طالب الباعة الفوضويون الذين منعوا من ممارسة نشاطهم التجاري في إطار الحملة المتواصلة في القضاء على الأسواق السوداء من السلطات المحلية بالإسراع في إيجاد حلول بديلة تنسيهم مشاكلهم القاسية والتي سببها البطالة. أثارت عودة الأسواق الفوضوية جدلا كبيرا لدى الشارع العاصمي خلال هذه الأيام الأخيرة على مستوى العديد من بلديات العاصمة، على غرار القبة وبومعطي، حيث أقدم بعض التجار على عرض سلعهم بنفس الأماكن التي كانوا يشغلونها سابقا على الأرصفة والطرق، ومن خلال اقترابنا من هؤلاء الباعة ومساءلتنا عن عودتهم هذه التي تعتبر مخالفة لما قرر حول القانون المتمثل في القضاء على الأسواق الفوضوية، عبروا لنا وبقلق شديد عن ازدياد تدهور أوضاعهم المعيشية بعد منعهم من ممارسة نشاطهم المتمثل في بيع سلع قصد جنيهم لأموال يتقوتون بها، مع العلم أن أغلبهم أرباب أسر حتى وإن كانوا شبابا فإنهم مسؤولون عن عائلاتهم، مشيرين بذلك إلى أن لا مسؤول يلتفت إليهم بعد حالتهم المزرية التي يعيشونها في ظل البطالة التي نخرت عقولهم وكذا صحتهم من خلال الخوف على ضياع مستقبلهم، بل من المتاعب التي لحقت بهم منذ فترة إقبال السلطات على إزالة الأسواق السوداء التي كانت المصدر الوحيد لاسترزاقهم، موضحين أنهم يعرضون سلعهم في المساء وبالتحديد بعد الخامسة زوالا لجني بعض النقود. وفي ذات الصدد أشار هؤلاء الباعة إلى أنهم بالرغم من إيداع بعضهم لملفات قصد حصولهم فيما بعد على محلات يباشرون فيها نشاطهم بصورة قانونية، إلا أنهم أكدوا أن ذلك سوف لا يتحقق لتبقى مجرد وعود كاذبة، سيما وإن شرع المسؤولون في تهيئة وبناء هذه المحلات، وبذلك فقد فقدوا الأمل في استفادة البائع البسيط من حصته نتيجة تخوفهم بل واقتناع هؤلاء الباعة من أن توزيعها سيكون بالوساطة والمحسوبية، معربين عن تذمرهم الشديد تجاه مدة إنجاز هذه المحلات التي حددت من طرف السلطات المحلية بسنة كاملة، قصد انتهاء المشروع هذا ما حدثنا عنه الباعة الفوضويون بالقبة، حسب ما وعدهم به رئيسها بالنيابة مختار لعجايلية، مذكرين بأن مصير هذه الوعود ستبقى مجرد أعمدة أو أسوار مغروسة بالأرض مثلما حدث للمركز الاستشفائي المتواجد ببن عمر منذ أكثر من أربع سنوات، ولم تنته أشغاله بعد، جاء هذا بعد التصريح الذي أدلى به هؤلاء الشباب ل"السلام". وفي هذا الصدد وجه التجار الفوضويون مناشدتهم للسلطات المحلية بالتحريك السريع في أقرب وقت ممكن للحد من المعاناة القاتلة التي يواجهونها بعد فشلهم في الحصول على لقمة عيش. المخارج الموجودة حسب ناصر الدين حمودة الباحث في مركز البحث في الإقتصاد المطبق والتنمية فإن ظاهرة الإقتصاد الموازي تعد نتيجة خلل اقتصادي في الجزائر، حيث لا يوفر القطاع القانوني مناصب شغل كافية. ولمكافحة فعليا الإقتصاد الموازي اقترح الإتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين بإضفاء الطابع القانوني على التجارة الموازية من خلال إدماجها في القنوات الرسمية. كما اقترح قطاع التجارة تخفيفا للإجراءات الإدارية للإستفادة من السجل التجاري وترخيص التجار غير القانونيين الشباب لاحتلال الفضاءات المهيئة قبل الحصول على السجل التجاري. وهناك حل آخر تضيف الوزارة يتمثل في الإعفاء الجبائي المؤقت لصالح التجار لتشجيعهم على الإندماج في السوق القانونية. ومهما كانت الإجراءات المتخذة فإن "الأمر لا يتعلق بإضفاء الطابع القانوني على هذا النوع من التجارة وإنما بتنظيمه من خلال منح تسهيلات حكومية". وللتذكير قدرت التسجيلات في السجل التجاري خلال السداسي الأول لسنة 2012 ب 097 204 أي انخفاض بنسبة 28 بالمئة مقارنة من نفس الفترة لسنة 2011. وتشير حصيلة تم إعدادها خلال السداسي الأول لسنة 2012 للمركز الوطني للسجل التجاري إلى أن العدد الإجمالي للتجار يقدر ب 741 568 1 تاجر. هاجس الأوعية العقارية بلسان تجار الاقتصاد غير الرسمي، فإنّ المشكلة الأساس تتلخص في انتفاء الأوعية العقارية التي بإمكانها تأطير نشاطهم التجاري ضمن رواق معترف به قانونا. ويشدد مصطفى وحكيم اللذين يبيعان أجهزة كهرو-منزلية بسوق باب الزوار (شرقي العاصمة) على أنّه ما كان لهما أن يمارسا نشاطهما بهذا الشكل، لو توافرت مساحات تجارية ملائمة، ويلاحظ التاجران أنّه لا يمكنهما التوقف عن النشاط حتى يستجيبا لحاجيات عائلتيهما شأنهما في ذلك باقي الممارسين. وكحلول بديلة على درب تكفل تدريجي مستدام متعدد الأبعاد، اقترح مسؤولون على ناشطي التجارة الموازية، السماح لهم بالحصول على سجلات تجارية وإقحامهم في الأسواق الجوارية واستحداث أخرى وفق الأنشطة الممارسة بين بيع الخضر والفواكه ومواد التنظيف والعقاقير والخردوات والألبسة. شر لا بدّ منه؟ يتساءل مراقبون عما إذا كان الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر، شر لا بدّ منه، في ظلّ ما يطبع الحركة التجارية المحلية من فوضى وتناقضات، تدفع أزيد من ثلاثة ملايين مستهلك إلى مراودة واجهات الاقتصاد المذكور. وإذا كانت السلطات تلوّح منذ سنوات طويلة بالنيل من عرّابي هذا اللون التجاري المتمرّد على القوانين، إلاّ أنّ التجارة الموازية تغري الفئات الهشة التي تتنفس الصعداء في وسط لا يعترف بالجباية والرقابة. وتشير بيانات رسمية إلى وجود 765 موقع محسوب على الاقتصاد غير الرسمي، واستنادا إلى نتائج تحقيق ميداني أجرته لجنة قطاعية مشتركة، فإنّ عدد التجار النشطين في هذه الأسواق غير القانونية يزيد عن المائتي ألف تاجر، إلاّ أنّ شواهد عديدة تؤكد على أنّ عدد هؤلاء يفوق الرقم المعلن بكثير. ويشير مراد بولنوار المتحدث باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، إلى كون الاقتصاد غير الرسمي صار يستقطب حوالي مليوني شخص، أي ما يمثل قرابة نصف إجمالي التجار على المستوى المحلي، ناهيك عن آلاف الآخرين من اليد العاملة الناشطة في هذه الأسواق التي تتداول 80 بالمائة من السلع والبضائع في نحو خمسمائة سوق يطلق عليها مسمى (فوضوية). وفي واقع غريب ينطوي على مفارقات أفرزت حياة اقتصادية تتميّز بمناطق شعبية تشبه الدول، تبيع وتشتري كما تشتهي ولا تعرف مفهوم الضرائب وإتاوات الدولة، يمكن للمتجول في أحياء عاصمية عديدة بدءا من الأزقة الشعبية كبلوزداد وباب الوادي وساحة الشهداء وباب الزوار، أين ظلت تنتشر عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة التي تتداول المليارات خارج سلطة الضرائب. ويدق صالح صويلح الأمين العام لاتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، ناقوس الخطر، إذ يبدي امتعاضا من كون هذه التجمعات غير الشرعية، فرضت منطقها بالقوة في اقتصاد مفتوح للمنافسة منذ عقدين من الزمن، مستغلة التزايد المستمر للنمط الاستهلاكي العام، وتفضيل الجزائريين المهاجرة بشكل شبه جماعي للفضاءات التجارية الكبرى بسبب أسعارها المرتفعة قياسا بالاقتصاد غير الرسمي. وفي ديكور يومي، يستعرض آلاف التجار غالبيتهم من الشباب - كافة السلع وحتى المواد القابلة للتلف بأسعار معقولة أمام إقبال كثيف للمستهلكين الذين يندفعون في حركة شراء دائمة للألبسة والمواد الغذائية والكتب والكراريس وقطع الغيار وغيرها، ويبقى البائعون واقفين طوال ساعات اليوم في محاولة منهم إقناع الناس بشراء شيء ما حتى لو قلّ ثمنه. ويعلّق إسماعيل الذي أعيته سنوات البطالة، أنّه لا يقوم بهذا النشاط الشاق عن طيبة خاطر، لكنها "ضرورة الحياة" على حد تعبيره، في حين يردف علي بنبرة متعبة: "قدمت إلى العاصمة من مكان بعيد في محاولة لسد رمق زوجتي وأبنائي الثلاث". وإزاء هذه الظاهرة المثيرة، يرى مصطفى مقيدش نائب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أنّ الاقتصاد غير الرسمي داء معقد للغاية يستلزم علاجا دقيقا ومجزّئا على أساس المجموعات الاجتماعية والمهنية المعنية مع مباشرة تحقيق واسع لتحديد كل مجالات هذه السوق. وخلافا للأسلوب المتوخى في فترات سابقة، يحذر مقيدش من "قمع الأسواق غير الرسمية، مقترحا السعي لإعطائها الصبغة الرسمية، واستغلال هذه المرافق في تعزيز شبكات التجارة والتوزيع والتخزين، بعدما عجزت المساحات الكبرى عن فرض نفسها. بيد أنّ حسان كتو وهو مسؤول محلي، يجزم بأنّ الاقتصاد غير الرسمي أفرز منافسة غير عادلة جعلت بعديد ناشطي التجارة الرسمية إلى رمي المنشفة، بهذا الصدد، يتهّم مسيرو المساحات التجارية والمحلات نظرائهم بقطع أرزاقهم عبر (احتلالهم) بشكل غير مشروع لمساحات شاسعة من الأرصفة والأماكن الإستراتيجية، متجاهلين الضرر الذي يتسببون فيه بالنسبة للتجار الشرعيين والاقتصاد المحلي. وأعلن دحو ولد قابلية وزير الداخلية والجماعات المحلية، الأسبوع الماضي، عن تخصيص 13571 محل كوسائل بديلة لصالح التجار الفوضويين على المدى المتوسط، كاشفا عن منح قروضا للمستفيدين، وذلك للسماح باستيعاب ناشطي الأسواق الموازية، مفيدا أنّ المحلات 7997 التي لم يشرع في أشغالها بعد لمشاكل تتعلق بالعقار سيتم "إلغاؤها". وذكر ولد قابلية أنّ المحلات المذكورة ستنجز بفضاءات متحكم فيها حتى وإن كانت بوسط المدن لكي لا تفقد طابعها كتجارة جوارية شريطة ألا تزعج لا التجار ولا القاطنين بالأحياء السكنية أو حركة المرور". وشدد ولد قابلية على أنّ امتصاص التجارة الفوضوية لا يعد عملية ظرفية ولا عملية لاستعمال القوة.