يفضل المجاهد قاسم كبير، في الجزء الثاني من شهادته، ومن موقعه كعضو سابق في المجلس الدستوري، طبيعة الأزمة الدستورية الحادة التي دخلت فيها البلاد ومؤسسات الدولة بسبب استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ويتحدث عن ظروف تلك الفترة والنقاشات التي كانت مفتوحة، والصيغ التي كانت مطروحة في هرم السلطة ودوائرها الخفية للخروج من الأزمة. ويكشف عن تفاصيل زيارته شيوخ الفيس في السجن وما دار بينهم من حوار خلف الأبواب المنغلقة. كنت أحد أعضاء لجنة الحوار، التي تشكلت للبحث في حلول للأزمة مع مختلف الحساسيات السياسية والمدنية. كيف جرت جولات الحوار؟ كما نعلم، فتح مجلس الدولة بعد اغتيال المرحوم بوضياف المجال للحوار الوطني. عينت في لجنة الحوار ومكثت فيها مدة سنة تقريبا. كان الحوار يجري مع كافة الطبقات السياسية والمنظمات والجمعيات وبعض من رؤوس الفيس، ولكن لم يتوصل إلى نتيجة لأن مدة صلاحيات المجلس الأعلى للدولة هي سنة كانت توشك على الانتهاء. لم يأت الحوار بنتيجة نظرا لضيق الوقت ونهاية الفترة المحددة لمجلس الدولة. تم تشكيل لجنة وطنية للحوار تتكون من ثمانية أشخاص يرأسهم الدكتور يوسف الخطيب، قائد الناحية الرابعة أثناء الثورة، وثلاثة عسكريين هم الجنرالات الطيب الدراجي، وصنهاجي، وتواتي، وأربعة مدنيين: المتحدث، وأحمد بن صالح، والدكتور طه ياسين، طيار كان آنذاك مدير للمدرسة الوطنية للإدارة، ونقيب للمحامين بوعديس. ونظرا للأوضاع التي كانت تعيشها البلاد، فإن تشكيل اللجنة تم على أساس التوازن الجهوي. التقينا لأول مرة في جنان الميثاق. وكان لهذه اللجنة دور في فتح حوار جدي مع كل الحساسيات السياسية والمدنية والشخصيات الوطنية. ودام الحوار نحو ثلاثة أشهر وتوج بندوة وطنية خرجت بوثيقة شكلت أرضية للمرحلة الانتقالية بعدما كان الدستور شبه مجمد لأن المؤسسات لم تكن موجودة. كان الجميع يهدف إلى خروج البلاد من المأزق لكن من وجهة نظره. كل حزب من وجهة نظره. هناك نقاط لا نختلف حولها وهناك نقاط نختلف فيها. ما نتفق حوله هو أننا نطمح غلى الرجوع إلى الشرعية. لكن هناك من يرى أن الرجوع إلى الشرعية غير مجدي بهذه الطريقة، وهناك مجموعة ترى أن الحوار يجب أن يكون نتيجة لأي تفاهم حول الخروج من الأزمة. كان النقاش على درجة كبيرة من الصعوبة وهذه الصعوبة تختلف من حزب إلى حزب. كانت الأحزاب الصغيرة كلها متفقة معنا. أما النهضة بقيادة عبد الله جاب الله فكانت تشترط حضور شيوخ الفيس في الندوة الوطنية، وكذلك حسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري. وفي هذه المرحلة بالذات بدأت تتكون فكرة في جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد الحميد مهري ولويزة حنون وحسين آيت أحمد هي فكرة سانتي جيديو. ثم برزت لاحقا في شكلها الحقيقي في إيطاليا. مهري كان يرى أن فكرة الحوار لعبة من ألاعب النظام الفعلي، كما يسميه للبقاء في الحكم لذلك قرر في الأخير مقاطعة الندوة الوطنية. هو والأفافاس وحزب العمال. أما »حماس« فقد حضرت صبيحة اليوم الأول للندوة ثم انسحبت بسبب بعض الخلافات تتعلق بتعيين رئيس الدولة، لكنها رجعت في المساء بقيادة محفوظ نحناح. وقتها، النهضة بقيادة جاب الله أخذت شارات المؤتمر ولكن كان ممثليها اشترطوا حضور الشيوخ للحضور. هل قابلتم الشيوخ في تلك الفترة؟ نعم. فتحنا حوارا مع الشيوخ في السجن عباسي مدني وعلي بلحاج وقمازي وبوخمخم وعلي ستي.