كتاب «زيغود يوسف الذي عرفته» للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق، إبراهيم سلطان شيبوط، يعتبر مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً ورائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي. يذكر أن جميع الأطفال الستة الذين رزق بهم زيغود يوسف قد توفوا باستثناء «شامة» التي ولدت في 29 جانفي 1948م، وهي لم تبلغ بعد الثانية من عمرها شاهدت والدها يقبض عليه، وبعدها أصبح يعيش في سرية بالمناطق البعيدة عن القرية التي ولدت بها، وقد ذهبت إلى تونس سنة 1957م وسط كتيبة توجيه الأسلحة تحت قيادة المجاهد شريف الحامي. وبالنسبة للوضعية الاجتماعية لأرملة الشهيد زيغود يوسف يشير المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، إلى أنها «عاشت ما بين عام 1950 وخريف سنة 1957 بين دوار صوادق ومدجيرة في بيت أخوال زوجها(البوشريخة) ثم عند أقارب آخرين البودرسة، وبعدها التحقت بعائلتها بالحروش، أين كانت نوعاً ما في أمان.إذ الإقامة الفارطة بناحية كندي سمندو كانت جدّ صعبة، فالجندرمة كانت تبحث عن المختفين المنتمين إلى المنظمة السرية والذين من بينهم زيغود يوسف. بعد أول نوفمبر 1954 أصبح كل من الدرك الجيش والشرطة يتدخلون معاً في البحث عن المخفيين خاصة بعد وفاة الشهيد ديدوش مراد، إنه التمشيط الذي ينجم عنه إحراق الأراضي، إفلات المؤونة، تكسير الأمتعة، تقتيل عشوائي ينفّذ حسب مزاج ضباط جيش العدو. السيدة زيغود عاشت أياماً صعبة، ولكن إقامتها بالحروش كانت أقل ضرراً فصاحب البيت الذي تسكنه عائلة طرايفة كان أحد معطوبي الحرب العالمية الأولى ( 1914 / 1918)، فقد كان كلّما حل الدرك ببيت عائلة طرايفة لانتمائها إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية يتدخل بصدره وهو مملوء بالأوسمة ولا يسمح بإيذاء مستأجريه، تدخلات السيد بولبرشان كانت مجدية وحالت دون المحن والاعتقالات لأعضاء عائلة طرايفة والسيدة زيغود يوسف. سمح الاستقلال بجمع عائلة زيغود يوسف بكندي سمندو أولاً، ثم بقسنطينة أين السيدة زيغود يوسف كادت تطرد من المسكن الذي سكنته،فهي مدينة لتدخل الوالي بن محمود الذي حال دون طردها. بالنسبة للإجراءات الإدارية كان على ابن خال زيغود يوسف وأرملته بوشريخة بولعراس، الذي كان يلعب نوعاً ما دور الوصي. إلى يومنا هذا فإن أرملة زيغود يوسف تحتل شقة من ثلاث غرف بعمارة موجودة بنهج عمار كيكية في قسنطينة، إنها أرملة وقورة جداً لم تطلب من الجزائر الكثير. استقبلها السيد أحمد بن بلة، والسيد هواري بومدين، والسيد أحمد بن شريف ولكنها لم تطلب أبداً مطالب مقابل المعاناة التي تلقتها أو ما تعرضت إليه ابنتها منذ طفولتها، ولا حتى تعويضاً عن استشهاد زوجها من أجل تحرير الوطن لقد احترمت ذكرى زيغود يوسف وكانت مثالاً للتواضع والكرامة». في قسم خاص عنونه ب«الحياة السياسية مدخل إلى العمل المسلح» تتبع المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، رحلة البطل الشهيد زيغود يوسف مع النضال والكفاح منذ انخراطه عام 1943م ضمن الحركة الوطنية، ويذهب إلى أن انخراطه في الحركة الوطنية يعود إلى اقتناعه بأفكار عائلته نتيجة موقع قريته التي توجد على محور الطريق الرابط بين قسنطينة وفيلب فيل (سكيكدة أو الحروش) أين يسكن جزء من عائلته، فقد عرفت هذه المدن بواكير الحركة الوطنية وتطور الحركة الكشفية إضافة إلى أنها كانت مقراً للشخصيات السياسية أمثال: مسعود بوقادوم المسمى الحواس، وعبد الله فيلالي، وموسى بولكورة، وحسين لحول. كما يشير المؤلف إلى أنه كان للمجاهد علال ثعلبي، بكندي سمندو تأثيرا كبيرا على زيغود يوسف، وقد قضى زيغود يوسف سبع سنوات وهو يشرح لسكان كندي سمندو ضرورة التنظيم والوحدة لإجبار الاحتلال على الاستسلام، وقد سعى مع المجاهدين: ميهوبي، العربي شوجي، البوضرسة، البوشريخة، والغرابي لجلب كل الريف المحيط بكندي سمندو للانضمام للقضية الوطنية. وبفضل هذا العمل فقد صوت القرويون والفلاحون بكثافة عند انتخابات سنة:1947م التي تم فيها انتخاب زيغود يوسف مستشاراً بلدياً للكوليج الثاني، ولم يكن من السهل أبداً أن تُحسم النتائج لصالح حزب الشعب حركة انتصار الحريات الديمقراطية ذلك أن السكان كانوا مراقبين ومضطهدين بشكل كبير من قبل الاستدمار الفرنسي. وقد نظم زيغود يوسف مظاهرة 8 ماي 1945م وترأسها، ولحسن الحظ لم يكن هناك ضحايا وقد تم إيقاف سبعة أشخاص ادعى جيش الاحتلال أنهم حطموا أختام محل الكشافة، وقد تأثر زيغود يوسف أيما تأثر بمجازر 8 ماي 1945م، واختير في المنظمة السرية من طرف مسؤوليها ومن بينهم محمد بوضياف لرئاسة ناحية كندي سمندو. وبعد حادثة تبسة الشهيرة واكتشاف المنظمة السرية من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي ألقي القبض على زيغود يوسف بمنزله يوم 22 مارس 1950م، حيث اتجهت الشرطة الفرنسية بقسنطينة نحو مسكنه حيث كان يقطن عند عمه زيغود سعد، عند مخرج القرية على الطريق الذي يؤدي إلى سكيكدة، وقامت بتحطيم وإتلاف كل المؤونة بالبيت، وتم تعذيب زيغود يوسف تعذيباً شديداً، وبعدها نقل إلى عنابة ووضع تحت الحجز بتاريخ 28 مارس 1950م. وفي السجن التقى زيغود يوسف بكل الذين اعتقلوا بمنطقة قسنطينةوعنابة وڤالمة وسوق أهراس وتبسة وتكونت صداقة بينه وبين عبد العزيز بولحروف. تطرق المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، إلى قصة فرار الشهيد زيغود يوسف من السجن، حيث جاء في روايته «...كلّ هؤلاء المساجين حوكموا يوم 30 جوان 1951 من طرف المحكمة التي من بين أعضائها فقليماسي القادم من سكيكدة (فيليب فيل) زيغود يوسف، بن عودة كمال، بركات سليمان، بكوش عبد الباقي حوكموا غيابياً لأنهم تمكنوا من الفرار. هذا الفرار كان بفضل الحفاظ على السر من طرف الشركاء في السجن ومهارة زيغود يوسف الذي صنع مفتاحاً عاماً، هذه الأداة استعملت لفتح مخدع النوم الفاصل للغرفة رقم ( 18) والتي تستعمل كمرقد للسجناء. هذا المخدع للنوم كان للأم العليا، إذ أن السجن في حقيقة الأمر كان في الواقع ديراً للراهبات. بفضل الحصائر التي لفها، فإن زيغود يوسف تمكن من الوصول إلى سقف مخدع النوم ليقوم بثقبه، وفي اليوم (ج) خرج زيغود يوسف، بركات، بن عودة،بكوش عبد الباقي عبر السقف من خلال ذلك الثقب وبفضل الحبائل التي ظفرها بالمادة التي كانت الحصائر محشوة بها، تمكنوا من إيجاد منفذ نحو ملحقة للمحكمة والتي كانت تستعمل لحفظ الأرشيف.. ها هو زيغود يوسف يفتح باب هذه الغرفة التي تمتد إلى ردهة المحكمة، البواب الذي كان مسكنه مضاء لم ينتبه إلى أي شيء فقطع الفارون رواق المحكمة ووصلوا إلى المخرج.حيث كان زيغود يوسف ينتظر مرور سيارة كي لا يسمع الصوت الذي سوف يحدثه فتح الباب. وها هي ذي سيارة تمر صدفة في الوقت المناسب وباب المحكمة يفتح دون ضجة، ويتجه السجناء الأربعة نحو الشاطئ محاذين إياه إلى أن وصلوا إلى بيجو (سرايدي). اقترح بن عودة الاتصال بعائلة راشدي التي كانت تضم عدداً من مناضلي حزب الشعب الجزائري حركة انتصار الحريات الديمقراطية، بينما فضل زيغود يوسف متابعة السير إلى الطريق الوطني عنابةقسنطينة، فتواصل السير إلى حدود عين أم الرخاء (عين بورحلة) لقد دامت هذه المسيرة أربعة أيام والتي خلالها كان كل واحد يتغذى بقطعتين من الحلوى. إذ كان سليمان بركات قد أخذ معه حوالي خمس عشرة قطعة من الحلويات التي كان المسجونون يتلقونها من عائلاتهم... خلال رحلتهم هذه اجتازوا ضيعة وادي الكبير فنزلوا عند عمال مغاربة تناولوا عندهم العشاء وقضوا ليلتهم، ولم يجدوا أنفسهم في مدخل قرية الحروش إلا من بعد تسعة أيام أي يوم 30 أفريل 1950. زيغود يوسف وبكوش اتجها نحو عائلة زيغود يوسف الطرايفة، بن عودة وبركات اتجها نحو عائلة بودرسة أين سبقا بزيغود وبركات. خلال شهر أفريل وماي كانوا مقيمين عند المناضل بودرسة عمار والذي كان أحد أقارب زيغود يوسف، في 2 جوان 1951 قرر الحزب التحاق الهاربين الأربعة بالأوراس. زيغود وبن عودة اتجها نحو دوار عين كار،بكوش وبركات نحو دوار عين كباش.في شهر أوت 1951 قام الجيش الفرنسي بعملية عسكرية بالأوراس. رجال الخفاء الذين كانوا يعيشون بالأوراس اجتمعوا بقسنطينة وكذلك الهاربون من بونة. زيغود يوسف وبركات عينا بميلة مع ذلك فإن زيغود لم يقطع علاقته ببوشريخة بكندي سمندو». تناول المجاهد إبراهيم شيبوط; بالتفصيل حياة الشهيد زيغود يوسف بعد الانتقال إلى الكفاح المسلح، فقد شارك في اجتماع 22، وعند اندلاع ثورة التحرير كان على رأس فوج من عشرة جنود هجم على القوات الفرنسية، وتوقف مع هجومات 20 أوت 1955م والتي خطط لها زيغود يوسف ففي شهر جويلية 1955م، تحدث زيغود يوسف مع كل من بوقادوم بشير بوبنيدر، بوجريوي، واسماعيل زقات، وساسي وبوركايب وبوشريخة ومجموعة من معاونيه المقربين من منطقة الوسط عن المشروع وبرمج اجتماعاً مع بن طوبال وبن عودة، وقد تم الاجتماع الذي حضره أكثر من مائتي جندي من بينهم عمارة العسكري بالمكان المسمى ( قندابو) الذي يبعد خمسة عشر كيلومتراً عن سكيكدة، ولم تتسرب أية أخبار إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية، وخلال التسعة أشهر التي سبقت هجومات 20 أوت 1955م عمل زيغود يوسف مع مجموعة من مرافقيه جاهداً على تنظيم سكان الأرياف والمدن بالناحية الثانية من الشمال القسنطيني. يتبع..