تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة التدخين في أوساط الفتيات، وعمت بشكل ملفت للنظر، خاصة في الأوساط التعليمية كالثانويات والجامعات، فتيات في عمر الزهور يمارسن هذه العادة السيئة، ويحملن بين أصابعهن سيجارة اختلفت أسبابها من فتاة إلى أخرى بين التقليد الأعمى للغير أو تحد مبالغ فيه للمجتمع برمته بعاداته وتقاليده. لم تعد الفتيات يخجلن من حمل السيجارة بين الحصص الدراسية وأمام الأقسام والمدرجات. وقد اتخذت أغلب الفتيات الأمر كنوع من التحضر الذي فرضه تقليدهن الأعمى للغرب وما يبثه تعلقهم المفرط به من سموم مهلكة. وتشير آخر الإحصائيات أن نسبة43 بالمائة من المراهقين في الجزائر مدخنون منهم 7 بالمائة فتيات. تقول مونية طالبة بجامعة باب الزوار إن التدخين داخل الإقامة الجامعية أصبح يعرف انتشارا رهيبا خاصة في السنوات الأخيرة على عكس ما كان في الماضي حيث كان حمل الفتاة للسيجارة أمرا غير مألوف وسلوكا تخجل منه الفتيات. أما اليوم وللأسف فلم تعد الفتيات حريصات على السرية، وأصحبن يقتنين السجائر على أنواعها مثلهن مثل الرجال، وأحيانا أكثر ويدخنها أمام الملإ في حافلات النقل وداخل الغرف والأقسام الجامعية، وكل واحدة تعتقد أنها بحملها السيجارة تصبح أكثر تحضرا من الأخريات. والغريب في الأمر أنهن يدركن جيدا حجم الضرر الصحي الذي يسببه التدخين، وينغمسن في تناوله إلى درجة الإدمان بكل جهل، والكثيرات من الفتيات اللاتي إلتقينا بهن اقتحمن عالم التدخين لأسباب مختلفة أغلبها أسباب واهية وحجج تافهة يقدمنها لك إذا اعترضت أو تساءلت عن سبب تدخينهن، فزميلتي التي تشاركني الغرفة، تقول إنها تدخن رفضا لقيود المجتمع لأنها لا تري فرقا بينها وبين الرجل الذي يسمح له المجتمع بفعل ذلك دون أن يحاسبه. أما البقية فكل واحدة منهن تقدم لك حجة تختلف عن الأخرى، فبين محاولة نسيان المشاكل العائلية أو تجاوز العقبات الدراسية تتأرجح أسباب إدمان الفتيات على السجائر، تقول الدكتورة غنية عبيب، أخصائية نفسانية، أن انتشار التدخين في أوساط الشباب والمراهقين من الجنسين مرده إلى انهيار القيم في الأسرة وفقدانها لوظيفتها الأساسية. تعود أسباب التدخين إلى أنهن لا يجدن في بيوتهن التفهم الصحيح لمشاعرهن وحاجاتهن. ولا بد أن غياب الآباء والأمهات لساعات طويلة في العمل، وحرمان الأبناء والبنات من عواطف الأمومة وتوجيهات الأبوة خاصة في الفترة الحرجة للمراهقة التي ينجم عنها انحرافات أخلاقية، لذا على الأهل أن يعوا أن حاجة أبنائهم إلى التربية الصحيحة والتوجيه السليم أكبر من حاجتهم إلى توفير الطعام والشراب. وأن تربية الأبناء والبنات مسؤولية على عاتق الوالدين وضرورة متابعتهم ومعرفة تحركاتهم وأين يذهبون ومن يصادقون، وفي كثير من الأحيان يكون الوالدان سبباً في تحطيم أبنائهم وتدمير حياتهم بطريقتهم الخاطئة في التربية والتوجيه. وكثيرا ما يكون تناول الفتيات للسجائر نوعا من الانتقام من الأسرة وقيودها المختلفة والتدخين في كثير من الحالات هو نوع من أنواع التمرد على قوانين المجتمع خاصة إذا كان المدخن فتاة . تقليد أعمى وتحضر مهلك يعتبر الكثير من الناس أن تناول الفتيات السجائر سببه الأساسي تقليد الآخرين، ولا ترى الكثير من الفتيات اللاتي إلتقينا بهن في إحدى قاعات الشاي بالعاصمة أن تدخينهن هو كسر لتقليد المجتمع، واعتبرت إحداهن أن الأمر عاد جدا ولا تجد أي حرج في إشعال السيجارة داخل البيت أو خارجه، فالكثير من النساء في عائلتها يدخن. أما صديقتها فأكدت إنها دخلت عالم التدخين صدفة وذلك باقتراح من صديقاتها اللاتي كن يدخن طوال الوقت، وتضيف أنها لطالما أحست برغبتها الشديدة في تجريب السيجارة مع أنها تدرك مضارها إلا أنها لم تستطع لحد اليوم التوقف عن تناولها. والمؤسف إن الكثير من قاعات الشاي بالعاصمة والمدن الكبرى تأوي كما هائلا من الفتيات المدخنات اللاتي بدأن يجربن أنواعا أخرى من التدخين الذي بدأ ينتشر ببطء معلنا عن ميلاد مدمنين من نوع آخر اخترن هذه المرة الشيشة أو النرجيلة التي بدأ عشاقها يتزايدون يوما بعد يوم، ولم يعد غريبا أن تدخل إحدى قاعات الشاي ليصادفك منظر الفتيات يحملن بين أيديهن خراطيم الشيشة التي لا يقل ضررها أبدا عن السجائر. كل هذه المظاهر هي تقليد أعمى حتى وان أصر رواده على نفي ذلك ولا يمكن لهم أن يفرضوا تماديهم في التقليد على المجتمع الذي يعارض في كل مرة من يتجاوز العرف والتقاليد، خاصة أن ما يقومون به يجلب الضرر لأنفسهم قبل المجتمع.