بات تدخين السجائر كمرض عضال يتفشى بين الفتيات والسيدات الجزائريات من مختلف الطبقات والأعمار بعد ما كان هذا الأخير يختصر على فئة الرجال فقط في زمن غير بعيد،فالعاملة تدخن والماكثة بالبيت هي الأخرى تدخن، والمثير في الموضوع هو انتشاره بين شريحة الطالبات وتلميذات الثانويات وحتى المتوسطات حسب العينة التي درستها «السلام اليوم» وشملت 50 واحدة، أين أصبحن يدخن أمام الملأ في المقاهي والمرافق العامة وكذا في المؤسسات التربوية والجامعات، رغم كون التدخين من الأمور التي لا يقرها لا الدين ولا يعترف بها المجتمع نظرا لما ينتج عنه من مضار صحية ونفسية لا تعد ولا تحصى. فظاهرة تدخين السجائر في تطور وتنام مستمر، الأمر الذي دفع بالخبراء وعلماء الاجتماع إلى دق ناقوس الخطر خصوصا بعد ما باتت العينات المذكورة آنفا تسعى وبكل ثقة إلى تعاطي المحظور على غرار الشيشة، الغليون، والبونج «غليون مائي». فضلا عن أنها باتت تشغل تفكير الخاص والعام، وأثارت عشرات الأسئلة. فهل هي حرية شخصية وتدخل في نطاق الحضارة والتحضر، أم أنها انحراف وتمرد عن العادات والتقاليد؟ وما هي نظرة المجتمع الجزائري للمرأة المدخنة؟ وهل يتقبل الرجل فكرة ارتباطه بامرأة مدخنة؟ وهل هي نتاج العصرنة والموضة أم أنها منافسة للرجال؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، قامت «السلام» برصد آراء المعنيات بالأمر من المدخنات، وكذا الرجال والشباب، فاختلفت الآراء بين مستنكر ورافض ومتقبل إلى جانب حرصنا على أخذ وجهة نظر كل من علم النفس، الدين والمجتمع. التدخين بات موضة لموظفات بمراكز مرموقة وطالبات جامعيات اتفقت معظم من تحدثت إليهن «السلام» بأن لجوءهن إلى التدخين كان بملأ إرادتهن وعن قناعة تامة، في حين اختلفن في الأسباب والدوافع التي جعلتهن مدمنات على السجائر، فليندة،طالبة جامعية تقول «للسيجارة قيمة معنوية وعندما أشعلها أحس بأنني قمة في الترجل»، مؤكدة في ذات السياق «لايهم إن أصبحت أنافس الرجال أم لا»، كما أنها ضد مقولة «ممنوع عليكن ومسموح لنا»، علما أنها بدأت التدخين في المرحلة الثانوية ووالديها على علم بذلك، في حين ترى زميلتها كريمة، بأن التدخين يشعرها بتحقيق ذاتها وبالأخص عندما تكون بعيدة عن أعين أهلها، كما أنها مولعة به ولا تفكر بالتوقف عنه، أما سليمة، التي تعمل موظفة بمؤسسة عمومية فقد اعترفت بندمها على اليوم الذي قررت فيه تدخين أول سجارة في المرحلة الجامعية، مؤكدة بأن رفاق السوء استغلوا مشاكلها العائلية بعد انفصال والديها، وهي حاليا عازمة على التوقف بعد مرور ثماني سنوات، وذلك بتلقيها العلاج في مراكز معالجة المدمنين، بعد ما نالت منها الأمراض الصدرية وباتت صحتها عليلة. أما فطيمة التي تتواجد بشوارع باب الوادي فقد لجأت للتدخين من أجل نسيان مأساتها بحكم أنها تعرضت لعملية اغتصاب. والمثير في الموضوع أن ريمة، المختصة في طب القلب بإحدى مستشفيات العاصمة تدخن منذ كانت في الطور الأساسي، ومبررها في ذلك عدم اعتناء والديها بها إلى جانب غياب الحوار،بحكم أنهما منهمكان بالعمل في غالب الأحيان، وهي تدرك العواقب الوخيمة للتدخين بحكم أن السجائر تحتوي على مادة النيكوتين ما يجعلها متاحة للامتصاص من خلال الرئة التي تتخرب خلاياها بعد مرور 40 سنة، وتصبح احتمالات الإصابة بسرطان الرئة مؤكدة، فضلا عن صعوبة التنفس، وحاليا هي تعكف على التوقف، وذلك باستعمال طرق مختلفة على غرار ممارسة الرياضة وكذا تناول العلكة لتجنب التفكير في التدخين إلى غاية الإقلاع عنه تدريجيا، مؤكدة في ذات السياق بأن من يدعي لجوءه إلى التدخين بدافع الفرار من المشاكل هو عذر أقبح من ذنب، لأن المشاكل لا تحل بالمشاكل وإنما بالمواجهة على حد قولها، كما أنها حريصة على عدم تكرار مأساتها مع أبنائها بعد زواجها. الجنس الخشن بين مستهجن ومرحب بالمرأة المدخنة في حين كان للجنس الآخر وجهة نظر مختلفة ومتباينة تجاه ظاهرة تدخين المرأة للسجائر، فخالد،يعمل محاسبا بشركة وطنية أقر بأنه ضد فكرة تدخين المرأة، وأضاف «أنا لن أفكر مطلقا في الارتباط بامرأة مدخنة، لأنها ستكون قدوة سيئة لأطفالها، فهي لن تجذب الرجل، لأنها فقدت أنوثتها في نظره باستثناء بعض الرجال الذين يحسبون أنفسهم من جيل الطبقة الراقية والمتحضرة، وما هو إلا تقليد أعمى لثقافة غربية لا غير»، أما فؤاد وهو أستاذ جامعي ومدخن، فيقول «المرأة تفقد أنوثتها وبريقها بسبب التدخين ولن يفكر الرجل في الارتباط بها خصوصا وأن التدخين يجعل الرجل عصبيا، فما بالك بالمرأة التي تكون في الأصل السكينة والمأوى لزوجها». وعلى النقيض الآخر، أبدى عشرات الشباب «الذين تتراوح أعمارهم من «25 إلى 28 سنة» عدم اعتراضهم على فكرة تدخين زوجاتهم بحكم أن ذلك يتماشى مع المعاصرة والتطور الحاصل في العالم، وهنا أكد، أحمد، بأن زوجته تدخن وهي تسعى لتفادي ذلك إلى غاية وضع مولوها وهو يساعدها على تجاوز هذه المرحلة. رأي علم النفس في تدخين المرأة ترى، نفيسة شرفاوي، المختصة في علم النفس، بأن كل فتاة وسيدة لها أسبابها الخاصة التي دفعتها إلى ولوج عالم التدخين، ولا يمكن تعميم الحكم على جميع العينات بحكم أن كل حالة قائمة في حد ذاتها، أين نجد حالات دفعتها ظروفها الأسرية وأخرى البيئة التي تعيش فيها، وبالخصوص بعد ولوج الفتاة الجامعة، أين تكون معظمهن في فترة المراهقة التي تتسم بحب التقليد وإثبات الذات من أجل التميز ولفت الانتباه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التفكك الأسري له عواقب وخيمة على نفسية الفتاة التي تكون لم تتلق بعد التربية الكافية التي تساعدها على بناء شخصية متوازنة تنضج من خلالها المبادئ والضوابط وهو ما ينعكس بالسلب على الشخصية والتكوين النفسي ويصبح كل شيء مباحا بالنسبة لها، أما الفتيات الراشدات والسيدات فإنهن يتأثرن بقوة روابط الصداقة مع الجنسين سواء ما تعلق بالنساء أو الرجال، وترى معظمهن بأن بإقدامهن على التدخين ستزول جميع الحواجز والفروقات وبالتالي تحقيق الاندماج، أين يصبح التقليد إدمانا. كما أن حالات الاكتئاب والمعاناة النفسية الناجمة عن الشعور بأنهن منبوذات أو غير مفهومات تدفع بالكثيرات منهن إلى التدخين أو تعاطي المخدرات وهذا للخروج من دائرة الحزن وللترويح عن النفس حسب اعتقادهن. أما، دليلة فركوس، وهي دكتورة محاضرة لمادة قانون الأسرة بكلية الحقوق في ابن عكنون، فقد أوضحت في اتصال هاتفي مع جريدة «السلام» بأن التدخين مكروه بالنسبة للرجل، فما بالك بالمرأة التي تعتبر أساس وقوام بناء مجتمع سليم، فضلا عن أنه تبذير للمال الذي يمكن استعماله في مشاريع ينتفع بها جميع الأفراد، مؤكدة بأن رأي الشرع في هذه الظاهرة بات معروف لدى العام والخاص.