يحتفل يوم 12 جانفي الجزائريون بصفة عامة والأمازيغ بصفة خاصة برأس السنة الأمازيغية الجديدة التي تحل هذه السنة بعامها ال 2960 ميلادي المسماة عند الأمازيغ كافة على اختلاف لهجاتهم بيناير والمعروفة عند الشاوية باسم "أمنزون يناير". ويعد هذا التاريخ موعداً احتفاليا هاما لدى الأمازيغ الذين يستقبلونه بعادات وطقوس مختلفة في جو تسوده المحبة والتضامن والإيخاء ويجد المحتفلون به من الأمازيغ بصفة خاصة موعداً آخر للاستبشار بقدوم عام جديد مليء بالخير والبركة وحاملاً لروح التضامن كما يعتبر هذا اليوم بالنسبة لهم هو قدوم سنة فلاحية مباركة ويعود تاريخ الاحتفال به إلى سنة 950 قبل الميلاد حينما انتصر الملك الأمازيغي الأول شوشناق على الفراعنة في معركة وقعت على ضفاف نهر النيل بمصر، وهو الحدث الذي حرر المصريين آنذاك من طغيان وجبروت الفراعنة ومنذ ذلك التاريخ شرع في الاحتفال به من قبل كل الشعوب الأمازيغية علماً أن تاريخ 12 جانفي من كل سنة يعد بداية للسنة الفلاحية عند الأمازيغ الذين يرمز لهم بخصوبة القلب والتضامن والمحبة ويعد عشاء يناير رمزاً للثراء والتطور تصحبه عادات وتقاليد مختلفة دأب الجزائريون كغيرهم من الشعوب الأمازيغية على إقامتها والتي تختلف من ولاية إلى أخرى واستطاعوا مع مرور كل تلك السنوات المحافظة عليها. "الأمة العربية" وبهذه المناسبة ارتأت أن تسلط الضوء على هذه الاحتفالية واختارت عينة من ولاية باتنة والبليدة اللتان تختلفان تقاليدهما عن بعض وقد توجهت "الأمة العربية" إلى منطقة الشاوية إلى عاصمة الأوراس باتنة وبالضبط إلى منطقة تينيباوين التابعة لبلدية تاكسلانت زارت فيها إحدى العائلات المتواضعة التي استقبلتنا ببيتها المتواضع ولم تمانع البتة في الإجابة عن أسئلتنا المتعلقة بتقاليد وعادات منطقتهم وتقاليد الشاوية وهي عائلة بلعيد مختار وقد أكدت لنا ربة العائلة السيدة بلعيد مسعودة بأنهم كانوا قديماً وكان أجدادها الذين قطنوا في بيوت من الطوب والحجارة في الجبال يستقبلون يناير بعدة عادات وهي تنظيفهم لمنازلهم وتغيير أحجار بيوتهم وكذا أحجار مواقد النار وطلاء المنازل وقيامهم بتحميص القمح والشعير وذره على الأرض استبشاراً بقدوم سنة مليئة بالخيرات والبركة وتسارع العائلات إلى اقتناء لوازم العشاء المميز خلال هذا اليوم وجلب الحطب لطهو العشاء الفاخر. قالت لنا السيدة بلعيد مسعودة أن النسوة في منطقة الشاوية تسارعت إلى تحظير طبق الشخشوخة وطبق الكسكسي المرفوق بلحم الديك الذي يتم ذبحه في المنزل وكذا صناعة حلوى الزيراوي المعروفة عندنا بالطمينة التي يتم تحضيرها بتحميص القمح وطحنه ثم إضافة العسل والزبدة له مع خلطها جيداً وتزيينها بالمكسرات خاصة الكوكاو وقد أعربت محدثتنا عن أسفها الشديد بسبب تخلي العديد من العائلات الشاوية على بعض التقاليد التي هي في طريق الزوال مرجعة ذلك إلى تطور ظروف العيش آملة في المحافظة عليها والتمسك بها وأضاف رب الأسرة بلعيد مختار هذا الرجل الشاعر ورغم كبر سنه إلا أننا وجدناه إنساناص شاباً في حديثه وثقافته وفصاحة لسانه وأمتعنا في جلستنا معه بمقتطفات من أبيات شعرية يحفظها وقال لنا بأن التقاليد الخاصة بالإحتفال بينيار بعضها إندثر مشيراً أنهم كانوا في الماضي بعد تناولهم لعشاء يناير يخرج الرجال إلي الأزقة ويجتمعون لتبادل أطراف الحديث وتبادل الروايات والنكت وهم يلبسون ألبسة تقليدية الدالة على أصالة وعراقة ذلك الزمان حديث عمي مختر إلينا أمتعنا كثيراً وأملنا في أن يطول الحديث معه لخفة دمه وطيبته الخالصة. ومن بين الطقوس والعادات التي ما يزال الشاوية يحافظون عليه حسب ماقالته لنا السيدة مسعودة هو خروج العائات مع أطفالها للتنزه في الطبيعة واستنشاق الهواء النقي والتمتع بجمالها كما تجعل عائلات أخرى هذا اليوم يوماص لإقامة أعراس ختان أطفالها وتختار عائلات أخرى هذا اليوم لوضع الحنة لأبنائها وتتفق كل العائلات الشاوية في ارتدائها خلال هذا اليوم ألبسة تقليدية شاوية تعبيراً عن فرحتهم وتميزهم في هذا اليوم الاحتفالي السعيد. يحتفل البليديون بهذا اليوم المعروف عندهم برأس العام بعادات تشبه عادات الأمازيغ حيث تسارع العائلات البليدية إلى تحضير عشاء فاخر إما يكون عبارة عن الرشتة بالدجاج أو الكسكسي بالدجاج والحمص وفيما يخص الحلويات فإن البليديين يحضرون البغرير أو الطمينة أو المعارك احتفالاً بهذا اليوم ويقومون في فترة الليل بتناول حبات الحلوة الممزوجة بالشوكولا والحلقومة والمكسرات وهو مايسمونه "بالتراز" وهي عبارة عن حبات حلوة ممزوجة بالمكسرات والشكولاطة والحلقومة والجوز والتمر إلى آخره. إن ما يميز البليديين في احتفالهم بهذا اليوم رأس السنة الأمازيغية هو وضع الطفل الأصغر في المنزل داخل قصعة وذرّ فوقه التراز المكون من حبات الحلوى والشكولاطة حتى يعم الخير على الطفل وعلى العائلة ككل وتقيم عائلات أخرى احتفالها بإقامة مأدبة العشاء ودعوة جيرانها لتناول العشاء معاً كرمز للأخوة والتضامن ومهما اختلفت عادات الجزائريين خلال هذا اليوم فإن تاريخ استذكاره هو يوم واحد والحادثة هي واحدة وهو يوم يستبشر فيه الجزائريون بقدوم عام مبارك حامل للخيرات والتطور وسنة فلاحية مباركة علماً أن الإحتفال الرسمي بيناير بولاية باتنة تحتضنه رسمياً هذه السنة دائرة نڤاوس بإحيائها لتظاهرات مختلفة. تحتضن هذه السنة إحتفالية رأس السنة الجديدة: 2960 ميلادي والاحتفالات الرسمية لهذه المناسبة دائرة نڤاوس بولاية باتنة وقد سطرت في هذا الصدد مديرية الثقافة لولاية ب اتنة برنامجا متنوعاً وثرياً وبتنظيم من جمعية إثران التي تعني جمعية النجوم حفل خاص يفتتح باستعراض للخيالة لنحو 20 فارساً وعرض أطباق تقليدية خصة بالاحتفال بيناير تقوم بطهوه 10 نساء داخل بيوت قديمة في منطقة جبلية كي يكون المكان موعداً لاستذكار تقاليد الأجداد خلال هذا العيد ومن أهم تلك الأطباق (الغرايف المعروف عندنا بالبغرير والزيراوي (الطمينة) والكسكسي والشخشوخة وتلقى في نفس ا ليوم محاضرة من قبل أحد أعضاء الجمعية الذي يتطرق فيها إلى التعريف بهذا التاريخ والتقاليد التي تصحبه وفي الليل من نفس اليوم ستنظم حفل فني ساهر ينشطه فارس الأغنية الشاوية وأحد رموز الأغنية الشاوية الأصيلة الفنان ماسينيسا إلى جانب مطربين آخرين يكرم في ختام الحفل ماسينيسا كونه يؤدي الأغنية الشاوية وباعتباره أحد أكبر رموز الأغنية الشاوية حيث ينتظر أن يقوم مشايخ المنطقة بمنحه برنوسا أبيضا تكريما لمجهوداته وعمله المتميز وهو مايعرف عند الشاوية بأعلا وأملال وامتنانا منهم على محافظته على الأغنية الشاوية الأصيلة. لا أعتقد أن هناك شعبا يحتفل بثلاثة أعياد رأس السنة، مثل ما يحدث في الجزائر، يحتفل برأس السنة الميلادية، ورأس السنة الهجرية ورأس السنة الأمازيغية، والاحتفال بهذا الأخير هو خاص بالأمازيغ في شمال إفريقيا، غير أن مظاهر الاحتفال لا تبدو بشكل جلي إلا في "المطبخ" حيث يتحلق الأهل و الجيران حول مائدة الطعام، يستمتعون بما لذ وطاب من المأكولات، يجمعونها في ثلاث كلمات "الحشيش" و "الريش" و"الخفاف" ، يجمعون نباتات برية يطبخونها، و يذبحون طيورا مثل الدجاج، وفي صباح اليوم التالي يحضرون الفطائر حتى يأتي العام الجديد خفيفا، ويتبادلون ما جاد به الحال من أحاديث مرحة، وقد يستعيد كبار السن حكايات الجدات مثل الحكاية التي تتناقلها الألسن في بعض الجهات من الوطن عن سبب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، من أن عجوزا تملك قطيعا من الماعز و لما حل الشتاء غطى الأرض بالثلج فلم تستطع أن تخرج قطيعها للرعي، فأخذت تعيب و تلعن، فأراد الشتاء الانتقام من العجوز إلا أنها ماتت قبل ذلك، واتخذ الناس ذلك اليوم الذي ماتت فيه العجوز نهاية لعام و بداية لآخر، وكان "الناير". هذا ما أذكره، ولاشك أن هناك تفاصيل أخرى عديدة غائبة عني، مثل غياب أسماء الشهور الأخرى، التي لا نعرفها، بحيث لم نعد نسمع سوى باسم "الناير"، مرة في السنة وننسى كل شيء بعد ذلك، وكأن السنة الأمازيغية تنحصر في يوم واحد ووحيد، إلا أننا نلاحظ في المدة الأخيرة، نوعا من الاستفاقة في إحياء التاريخ الأمازيغي الذي هو تاريخ الجزائر، وهي استفاقة تحتاج إلى مزيد من العناية و الاهتمام لإخراج ما كان مدفونا من تاريخ البلاد، إلى العلن، وهذا دور الهيئات الرسمية بالدرجة الأولى، ودور الطبقة المثقفة المهتمة بالأمر.