تشهد مدينة غرداية انتعاشا لافتا لصناعة الزرابي التقليدية التي تبرع أنامل نسوية في صناعتها من الصوف الخالص، وتشتهر حياكة الزرابي كحرفة مكنّت المنطقة، كما مدن أخرى من تصدير أكثر من مائتي ألف متر مربع قبل عقود. ويذهب مسؤولون وحرفيات في إفادات “للسلام”، إلى أنّ صناعة الزربية كمنتوج عريق، قادرة على خلق الثروة وامتصاص البطالة التي تعاني منها كثير من بنات حواء في الجزائر. يشير كمال لمري، أحد المتعاملين في قطاع الزرابي بعاصمة ميزاب، إلى حتمية وضع علامة (ماركة) للزربية الجزائرية، بالتزامن مع الحراك الحاصل لترقية إنتاج الزربية الجزائرية من خلال إنشاء خمس مراكز جهوية، بغرض عصرنة هذه الحرفة تأهبا لاستئناف تصدير الزربية الجزائرية التي تحظى برواج كبير في الأسواق الاقليمية والدولية. ولتشجيع صناعة الزرابي، يحيل لمري على قيام الجهات المختصة بتوزيع ما يزيد عن 23 ألف محل على الحرفيات، فضلا عن افتتاح مركب متخصص بضاحية “بوهراوة” التابعة لولاية غرداية، ناهيك عن توسيع رقعة النساء المستفيدات من القروض لتطال اللواتي يتراوح سنهنّ ما بين 30 إلى 50 عاما، بدلا عن سقف ال35 سنة التي كانت معتمدة كحد أقصى في السابق، لمنح هذه الحرفة مكانة أكبر في سلم الصناعات التقليدية وتثمينها بشكل أكبر. من جهته، يبرز الحرفي عبد الوهاب جكنون، إلى أنّ الزرابي بما تنطوي عليه حياكتها من مهارات، قادرة على أن تكون مصدرا حيويا للثروة وعنصرا مساهما في دفع قاطرة التنمية الاقتصادية المحلية وإنعاش الصناعة السياحية الخاملة في البلاد، ويركّز جكنون على شريحة النساء الماكثات في البيوت، من حيث أنّ تفعيلهنّ في صناعة الزرابي وتصديرها، سيساعد على استثمار طاقات ملايين السيدات عبر أزيد من ثلاثين ولاية جزائرية. ويشير أحمد نايلي، إلى كون عديد المناطق في غرداية مؤهلة لأن تتحول إلى أقطاب متخصصة في تصنيع الزرابي وتصديرها، خصوصا مع التوافد الهائل للسياح إلى الصحراء الجزائرية الكبرى التي تشتهر مدائنها بالزرابي المتناسقة الألوان، مثل القرارة، متليلي، بريان، المنيعة وغيرها. وتتفنن حائكات الزرابي هناك في مهنة متوارثة عن الراحلة “ناطاوس” الموصوفة بكونها عميدة الزربية، وتقول بهية: “حياكة الزرابي لدينا فن يتم تلقينه للصبايا منذ نعومة أضافرهن، حيث تتدربنّ على زخرفة النسيج بمختلف الأشكال الهندسية المنسجمة، ويتم ترتيبها على شكل خطوط ثم تتم حياكتها بدقة بفضل خيوط رقيقة من مختلف الألوان ويجري اتخاذ هذا العمل الشاق لاحقا كمصدر عيش”. وتعدّد بهية أنواعا للزرابي بتعدد أشكالها الزخرفية، أكثرها حضورا زربية “أعبان” ذات الخلفية الداكنة والألوان الزاهية المختلفة، وزربية “أخلال” التي تشبه غطاءا سريريا ذا لون أبيض تتخلله خطوط رقيقة من الصوف الأحمر أو الأصفر أو البني الفاتح. وتبدي حليمة، وردية، وفاطمة قلقهنّ إزاء ما تسمينها “المنافسة غير المتكافئة” التي يواجهها جمهور الحرفيات من منتجات مصنّعة يتم استيرادها بشكل كبير منذ سنوات، وهو ما يمثل تهديدا لروح مهنة حياكة الزرابي، خصوصا مع تقادم الوسائل التقنية الأساسية المستعملة في صناعة الزربية المحلية قياسا بتلك المستخدمة في تصنيع الزرابي المستوردة، هذه الأخيرة تباع بأسعار مُخفّضة مقارنة بالزرابي الجزائرية، ما يطرح إشكال كساد المنتوج المحلي رغم تميّزه، وهو احتمال يأخذ مداه المخيف إذا ما علمنا أنّ صناعة الزرابي تشكّل مصدر رزق للعديد من العوائل. وترى السيدة علجية، إحدى الحرفيات المخضرمات أنّ الرهان يكمن في استحداث جمعيات حرفية ومؤسسات مصغرة تختص بالزرابي، ونقل الخبرات إلى مئات المتربصات والهاويات لحياكة الزرابي على اكتساب أسرار هذه المهنة المضنية، كما يمكن أيضا امتصاص بطالة العاطلات، وأظهر تحقيق حديث أنّ إجمالي النساء غير النشيطات في الجزائر، واللواتي يتراوح سنهن ما بين 15 إلى 59 عاما، يقدّر ب6.5 ملايين إمرأة غالبيتهنّ يتواجدن في الوسط الريفي. وللتأكيد على فعالية بنات حواء في سوق العمل، تفيد إحصائيات رسمية حديثة إلى أنّ النساء الجزائريات من مراحل عمرية مختلفة، استحدثن ما لا يقل عن 117.441 نشاط مصغر، ما أسهم في توفير 176.154 منصب شغل إلى غاية الثلث الأول من العام الحالي، وتشكّل هذه الأنشطة نسبة 60 بالمئة من الاستثمارات الجارية.