تنتشر في الأحياء الشعبية مهنة “قطع الأمراض" التي بات الكثير من الأشخاص يدعي قدرته على علاج الأمراض المزمنة والمعدية، لتحقيق الربح خاصة أن جهل الأسر دفعهم لقصد تلك الأماكن وهم يثقون بفعاليتها في شفائهم من الأمراض. اكتسب ممتهنو “الڤطيع” بالعامية شهرة واسعة بفعل جهل البعض بخطورته وكذا تمسكهم بالخرافات، فبالرغم من الطرق التقليدية والغريبة التي تستخدم في العلاج والتي تقترب طرقها من السحر أكثر من الطب البديل، إلا أن العائلات باتت تفضل العلاج بتلك الطريقة الشعبية التي تنعدم بها سبل النظافة على زيارة الطبيب، خاصة أن عجز الأطباء عن تشخيص بعض الأمراض أو علاجها دفع بعض الأشخاص إلى إتخاذها كمهنة تحقق لهم الربح الوفير على حساب زبائنهم الذين يقعون ضحايا بأياد غير أمنة في كثير من الأحيان، وبالرغم من تطور الطب إلا أن الكثير من الجزائريين مازالوا يتمسكون بطرق قديمة لاتجدي نفعا، في المقابل فإن المرضى يقعون بوهم قدرة الشيوخ على شفائهم من الأمراض، حيث يجد الجزائريون ضالتهم في العلاج التقليدي المتوارث عن الأجداد أمام الإنتشار الواسع لممارسي “الڤطيع” في الجزائر، والغريب أن فئة المثقفين والشخصيات المهمة هم أكثر من يقتنعون بنجاعة “الڤطيع”. المنجل وقرون الحيوانات الحارقة تلتهم جلود المرضى كما يفضلون زيارة الشيوخ على الطبيب بالرغم من الآلام الناجمة عن طرق العلاج بالكي، إضافة إلى المخاطر الصحية الناجمة عنها والتي قد تنتهي بوفاة المرضى، والغريب أن أكثر المقبلين على هذا العلاج البدائي هم من الأثرياء والمثقفين الذين لم يمنعهم علمهم من زيارة شيوخ “الڤطيع” الذين يحققون الربح على حساب حياة مرضى لا حول ولا قوة لهم سوى التشبث بأي بصيص أمل . إستخدام أدوات غير معقمة في جلسات “قطع الأمراض” بالرغم من تطور الطب إلا أن جهل الجزائريين بمخاطر القطيع وكذا إيمانهم بالخرافات وطرق العلاج القديمة، أوقعهم بوهم نجاعة جلسات “القطيع” في قدرتها على تخليصهم من أمراض نفسية وعضوية عجز الطب عن شفائهم منها، فلم يجدوا من خيار سوى التشبث بمعتقدات قديمة ظلت تسيطر بعقول الجزائريين لسنوات طويلة، فباتت زيارة من يمارسون القطيع ضرورية عند إصابتهم بالأمراض، حيث إقتنع الكثير منهم أن جلسات القطيع قادرة على شفائهم من ضيق الصدر والخلعة إضافة لأمراض نفسية أخرى إستعصى على الطب علاجها، فباتوا يفضلون التمسك بهذا التقليد على التوجه للعيادات الطبية أو النفسية، وللغوص في خفايا “الڤطيع” الذي حقق شهرة واسعة بالأحياء الشعبية بالرغم من أن طرقه البدائية والتي لا تحترم سبل النظافة قد تعرض المرضى للخطر، فكانت وجهتنا الأولى إلى حي باب الوادي، بعدما علمنا أن عددا كبيرا من المرضى يطرقون منزل الحاجة “فريدة” التي تدعي أنها تمتلك بركة ربانية في العلاج، فمن شدة إزدحام منزلها بالمرضى تطلبت زيارتها الحصول على موعد مسبق، فدخلنا إليها وكأننا من المرضى لكننا إستغربنا أن الحاجة تستخدم أدوات تقليدية غير معقمة للعلاج وآلات حادة قديمة تعود لسنوات أجدادها، إدعت خلال جلسة القطيع أن تلك الآلات تحمل قدرة خارقة حيث لاحظنا أن الجلسة تتباين بين إستخدام قرون الحيوانات بوضعها على النار، لتليها خطوة كي منطقة الألم بسكين حاد أخبرتنا أنها توارثته عن جدتها التي كانت منذ زمن تستخدمه في جلسات القطيع. المنجل وقرون الحيوانات الحارقة تلتهم جلود المرضى غيرنا وجهتنا إلى القبة، بعدما ذاعت شهرة أحد شيوخ القطع الذي قارب ال70سنة، حيث علمنا من سكان الحي أنه يمارس نشاطه منذ سنوات وبعد زيارتنا له أخبرنا أنه يمتلك خبرة واسعة في علاج الكثير من الأمراض التي عجز الطب عن شفائها عبر جلسات القطيع، حيث لاحظنا أن طرق علاجه تستلزم تواجد المنجل والنار إضافة إلى بعض العقاقير التي توضع ساخنة على منطقة الألم، لكن ما إستغربنا له أن بعض الأمهات لا تجد أي مانع من إصطحاب أطفال في عمر الزهور للمواظبة على تلك الجلسات بالرغم من أن أجسادهم الضعيفة لاتحتمل الكي بتلك الأدوات الساخنة، حيث تعالى صراخ طفل لم يتجاوز السنتين بالمكان علمنا من والدته أنه يعاني من مرض نفسي عجز الطب عن علاجه، فلم تجد من خيار إلا زيارة الشيخ بعدما أقنعتها جارتها بقدرته على شفاء المرضى. أطفال يعالجون بطرق بدائية بالرغم من تطور الطب وعلى بعد بضعة كيلومترات بباش جراح، تشتهر “الحاجة زهرة” بخبرتها في قطع بوصفاير وعلاج الأمراض بطرق بدائية وغير صحية، حيث كان إقبال المرضى على منزلها واضحا من خلال إزدحام الزبائن، فبعدما إقتربنا منها كشفت لنا عن طرق العلاج الغريبة التي تساعد المرضى على الشفاء فأخبرتنا أنها تقوم بإحداث جروح طفيفة بجسم المريض ببوصفاير بشفرة الحلاقة بينما تستخدم منجلها القديم الذي توارثته عن أجدادها منذ ما يقارب 80 سنة، فما زالت تتبرك به لتكوي مرضاها حيث تعتبر الحاجة أن الأحد والأربعاء يومان مباركان ل«الڤطيع”. لكن ماتفاجأنا به أن أغلب مستلزمات تلك الجلسات غريبة لا تتوافق طرقها مع الخطوات العلمية، حيث شاهدنا تواجد المنجل وقرون الحيوانات التي يضعها ممتهنو “الڤطيع” فوق النار بدرجات حرارة عالية يتألم المرضى من سخونتها، إلا أنهم يتحملون شدة الألم على أمل أن يتم شفاؤهم من المرض على يد الشيخ إضافة إلى أدوات حادة قديمة أكلها الصدأ توضع بأجسام المرضى دون تعقيمها، بينما تستخدم مستلزمات مجهولة المصدر كالزنجار إضافة إلى الشب أوالقطران وأشياء أخرى غريبة يؤمن المرضى بقدرتها على الشفاء على يد أهل الحكمة. ممتهنو “الڤطيع” يحققون نجاحا باهرا في أحيائهم إن زيادة الطلب على جلسات “قطع الأمراض” إضافة إلى تمسك شريحة كبيرة من المجتمع بطريقة العلاج القديمة، جعلت الكثير من الشيوخ والشباب يزاولون مهنة القطيع بالرغم من عدم إمتلاكهم خبرة واسعة، وغالبا ما يكون تبريرهم الوحيد أنهم توارثوها أبا عن جد، وأمام غياب الرقابة حقق العديد من ممارسيها شهرة واسعة وأصبح الزبائن لا ينقطعون عن زيارتهم بعدما إنجروا وراء الخرافات والمعتقدات، تلك الأسباب ساعدت في إزدهار مهنة القطع بأحياء مختلفة في العاصمة، هذا ما دفعنا للقيام بزيارة منازل من يزاولون جلسات القطيع، حيث علمنا أن الحاج “عمار” شيخ قارب السبعين حقق شهرة واسعة بأحد أحياء القبة، فإقتربنا منه حيث أخبرنا أن مهنة القطيع تتطلب الدقة والحكمة بالعلاج التي توارثها عن والده لسنوات طويلة، كما أضاف أن قدرته في شفاء المرضى يستمدها من بركة الله، كما أنه إمتلك خبرة واسعة خلال مواظبته على علاج المرضى لفترة قاربت الأربعين سنة، وعن الأمراض التي ينفرد بعلاجها فيقول أنه ينفرد بعلاج بعض الأوجاع إضافة إلى الشقيقة والعين وعن طرق العلاج، فيقول أنها تتطلب تسخين قرون البقر والماعز على النار لعدة دقائق ليتم غرزه عدة مرات بين منطقة الصدر والبطن، كما علمنا من الشيخ أن الكثير من الزبائن يقصدون منزله لتخليصهم من العين والحسد، حيث يتطلب منه العلاج التسبيع على رأس المريض بالشب، ثم يطلب من المريض أن ينفث عليه عدة مرات ثم يضع ملعقة الشب على النار ليكشف إن كان المريض مصابا بالعين أو الحسد. في حين يمتهن السيد “داودي” المعروف بالسوق الشعبي لبئرمراد رايس، قطع “الشقيقة” بمحله الذي علمنا أنه فتحه لمزاولة نشاطين متناقضين، حيث يقوم بحلاقة رأس زبائنه ثم يمارس طقوس القطع بعد الإنتهاء من الحلاقة، فخلال حديثنا معه أكد لنا أن شباب الحي يثقون ببراعته في العلاج، حيث أن فئات من مختلف الأعمار والأجناس يقصدون محله بشكل يومي، كما أضاف أنهم يفضلون قطع الصداع بعدما عجزت الأدوية على علاجه. أطفال يعالجون بطرق بدائية بالرغم من تطور الطب لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لبنات حواء اللائي وجدن من تلك المهنة وسيلة سريعة لكسب لقمة العيش، حيث أن الحاجة “فضيلة” التي ذاعت شهرتها بمنطقة الرويبة، حققت نجاحا كبيرا في مجال قطع الأمراض، وقد علمنا من أبناء حيها أن خبرتها الطويلة جعلتها تجذب إليها عددا كبيرا من الزبائن الذين يتوافدون على بيتها من المناطق البعيدة، فخلال زيارتنا لها لاحظنا طوابير من المرضى الذين ينتظرون في الصباح الباكر دورهم بفارغ الصبر، وخلال حديثنا مع الحاجة أخبرتنا أنها واظبت على قطع الأمراض لفترة تجاوزت الثلاثين سنة، وعن الأمراض التي تعالجها فتقول أن الكثير من الأمهات يزرن بيتها لتساعد أطفالهن على التخلص من الأمراض بمساعدة ابنتها “سليمة” التي لم يتجاوز سنها ال35 سنة، والتي علمنا منها أنها توارثت المهنة من والدتها وعن الأمراض التي تعالجها فتقول أن الكثير من الأمهات يستنجدون بها لعلاج أطفالهم من الأمراض بعدما عجز الأطباء عن شفائهم منها خاصة المصابين بخلل في الهرمونات وحتى من يملك رأسا أكبر من جسده، إضافة إلى المرضى الذين يعانون من عرق “اللسا”، وعن طرق العلاج فتقول أنها تأخذ قطعة من القطن تضيف لها البصل والقطران فتضعها في فم الطفل ثم تحك لسانه بالقطن حتى يتقيأ، كما أضافت أن هذا العلاج يستخدم لعلاج “المشاهرة” لشفاء الطفل الذي لا يكبر كما تقوم بشبر من يتعرضون للوعكات الصحية أو المصابين بالعين، حيث تشبر جسد المصاب بالحسد بالإبهام والسبابة كما تتبرك بها المرأة العاقر التي تجد أن يد الحاجة تمنح لها بركة الإنجاب بعد تدليك بطنها. مرضى يقعون في دوامة جلسات القطع بالرغم من أن مرض بوصفاير من الأمراض المعدية التي تستدعي متابعة طبية، إلا أن الأسر الجزائرية باتت تعزف عن زيارة العيادة الطبية وتجهل مخاطر القطع، بينما تفضل الذهاب إلى بيوت غير أمنة تنعدم فيها سبل النظافة للعلاج بطرق بدائية غير متداولة في القاموس الطبيب بطقوس أقرب إلى الشعوذة والخرافة، إضافة إلى هذا بات ممتهنو “قطع الأمراض” يزاولون نشاطهم بطقوس غريبة مستغلين ضعف المرضى غير واضعين أي أهمية لصحة المريض بل همهم الوحيد تحقيق الربح، حيث علمنا من إحدى المريضات أن أحد الشيوخ ببراقي، إدعى أنه يملك قدرة على الشفاء بلعابه حيث قام بالبصق على وجهها خلال جلسة القطع وهو يدعي أنها ستشفى من مرضها الجلدي بعد أيام بينما، وقعت إحدى الشابات بوهم الشفاء على يد إحدى الحاجات لكنها تعرضت لمضاعفات صحية وحروق خطيرة بجسمها بعدما قامت بكي جسدها ولم تراع مسألة إصابتها بالسكري، بينما أخبرتنا إحدى الأمهات أن ابنتها التي لم تتجاوز الثلاث سنوات فارقت الحياة مباشرة بعدما قامت إحدى الحاجات بقطع مرضها بعد حرقها بالمنجل الذي تسبب في إصابتها بمضاعفات خطيرة أدت إلى وفاتها. ويبقى جهل الجزائريين بالمخاطر الصحية ل”قطع الأمراض” وكذا غياب الوازع الديني والرقابة، من ضمن الأسباب التي ساعدت في الإنتشار العشوائي لممتهني قطع الأمراض الذين يدّعون إمتلاكهم قدرات وبركة ربانية لشفائهم من الأمراض، بالرغم من نقص خبرتهم في العلاج الطبي إضافة إلى تلك الأمور فإن الواقع الإجتماعي الصعب الذي تعيشه الأسر المحدودة الدخل جعل شريحة كبيرة من المجتمع تؤمن بالخرافات والمعتقدات القديمة، أمام عجز الطب عن شفاء الأمراض، إضافة لغلاء تكلفة العلاج والأدوية في المقابل فإن علماء الدين ينصحون بالتمسك بالطب النبوي والإبتعاد عن طرق العلاج التي تلحق الأذى بجسد الإنسان، كونها محرمة في الدين الإسلامي إضافة أن الشافي هو الله، ومن يدّعون أنهم يمتلكون القدرة على الشفاء فهم يكفرون.