قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} - سورة الحجر، وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى آيات، وقال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} سورة الماعون. وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله علية وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما) رواه البخاري. (أنا وكافل اليتيم في الجنة) بر، وقوله في الجنة في محل الحال. (وأشار) لزيادة التبيين وإدخال المعاني في ذهن السامع لكونها بصورة المحسوس المدركة عادة. (بالسبابة) وفي رواية بالسباحة وهي التي تلي الإبهام وسميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة، ويشار بها في التشهد وهي السبابة أيضا لأنها يسب بها الشيطان. (والوسطى) قال ابن بطال: حقا في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك. (وفرج) النبي على من سمع هذا الحديث أن يعمل به فيكون رفيق وكافل اليتيم قدر بتشديد الراء أي فرق. (بينهما) أي بين السبابة والوسطى، إشارة إلى أن بين درجة النبي تفاوت ما بين السبابة والوسطى، قال القرطبي معنى قوله (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) أنه معه فيها وبحضرته، غير أن كل واحد منهما على درجة فيها إذ لا يبلغ الأنبياء غيرهم ولا يبلغ درجة نبينا أحد من الأنبياء. (وكافل اليتيم) القائم بأموره دينا ودنيا وذلك بالنفقة والكسوة والتربية والتأديب وغير ذلك، قال في شرح مسلم: وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل يتيم من مال نفسه أو مال اليتيم بولاية شرعية. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال النبي صلى الله علية وسلم قال: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف) متفق عليه. وفى رواية في الصحيحين (ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس). (ليس المسكين) أي الكامل الممدوح من هذا النوع الأحق بالصدقة والأحوج إليها. (الذى) يسأل. (ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان) عند سؤاله لأن المتردد يكون قادرا على تحصيل قوته. (إنما المسكين) أى أما المسكين الكامل. (الذي يتعفف) أي يترك السؤال من الناس مع فقره، وليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفى كمالها. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال:عن النبي صلى الله علية وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه كالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) متفق عليه. (الساعي على الأرملة والمسكين) هي التي لا زوج لها، وقد أرملت المرأة إذا مات عنها زوجها، وقيل الأرملة التي فارقها زوجها وقال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الأرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج. (كالمجاهد في سبيل الله) وشبه به لأن القيام على المرأة بما يصلحها ويحفظها ويصونها لا يتصور الدوام عليه إلا مع الصبر العظيم ومجاهدة النفس والشيطان، فانهما يكسلان عن ذلك ويثقلانه ويفسدان النية فيه، لذلك قل من يدوم على ذلك العمل وقل من يسلم منه، فإذا حصل ذلك العمل حصلت منه الفوائد: كشف كرب الضعفاء، إبقاء رمقهم وسد خلتهم، وصون حرمتهم. (وأحسبه قال) هي للشك، أي أو قال بدل ذلك. (وكالقائم) أي بالتهجد. (الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) أي هو كالملازم للعبادة ليلا ونهارا في دوام الثواب واستمراره بدوام العمل الصالح.