فاكهة «الهندي» أو التين الشوكي، أو كما يسمى محليا «بكرموس نصارى»، فاكهة صيفية عرفت بفاكهة الفقراء كما يقول بائعوها الذين يعملون على توفيرها بأسعار متواضعة، حيث كان استهلاكه في الماضي القريب يقتصر على سكان الأرياف دون غيرهم ولا يعرض كثيرا للبيع، ولكن الملاحظ حاليا هو التهافت الكبير عليه من قبل العديد من المواطنين، والمعروف عن الهندي أنه من الفواكه التوتية التي تنمو في المناطق الجبلية والجافة، فاكهة تعرض بشتى أشكالها وأنواعها في منافسة الفواكه الموسمية على غرار العنب، البطيخ والتين . قمنا بجولة في الأسواق، أين كان البائعون الصغار يعرضون سلعتهم على طاولات خشبية متنقلة من مكان إلى آخر، اقتربنا من بعضهم لنستطلع أكثر عن هذه التجارة الموسمية، حيث أكد أغلبهم أن المواطنين يتهافتون على شرائه وذلك لسعره الذي هو في متناول الجميع، خاصة إذا ما قورن بباقي الفواكه، حيث يقدر سعر 20 حبة منه »أي ما يعادل واحد كيلوغرام« ب100 دينار، أي بمعدل خمسة دنانير للحبة الواحدة، في حين يبيع آخرون في بعض المناطق لاسيما على أرصفة الطرقات الكبرى صناديق من الهندي التي يصل سعرها إلى 300 دينار، هو نفس المشهد الذي لاحظناه في الطريق الرابط بين درقانة وعين طاية بمحاذاة تلك الأحواش، أين كان الباعة يعرضون سلعهم في الهواء الطلق في ظل انعدام فضاءات مخصصة لبيعه، ولكن ذلك الغبار المتناثر لم يمنع محبي الهندي من التوقف والترجل من السيارات من أجل اقتنائه، ويفسر الباعة هذا التواجد الكبير لفاكهة الهندي إلى وفرة إنتاجها مقارنة بالسنوات الماضية، أما عن الإقبال المنقطع النظير على هذه الفاكهة فيرجعها البائعون إضافة إلى سعرها المنخفض ولذة طعمها هو إدراك الناس للفائدة الغذائية التي تحويها، إذ تعد غداء صحيا إلى درجة أن البعض لجأ إلى قطف حبات التين الشوكي قبل نضجها لكون الطلب عليها كبير.»المناطق الجبلية أحسن مكان يتوفر فيه الهندي» هكذا بدأ الشيخ السعيد يتذكر موسم جني الهندي في منطقة القبائل، أين كان يقيم رفقة عائلته، فقد كانت النسوة يتسابقن لقطف حبات الكرموس في الصباح الباكر لتفادي حرارة الظهيرة الملفحة، حيث تقطعن مسافات للوصول إلى الحدائق لتملأ كل واحدة ما استطاعت في تلك السلل رغم خطر الأشواك التي تملأ حبات الهندي، إلا أنهن كن حريصات على تنظيفه باستعمال الحشيش بعد أن يستعملن نوعا تقليديا من الملقط المصنوع من السلك والقصب حسب ما توارثوه عن أجدادهم في طريقة نزع الهندي، وفي موسم الجني تعمد العائلات إلى تقديم هذه الفاكهة لكل من لا يملكها وخاصة زوار المنطقة الذين يمكنهم قطفها دون معارضة أحد، لكونها من النباتات البرية، منها ما ينبت لوحده ومنها ما يغرس على محيط الحدائق الخاصة كنسيج يحميها، ولم يكن يباع كما هو عليه الحال الآن. ولكن الحاجة والعوز دفع بالعديد من العائلات إلى إرسال أبنائهم إلى الأسواق بغرض تسويق هذا المنتوج، الشيء الذي أدى إلى اتساع عدد مستهلكيه، أما عن أفضل أنواع الهندي التي يفضلها عمي سعيد فيقول أن «السرتي» أفضل الأنواع بالنسبة إليه. ويلقى تجار فاكهة التين الشوكي عدة صعوبات لعل أبرزها هو الطريقة التي يقطفون بها حبات الهندي كلما أتيحت لهم الفرصة حتى وإن كانت لم تنضج بعد، إضافة إلى الأشواك القاسية التي تكسوها، وفي هذا الصدد يقول أحد الباعة: «في الأول، كان لدي مشكل في تقشير الهندي، ولم أكن استطيع تقشيره للناس دون أن استعمل القفازات، ولكن الآن اعتدت على الشوك». مهنة بيع التين الشوكي تتطلب قدرة على تقشيره وتقطيعه نظرا لطبيعته الشوكية، حيث تصعب إزالة شوكه في حال ولوجه إلى مسامات الجلد، وحتى أن وجود بعض الرياح يكفي لتطاير تلك الأشواك، الأمر الذي يفرض على ممارس هذه المهنة أن يكون شديد الحذر أثناء تقشيره له، ولكن هناك من يبيعه بدون تقشير ليبقى على المستهلك أخذ الاحتياطات اللازمة لذلك، ولكن لا ينكر أحد أن تجارة هذه الفاكهة وفرت فرص الاسترزاق خلال الصيف، وقبيل الدخول المدرسي ولو بشكل مؤقت يمكنهم من توفير بعض المصاريف. ومن المظاهر التي انتشرت مؤخرا عند طاولات بيع الهندي هو عدم مقاومة بعض الأفراد للهندي عند شرائه، حيث يطلبون من البائع تقشيره ويأكلونه في الحين، فأصبحت فاكهة للأكل السريع من طرف الرجال والأطفال، بل حتى النساء لا يجدن حرجا في الوقوف أمام الطاولة لتناول بعض الحبات.