رغم ما قيل عن الفساد الذي أصبح ينهش مفاصل الدولة، ورغم الصرامة المتبعة من طرف المصالح المختصة في محاربة هذه الآفة، ورغم تعليمات رئيس الجمهورية الذي أكد ويؤكد في كل مناسبة وبدون مناسبة على ضرورة وضع حد لهده “الجرثومة “، وقطع دابرها قبل أن تأتي على الأخضر واليابس، الأمر الذي استدعى إحداث لجنة لمحاربتها في 2010. إلا أن الرائحة النتنة لهده الظاهرة لا تزال تفوح في كل مكان، حتى أنها أضحت “كالبعبع” ترعب كل من تسن له نفسه حتى في التفكير في تطبيق القانون لحماية أملاك الدولة، مثل ما هو حاصل في قضية المستثمرة الفلاحية بولاد موسى ولاية بومرداس، التي حولت وبطريقة أقل ما يقال عنها بأنها “مافيوية “ ومحبكة بأسلوب يدعو لفتح عدة أقواس وبمشاركة متآمرين من داخل أجهزة الدولة ومن خارجها، اعتمدت هذه الأطراف على التزوير في محررات والتحايل على المواد القانونية وتوظيفها وفق الأطماع التي تخدم مصالحهم، فالقضية التي حكمت محكمة بومرداس فيها حكما يقضي ببطلان عملية تحويل المستثمرة الفلاحية المتربعة على مساحة ثلاثين هكتارا من الأراضي الخصبة إلى سوق تجاري لبيع الخضر، هي جريمة لا بد من معاقبة المتسببين فيها وتنفيذ فيهم أقصى العقوبات، خصوصا وأن من يقف وراءها هم إطارات دورهم حماية أملاك الدولة والسهر على رعايتها، فعملية التحايل التي راح ضحيتها قبل الأرض والي ولاية بومرداس السابق، الذي استغل ختمه، يشترك فيها كل من مدير حفظ العقار وكذلك مدير أملاك الدول والأمين العام للولاية وكذا صاحب مجمع “لابال “، هذا الأخير الذي استحوذ على قطعة الأرض بمساعدة شركائه في العصابة، ليبقى الخطر الأكبر في عجز العدالة في تنفيذ الحكم وتمكين ولاية بومرداس من استرجاع قطعة الأرض. بعد كشف التلاعبات في إصدار القرارات مجلس قضاء بومرداس يقرر إلغاء منح حق الإمتياز أصدر مجلس قضاء بومرداس بتاريخ 27/ 03 / 2011 وخلال عقد الغرفة الإدارية لجلستها العلنية بقاعة الجلسات لقصر العدالة، أحكاما صارمة ضد المتورطين في القضية رقم 00951 / 10، التي رفعها والي ولاية بومرداس بموجب عريضة افتتاحية مفتوحة بتاريخ 03 /10/ 2010 مفادها تلاعب أطراف ذات نفوذ في السلطة بأملاك الدولة ومحاولة استغلال الأراضي الفلاحية لتحويلها إلى مشاريع اسثتمارية، ويتعلق الأمر بكل من مدير الحفظ العقاري لولاية بومرداس ومدير أملاك الدولة لنفس الولاية، إلى جانب الشركة ذات المسؤولية المحدودة “جي.أم. دي.مين” والممثلة في مسيرها “ت. بوعلام ابن احمد” وهي أحد فروع مجمع “لابال”، حيث قرر مجلس القضاء إلغاء الإشهار المتضمن منح حق الامتياز بالتراضي الذي تم بتاريخ 22 /03/ 2009 تحت رقم 80 مجلد 17 لدى المحافظة العقارية لبودواو لفائدة الشركة ذات المسؤولية المحدودة “جي.أم.دي.مين”، ويأتي هذا القرار بعد إطلاع أعضاء المجلس على حيثيات القضية وتوفر الأدلة التي تدين المتورطين في القضية التي رفعها الوالي ضدهم على اعتبار أنه ممثل للدولة ومندوب الحكومة على المستوى المحلي، ومن صلاحياته حماية ممتلكاتها ووضع حد للتلاعب الذي يمس المصالح الاقتصادية ومصالح المواطنين على حد سواء، وبما أن المدعى عليهما في الخصام دفعا بعدم شهر العريضة الافتتاحية عملا بالمادة 17 من قانون الإجراءات المدنية، فإن هذا الدفع غير سديد لأن المدعي قدم نسخة من العريضة الافتتاحية مشهرة في 04 /10/ 2010 تحت رقم 3951 حجم 20، مما يتعين رفض الدفع المثار لعدم أساسه القانوني، وعليه فإن الدعوة التي رفعها الوالي ضدهم تم قبولها بمقتضى المواد 12-13-15-17-19-406-407-800 إلى 859 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديدة، وكذا المادتين 92 و95 من القانون 90/90 المؤرخ في 07 /04 /1990 المتعلق بالولاية المعدل والمتمم، فقد أصدر مجلس القضاء لبومرداس أحكاما منها المطالبة بإبطال الشهر العقاري الواقع على عقد الإمتياز الذي تم بتاريخ 22 /03/ 2009 على اعتبار أن هذا العقد مبني على قراري نزع ملكية صادرين عن غير ذي صفة وباطلين، إلى جانب أن مديرية أملاك الدولة ومديرية الحفظ العقاري والمدخلة في الخصام الشركة ذات المسؤولية المحدودة “جي.أم.دي.مين” ممثلة في مسيرها “ت. بوعلام ابن احمد” وهي أحد فروع مجمع “لابال”، دفعتا بأن الدعوى غير مؤسسة لأن العقد مؤسس على التعليمة الواردة من المديرية العامة للأملاك الوطنية المؤرخة في 18/07/ 2009 رقم 7715، والتي تأمر مصالحها بضرورة إعداد عقد منح الامتياز بالتراضي غير قابل للتنازل لفائدة الشركة المدخلة في الخصام، كما دفعوا بأن المجلس الوطني للاستثمار كان المؤهل لمنح الامتياز بالتراضي دون اللجوء إلى إلغاء العقد المتضمن منح حق الامتياز بالتراضي الذي تم بتاريخ 22 مارس 2002 تحت رقم 80 مجلد 17 لدى المحافظة العقارية ببودواو لفائدة الشركة المذكورة سلفا. كما جاء في الأحكام القانونية المدونة من طرف مجلس قضاء بومرداس وتحوز “السلام “ على نسخ منها، أنه بالرجوع إلى عقد الإمتياز محل إبطال إجراءات شهره المؤرخ في 22/03/ 2010 فإنه يتضح منه أنه يتعلق بمنح مساحة 30 هكتارا تحتوي على ثلاث قطع أرضية فلاحية كائنة ببلدية أولاد موسى، كانت قد منحت للمستثمرتين الفلاحيتين الجماعتين بومدين أعمر رقم 01 ورقم 13، حيث أنه تم نزع حق الانتفاع من الأرض بموجب قراري نزع الملكية رقم 491/ 09 و492/ 09 والمؤرخين في 16/05/ 2009 المشهرين بتاريخ 03/08/2009 حجم 163/رقم 71 و72، كما أعيب على المحافظ العقاري عند إشهاره عقد الإمتياز إغفاله لذكر بيانات غير صحيحة حول أصل الملكية، حيث أشار إلى أن الأرض تابعة للدولة بموجب الأمر 102/ 66 المؤرخ في 06/05/ 1966 ولم يشر إلى أن القطع الأرضية التي نزعت من المستثمرتين بموجب قرارين حررهما الأمين العام للولاية، كما أنه لم يشر إلى القرار الوزاري ولا لبياناته ولم يتأكد من وجوده، وعليه فإن الأمين العام يكون قد خالف مقتضيات أحكام المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 202/ 08 المؤرخ في 07/07/ 2008 حين أقدم على إمضاء قراري نزع الملكية، في الوقت الذي تؤكد ذات القوانين على أن الوالي هو الذي يصدر قرارات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، فضلا عن أن الشركة المذكورة والمدخلة في الخصام تحصلت على عقد الامتياز بناء على تعليمة من المديرية العامة لأملاك الدولة، غير أن هذا يتنافى مع القوانين المعمول بها في تصنيف الأراضي على اعتبار أن قرار نزع الملكية لا يمنح إلا بناء على قرار نوع الملكية بعد أخذ الإجراءات القانونية، إلى جانب أن قرارات نزع الملكية لم تصدر عن شخص مؤهل قانونا كما أنها لم تنتزع من أجل المنفعة العامة وإنما بهدف منحها إلى مؤسسة خاصة في شكل عقد امتياز الهدف منها إنجاز مشاريع ذات النفع العام وأبعاد اقتصادية، ولا يجوز اقتطاع أرض فلاحية لمنحها لشخص طبيعي من أجل إنجاز مشروع لا يمت بصلة بالمنفعة العامة، وعليه يتعين أن كل الإجراءات المتخذة في هذا الشأن باطلة لأنه بالرجوع إلى الملف لم يثبت منه أن تحويل الأرض من طبيعتها الفلاحية إلى عقار مخصص لإنجاز سوق الجملة، تم وفقا لمقتضيات المادة 13 من المرسوم التنفيذي رقم 152/ 09 المؤرخ في 02/05/ 2009 المحدد لكيفية منح الإمتياز على الأراضي الفلاحية التابعة لأملاك الدولة والموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية، حيث نصت على أن الإمتياز بالتراضي يمنح بعد ترخيص من مجلس الوزراء وباقتراح من المجلس الوطني للاستثمار، غير أن الوقائع في القضية جاءت منافيا تماما للقوانين ومنح الإمتياز جاء مخالفا للمنشور الوزاري المشترك رقم 43 المؤرخ في 02/09/ 2007، وكذا التعليمة رقم 281 المؤرخة في 02/11/2008 الصادرة عن رئيس الحكومة المتعلقة باقتطاع الأراضي التي يجب أن تمر عبر تنفيذ المادة 15 من القانون 16/ 08 المؤرخ في 03/08/ 2008 المتضمن التوجيه الفلاحي أي بموجب مرسوم يتم اتخاذه على مستوى مجلس الوزراء، وتبعا لكل ما جاء من قرارات غير قانونية تورط فيها الأطراف المذكورين سابقا يتعين إلغاء إشهار العقد لأن الشهر العقاري هو عمل وإجراء منفصل يمكن الكعن فيه دون العقد الأصلي.