يكثر الحديث في الوقت الحاضر عن أطفال يقلدون تصرفات أبائهم، ويتشبهون بهم، ويتخذونهم قدوة، ففي كثير من الأحيان نسمع عن أطفال تعلموا صفات الكرم، الأمانة والصدق من آبائهم، إلا أن الأمر يتأزم حينما يقتدون بالسلوكيات التي لا يجب الاقتداء بها، إذ أننا نجد العصبية والعنف في مقدمتهما، فمن الغريب مشاهدة أطفال لم يتجاوزوا الست سنوات يتصرفون بعنف، وحسب المختصين فإن الأسر التي تتعامل بالعصبية والتي تتميز بالتوتر الدائم في حياتها اليومية قد تنقل ذلك إلى أطفالها. لم تعد ظاهرة العنف مقتصرة على الأشخاص الراشدين فقط، بل انتقلت حتى للصغار، فبتنا نشاهد عدة ممارسات لا تمت بأية صلة لطفولتهم البريئة، وهذه الأخيرة التي طغت عليها كل أفعال العنف، و سب الأخصائيين النفسانيين فهذه الظاهرة تعبر عن خلل ذهني يسبب العديد من الضغوطات النفسية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الممارسات التي تؤذي الأفراد الآخرين الذين لهم علاقة بهم، ويمارس العنف حسب الأخصائية النفسانية «ف.ط» من طرف فئات مختلفة كالزوج على زوجته، والأب على ابنه، والأم على أبنائها، والجار على جاره، وهذا لأن الأفراد المعنفين قد يكونوا ضعفاء و ا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. في حين أكدت أن التعامل مع الأبناء هو الحد الفاصل في شخصيتهم مستقبلا، فمن كان يعنف سوف يصبح ذو شخصية معنفة في المستقبل، فالطفل في صغره يكون كالصفحة البيضاء يسجل فيها كل الحالات التي راودته في أي زمان وأي مكان، ويستقبل كل شيء، وأضافت أنه حين تتعامل الأم مع طفلها بالصراخ مثلا أو التعدي عليه بالضرب أو الشتم إلى غير ذلك من الأفعالٍ السيئة والتي تعتبر في نفس الوقت مؤذية كثيرا بالنسبة له خصوصا على نفسيته، فهذا الفعل يعتبر بمثابة العجز الذي تعاني منه هاته الأم في تربية أطفالها. كما أسندت أقوالها إلى نظرية التعلم الاجتماعي المتعارف عليها في علم النفس، والتي يقول أصحابها بأن الإنسان لا يولد عنيفا، كما تعتقد بعض نظريات علم النفس في أن الطفل يولد عنيفا والمجرم يولد مجرما، وإنما ترى أن الطفل يكتسب العنف ويتعلمه من محيطه الصغير داخل كنف العائلة، أو من خلال محيطه الكبير الذي يتمثل في المجتمع، وفي نفس السياق أكدت أنه لما يتعرض أي طفل للضرب من طرف أحد زملائه في المدرسة مثلا أو أحد جيرانه ويعود إلى المنزل باكيا، فبعد سماع الأم هذا السبب تتذمر وتبدأ في الصراخ عليه قائلة: «لماذا لم تضربه أنت أيضا؟ هل هو أحسن منك؟ ماذا ينقصك للرد عليه بمثل ما فعل؟»، وهذا التصرف اللاإرادي من بعض الأمهات هو من بين المسببات التي تؤدي إلى زراعة العنف في نفسية الأطفال عادة، لتستخلص في الأخير أن هذه الأفعال ما هي إلا آثار للعنف فقط وليست العنف بنفسه.