يعاني سكان حي طاطاش بلقاسم المعروف باسم «الروتيير» في قسنطينة، من عدة منغصات يومية أدت في مجملها إلى تحويل يومياتهم إلى مجرد روتين، واكبوا وتيرة عيشه على اعتبار أن الحي من بين الأحياء العريقة التي برزت منذ حقبة العثمانيين، إلا أن عراقته لم تشفع له بإحداث أي تغيير يذكر سواء من ناحية التهيئة الحضارية بشكل جذري، أو من خلال ترميم المساكن التي باتت كبقايا حطام. «السلام» وباقترابها من رئيس الحي إلتف حولها جمع من المواطنين الذين مثلتهم شريحة المسنين الذين ذاقوا ذرعا بعدما كبت الهم أنفاسهم، انطلاقا من الواقع المرير الذي جعلهم يكابدون حياة البؤس تحت لواء مخاوفهم الدائمة من كارثة سقوط بيوتهم فوق رؤوسهم في أية لحظة، ومما زاد من حدة تذمرهم هو عدم تقدير السلطات التي اكتفت بمنحهم وصل السكن -الذي اعتبره البعض ك«المصاصة» التي تمنح للأطفال بغية تهدئتهم- منذ عدة سنوات بحجم المعاناة التي قد تضع «الروتيير» وما يحمله في خبر كان في يوم من الأيام، وعلاوة على ما تقدم ذكره استاء بعض المواطنين من موضوع تحول حيهم إلى موقف للسيارات، الأمر الذي لم يترك لهم متنفسا أو حيزا يمكنهم من اجتياح المكان في حالات المرض أو وقوع كارثة ما -على حد تعبيرهم- ناهيك عن مشكل غياب النظافة وعمالها، حيث ندد المستاؤون من أزمة تراكم الأوساخ التي تمثلها مخلفات بيوتهم وتلك التي يعمد بعض الجزارين إلى التخلص منها برميها في قمامات حي «الروتيير» خاصة خلال فصل الصيف، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة التي خنقت أنفاسهم ووضعتهم في حيز الأمراض التي باتت مزمنة لبعضهم كأمراض الربو والحساسية، فضلا عن انتشار الحشرات الضارة ومشكل الديدان التي لطالما غزت أعدادها الهائلة أرضية الحي المسكين، وفي سياق متصل أشار المواطنون إلى مشروع «الجزائرالبيضاء» الذي لا تزال بنوده تسري على بعض نقاط قسنطينة، متسائلين عن سبب عدم تطبيقه على مستوى الأحياء التي تمثل قلب قسنطينة ومرآتها التراثية التي وضعت في خانة النسيان، لا لشيء إلا لتركيز السلطات المحلية على مواقع البناءات الهشة والقصديرية، واضعين حيهم المهدد بالإنهيار في الدرجة الأخيرة من سلّم المخططات التنموية. السكان يطالبون بإشراك المواطن في إتخاذ القرارات اغتنم بعض مواطني حي «بلقاسم طاطاش» فرصة تواجدنا بعين المكان، لمعاودة توجيه رسالة عبر وسيلة إعلامية لعلها تلقى الصدى المطلوب الذي لطالما حمله ممثل الحي عبر رسائل خطت لتحمل انشغالات أبناء «الروتيير» لعشرات المرات بدون أثر رجعي، حيث ناشدوا بضرورة الإسراع في إتخاذ قرارات إيجابية من شأنها انتشال الحي انطلاقا من جلسة تجمعهم والسلطات الفاعلة، بغية التشاور حول عملية الإنتشال تلك ففي الوقت الذي لا يحلم بعض السكان سوى بمأوى يخلصهم من حياة البؤس في أية بقعة من قسنطينة، يرى البعض الآخر أنهم جزء لا يتجزء من «الروتيير» الذي تأصلوا وترعرعوا فيه، ولذلك طالبوا بضرورة إتخاذ سياسة التدعيم التي من شأنها ترميم سكناتهم البالية، بدل إلتجائهم إلى مغادرة منطقتهم الواقعة في قلب الولاية والقريبة من مختلف المرافق الاجتماعية والخدماتية المختلفة. .. وللسيدة آسيا حكاية أخرى مع حياة الذل والحرمان من خلال الزيارة الميدانية التي خصصناها لمنطقة «الروتيير»، استوقفنا واقع السيدة «آسيا» التي تعيش رفقة أبنائها الثلاثة الذين تفوق أعمارهم سن السابعة عشرة، وأمها وابنة عمها رفقة إبنتها بقبو يقع أسفل عمارة بذات الحي منذ سنة 1998، وهي فترة اعتبرتها آسيا كافية بعدما أشبعتها تلك السنون عذابا وضعها في حتمية التحايل على وتيرة العيش لا لشيء إلا لإسكات أطفالها ومنعهم من الإنحراف الذي يمثل موضوعه هاجسها الكبير، حيث تجتهد الأم «المعذبة» في تغيير شكل القبو -الذي لا تتسع مساحته إلا لشخص- لأكثر من مرة خلال اليوم الواحد، حيث يعد المكان غرفة نوم وغرفة جلوس ومطبخ في آن واحد، ومن خلال سرد المواطنة التي تعتبر واحدة من بين آلاف الضحايا في الولاية، لقصة معاناتها أكدت بأن أكثر ما يؤلمها هو عيشها تحت طائلة التهديد من قبل والدتها التي تعد صاحبة القبو، حيث تعمد في كل مرة إلى طردها إلى الشارع، وهو ما زاد من خدة معاناتها التي دفعت بها إلى طبيب الأعصاب والعيش تحت وطأة المهدئات التي من شأنها أن تنسيها -حسب تعبيرها- وبالنظر إلى جملة المشاكل التي أمكننا ذكرها وأخرى لم تتح لنا فرصة ذكرها جملة وتفصيلا، ألحت السيدة «آسيا» على ضرورة إيجاد حلول استعجالية تخرجها من جحيم الحياة التي ازدادت حدته مع ازدياد وعي أبنائها الذين وضعهم الخجل في بوتقة العزلة والإنطواء، خاصة وأنهم ضحية لوالدهم المهمل قبل تهميشهم من قبل مجتمعهم وسلطاتهم المحلية، التي لم تجد لهم حلا منذ سنوات بعيدة، بالرغم من تناول موضوعهم عبر عديد وسائل الإعلام التي كانت بادرتها إذاعة قسنطينة الجهوية.