسبوع دون أن تشهد الساحة إطلاق إشاعات عن زيادات في الكهرباء والغاز وسائر المواد الاستهلاكية، كما تسبّب وباء أنفلونزا الطيور في إرباك مضاعف، إثر إطلاق إشاعات لاكتها الألسنة هناك عن نفوق طيور والاشتباه بحالات إصابة، وطبعا ظلّ كل ما تردّد عن الفيروس المذكور مجرّد أقاويل وجّهت للاستهلاك الجماهيري ليس إلاّ. وبعد إشاعات متجددة طالت المواشي واللحوم البيضاء ووو، أتى الدور على الرياضة حيث أشيع أنّ الثلاثي نذير بلحاج، كريم زياني وعنتر يحيى سيعود مجددا، كما سرت إشاعات أخرى عن ثعبان عظيم مختبئا بإحدى ضواحي العاصمة، وهو أمر شغل عقول بعض الناس وأرغمهم على التزام بيوتهم، رغم تأكيدات السلطات انتفاء صحة الخبر، وكانت خاتمة العام بنبأ سقوط 20 جسما غريبا من الفضاء الخارجي بمحافظة أدرار الجنوبية، وما أعقبه من أحاديث المجسمات الغازية بدت “وكأنها مذنبات”، وهي عبارة عن مجسمات معدنية متواضعة الشكل أضاءت سماء القصور، ثم انفجرت بغتة! على حد ما ورد في روايات مروجيها. ومن الواضح أن هذه الإشاعات تركت أثرا في الشارع المحلي، برز في إحجام الناس عن التردد إلى الأماكن العامة والتزامهم بحذر مثير، بالتزامن مع إقدام البعض منهم على إلغاء حفلات زفاف، وقيام آخرين بمنع أبنائه من الخروج ليلا، وقد أسهمت ممارسات معينة في انتشارها وإعطائها مصداقية كبيرة، سيما مع ارتباط عدد من الإشاعات بكتابات صحفية، فمن يسمع إشاعة ليس كمن يقرأها، إذ يؤكد علماء نفس على أن كتابة الإشاعة تسهم في إضفاء مصداقية ما عليها. حسابات خاطئة يقول أحمد 29 سنة: “للأسف معظم الفئات تتداول الإشاعات سواء كان على مستوى الفرد أم المجتمع أم على الصعيد الاجتماعي أو السياسي”، ويردف شريف 22 سنة: “الفراغ والسطحية وكثرة الثرثرة ولّدت نظاما للإشاعة هنا”، فيما يتوسم زهير 25 سنة: “الخطر يتلخص في كون المبدأ السائد بين الناس عند سماع الإشاعة هو اتباع غريزة القطيع”. من جهتها، تضيف أمينة 28 سنة: “عانينا ولا زلنا نعاني من خطر الإشاعة المدمر، حتى أصبحنا لا نعرف الحق من الباطل”، بينما تفسّر جهيدة 25 سنة الظاهرة بعدم الخوف من الله تعالى، ويجزم عبد الناصر 27 سنة: “أعتقد بأنّ أكثر من يطلق الإشاعات ويروّجها هم من ضعاف النفوس والإيمان، فإطلاق الإشاعة هو نوع من أنواع الكذب”، في حين يتصور سليم 28 سنة أنّ العلاج النافع لهذه المشكلة، يكمن بحسبه: “في السكوت عنها والدعاء على من افتعل الإشاعة، والحل برأيي هو العودة إلى التمسك بأهداب الدين الحنيف وإغلاق آذاننا عن الإنصات لمثل هذه الإشاعات”. غياب ثقافة اتصال يقرّ الإعلامي نذير طاهير، أنّ الإشاعات في الجزائر مرض اجتماعي فتّاك لكنّها لا تختص بالشعب الجزائري وحده بل ينتشر وسط كافة شعوب العالم، ويعتقد طاهير أنّ الإشاعة في الجزائر تنامت بسبب غياب ثقافة اتصال، وإحجام الدوائر الرسمية وقنواتها الإعلامية عن ممارسة دعامة الاتصال بالشكل الذي يضمن إجهاض الإشاعات في مهدها. بينما يرى الباحث الإجتماعي علي ناجي، أنّ أسباب الإشاعة تتركّز في عدم تقصي الحقائق والتدقيق في مصادر الأخبار، وكثيرا ما تبث الإشاعة في أوساط هشة، ملاحظا أنّ دوافع إطلاق الشائعات تختلف بإختلاف نفسيات مروجيها فقد تكون مغرضة تخرج من نفس حاقدة بغيضة، مثلما قد تكون لمجرد التسلية والعبث والإستهتار وقد تصدر لغرض إثارة الفتن والمشاكل، ولا تجد صدى ومردودا إلا عند فئة ضعيفة النفس تجد متعتها بالأحاديث الكاذبة المغرضة، التي لا يوجد أخطر منها في تضليل الرأي العام وتفتيت نسقه العام اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وحيث توجد الإشاعة تحضر أفكار سلبية فيصاب الفكر الجماعي في مقتل. وفيما قدّر الخبير في علم الإشاعة نبيل حشايشي، أنّ الجزائر ظلت مرتعا لما سماها “الإشاعة الغائصة” وهي الاشاعة التي تروج في أول الامر وبعدها تختفي لتظهر مجددا، بالمقابل، يركّز “د/فؤاد شيخي”، أنّ التطورات في مضمون وطريقة انتشار الاشاعات تلقي بعبء كبير على كافة وسائل الاعلام والجهات الحكومية للتعامل بشفافية أكبر مع الناس فالمزيد من المعلومات الدقيقة يعني القليل من الاشاعة، خصوصا وأنّ الأخيرة تعدّ أحدث الأسلحة النفسية التي تضعف من معنويات الشعب وتهدف للتاثير سياسيا واقتصاديا وفكريا واجتماعيا لذا فالواجب مكافحتها للحفاظ على سلامة البلد.