أحمد.ج/ عبدالسلام.س علي. م /محمد.دحماني / رتيبة بوعدمة/ ل.إلياس يحتفظ التاريخ لمسؤول جزائري كبير قوله إن البنوك الإسلامية تمثل روافد للجماعات الإرهابية، وإن اعتماد هذه البنوك في الجزائر يعني إعادة الإرهاب من النافذة بعد أن جرى إخراجه من الباب.. هذه القناعة وإن بدت شاذة للغاية فإنها تعكس شعورا سائدا بمعاداة كل ما هو آت من بلاد المشرق حتى ولو كان مشاريع استثمارية وتجارية تدر على البلد أموالا وتفتح للشباب مناصب شغل وتسهم في إنعاش أجواء الاستثمار، وغيرها من المنافع. السنوات الماضية من عمل رؤوس الأموال العربية في الجزائر علمتنا جيدا أن الحديث عن هذا الموضوع ليس يقتصر عن جوانب المال والتجارة وحسابات الربح والخسارة بقدر ما يتعمق في زوايا السياسة والإيديولوجيا والجغرافية، وغيرها من الاعتبارات التي تحكم سلوك عدد غير قليل من مسؤولي الصف الأول في الجزائر. الجميع، ربما، يتذكر الحملة السياسية والإعلامية ضد قرار الدولة بمنح أول رخص الهاتف النقال لشركة مصرية تسمى ''أوراسكوم تيلكوم'' قبل قرابة عشر سنوات، يومها لم يشفع لمجموعة المهندس نجيب ساويرس أنها قدمت مبلغ عرض يقارب ضعف ما قدمته ''فرانس تيلكوم''، حيث فتحت على المجموعة المصرية أبواب جهنم، وتحديدا عبر جريدة ''لوماتان'' سابقا فيما عرف يومها بقضية رجل الأعمال الشرفاء والمسلسل الذي توزع بين أموال أسامة بن لادن وتبييض أموال الإرهاب، ورغبة الرئيس بوتفليقة في توطين رأس المال العربي في الجزائر، وغيرها من المحاور التي انطلقت منها هجمة فرنسية منظمة ضد المال العربي. وإذا كانت مشاريع عربية قد تمكنت، فعلا، من ''ترسيخ'' أقدامها في الجزائر، وأهمها على الإطلاق نشاطات مجموعة ''أوراسكوم'' المصرية، فإن مجموعات أخرى لم تتمكن من مقاومة مجموعات الضغط على الرغم من تعهد رئيس الدولة شخصيا بتسهيل مهام المجموعات الاستثمارية العربية في الجزائر.. هنا نقطة الاستفهام الكبرى: لماذا لم يتم الوفاء بتعهدات الرئيس، وما الجهة التي تمكنت من الدفع بالمستثمرين العرب إلى حمل حقائبهم والرحيل عن الجزائر.. هل الأمر يتعلق بلوبيهات قوية ونافذة إلى مستوى تحدي قرارات الرئيس بوتفليقة أم أن بعض العرب غير جادين بما فيه الكفاية ولم يتوفروا منذ اليوم الأول على الإرادة اللازمة لإنجاح مشاريعهم المعلنة في الجزائر.. التي قدموا إليها مكرهين بفعل إحراجات الرئيس بوتفليقة شخصيا. هذه الأسئلة لا تجد لها الأجوبة في مكاتب حميد طمار وزير الاستثمار، رغم أنه المسؤول المكلف من طرف الرئيس بتسهيل ظروف عمل رجال الأعمال والحرص على تطبيق قوانين الجمهورية والتزامات الدولة بتعهداتها، لكن الأجوبة تتوفر حتما، لدى من يحسنون قراءة حسابات المصالح ويعرفون نقاط التقاطع بين السياسة والمال والإيديولوجيا خاصة في بلاد العالم الثالث حيث تشارك مراكز القوى في عملية صنع القرار.. ل.إلياس العقار.. عراقيل بيروقراطية.. أزمة مالية... عقبات قانونية وراء مغادرة الشركات الإماراتيةالجزائر حلم تحقيق دبيالجزائر يسقط في الماء تضاربت الأنباء حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مغادرة الشركات العربية للاستثمار من السوق الجزائرية. ففي الوقت الذي أرجعها البعض إلى تأثرها بالأزمة المالية العالمية، فإن البعض الآخر اعتبر أن تداعيات الأزمة العالمية على هذه الشركات وتأثيرها على الاستثمار في الجزائر ما هو سوى القطرة التي أفاضت الكأس، حيث شهدت الشركات العربية وعلى رأسها الإماراتية التي عرفت حضورا كبيرا في الجزائر، بدعوة من الرئيس بوتفليقة شخصيا، عراقيل بيروقراطية وأخرى إدارية وبنكية أثقلت كاهلها صنفها خبراء إماراتيون في خانة الضرب تحت الحزام من قبل لوبي متنفذ رافض لتواجد رأس المال العربي والخليجي في الجزائر. فما هي الأسباب الحقيقية وراء مغادرة شركات عربية عملاقة كإعمار للاستثمار وشركة ''غراند'' الكويتية العقارية للجزائر، وهي التي تحصلت على الضوء الأخضر من قبل الرئيس بوتفليقة للقدوم إلى الجزائر؟ اشتكت الشركات الإماراتية من العراقيل الإدارية والعقبات الإجرائية كالنزاع حول المخصصات العقارية، وما إلى ذلك، منذ دخولها السوق الجزائرية. وقد شهدت مشاريعها المقدرة بمليارات الدولارات شدا وجذبا بينها وبين السلطات الجزائرية، حيث كان مشكل العقار من أكبر الأسباب المعرقلة لاستثمارتها، الأمر الذي جعل البعض يصف مشاريعها بأنها ''مجسمات على الورق'' خالية من أي روح استثماراتية، لكن مشكل العقار كان من أكبر المشاكل التي لا يمكن تجاهلها، فقد دخلت شركة ''إعمار'' في مواجهة قضائية مع سكان شاطئ العقيد عباس لتجسيد مشروع الواجهة البحرية هناك، في الوقت الذي كان من المفترض مباشرة تنفيذ مشاريعها. كما تعرضت الشركة لعدة مضايقات ومحاولات لتثبيط عزيمتها خاصة تلك التي وجهها الوزير الأول أحمد أويحيى بعد أن اتهم بعضها بعدم الجدية، على الرغم من تهيئة الرئيس بوتفليقة الأرضية لهذه الشركة العملاقة لتباشر مشاريعها على الأرض. وما زاد الطين بله هو اعتبار بعض الأطراف المتنفذة أن مجسمات مشاريعها التي أظهرتها للرئيس غير قابلة للتطبيق في الجزائر بحكم طبيعة التضاريس الزلزالية وراحت إلى حد السخرية من إمكانية تجسيد مشروع ناطحات السحاب بالنظر إلى تكلفتها الضخمة، الأمر الذي قلص عدد مشاريعها من تسعة مشاريع إلى أربعة لم تر بدورها النور خاصة مشروع خليج الجزائر والواجهة البحرية ومدينة سيدي عبد الله. لقد ربط الكثيرون سبب مغادرة ''إعمار'' السوق الجزائرية بتأثرها بالأزمة المالية، لكن الحقيقة أن الشركة لم تكن في وضع مريح بالجزائر وكانت في حرب ضروس مع الحكومة الجزائرية، لتأتي انعكاسات الأزمة المالية التي دفعت بها إلى المغادرة بعد أن كان تحرج مسؤوليها مرتبطا بشخص الرئيس بوتفليقة الذي تربطه علاقات قوية بالإماراتيين، وهو ما صرح به علانية علي العبار مدير عام شركة إعمار بدبي حين قال: ''نحن نستحي من الرئيس بوتفليقة'' في إحدى المناسبات عندما سئل عن أسباب بقائها بعد تعطل مشاريع الشركة في الجزائر. وجاءت الإجراءات الجديد التي أطلقا أويحيى بخصوص قانون الاستثمار الذي يفرض على أي مستثمر أجنبي عقد شراكة مع شريك جزائري يملك 15 بالمائة من أسهم الشركة إلى الخروج من الباب الواسع. وهو الأمر أيضا الذي دفع بشركة المشروعات الكبرى العقارية الكويتية ''جراند'' إلى مغادرة الجزائر مؤخرا وإلغاء جميع استثماراتها، بسبب ما وصفته بالبيئة الاستثمارية غير المشجعة، وبذلك أن ''غراند'' تعد ثاني شركة بعد ''إعمار'' الإماراتية التي تعلن تراجعها عن تجسيد مشاريعه الاستثمارية في الجزائر في ظرف أقل من شهر. وكانت ''غراند'' العقارية بصدد إتمام آخر الإجراءات للانطلاق في إنجاز مشروع قرية سياحية ضخمة بتكلفة بلغت حوالي 7,1 مليار دولار على الساحل الشرقي للعاصمة ببلدية عين طاية. أما شركة ''سناسكو'' للاستثمار والتطوير العقاري، إحدى الشركات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، فتتواجد هي الأخرى في وضع لا تحسد عليه حيث اشتكت بدورها من صعوبة البيئة الاستثمارية ''غير المشجعة'' في الجزائر. من الجانب الآخر، لا يمكن إغفال عمل اللوبي الفرنكوفوني في الدفع نحو مغادرة الخليجيين للجزائر، حيث مافتئ رأس المال العربي يواجه مقاومة شرسة لم تتمكن بفعلها من الولوج الفعلي إلى الجزائر، بل حتى المشاريع العربية المهداة للجزائر كان بعضها ينفذ بصعوبة كبيرة ثم يوجه إلى غير وجهته كمشاريع السعودية السكنية، ومن قبل ذلك جامعة العلوم الإسلامية بالخروبة، فيما كان يلغى الآخر بكل بساطة أمام تعنت الإدارة عندما تشك الجهات العربية المانحة في حسن نوايا المسير الجزائري كما حدث على سبيل المثال، لا الحصر، مع مشروع قطر لبناء ثانوية في ولاية البليدة وغيرها.. رتيبة بوعدمة هل للأزمة المالية العالمية علاقة بخروج المستثمرين العرب من الجزائر؟ بالرغم من تصريحات الرسميين هنا التي توحي جميعها بأن تداعيات الأزمة المالية العالمية بعيدة عن الاقتصاد الجزائري، بالنظر إلى أن المؤسسات المالية الجزائرية غير منخرطة مباشرة في حركية المؤسسات المالية العالمية التي ألمت بها الأزمة الراهنة التي بدأت شرارتها في قطاع العقارات والبنوك بالولاياتالمتحدةالأمريكية. إلا أن الخوف من انعكاسات الأزمة كان موجها تحديدا إلى تأثر الشركات العالمية المستثمرة في الجزائر وبخاصة الشركات العربية التي دخلت الجزائر بغرض الاستثمار وخلق مناصب شغل وجلب أرباح للخزينة العمومية، والتي من دون شك لها امتداداتها في مختلف البلدان خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي المخاوف المرتبطة بتوقيف المشاريع التي أعلنت عنها الشركات العربية مع مرور الوقت. حتى وإن كان البعض يرى أن تأثيرات الأزمة المالية العالمية لها قسط كبير في بلورة قرار هذه الشركات بمغادرة الجزائر، فإن المتتبعين يرون أن الشركات المغادرة انسحبت من الجزائر لتنقل وجهتها الاستثمارية نحو بلدان شقيقة أخرى، خاصة شركة ''إعمار'' الإماراتية التي أشارت جميع تقديرات الخبراء إلى أنها استطاعت أن تتجاوز المرحلة الأصعب في مواجهة تداعيات الانهيار المالي باندماجها مع مجموعة ''القدرة القابضة'' التي تعد واحدة من كبريات الشركات الاقتصادية في الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، وما يدلل على تجاوزها الأزمة هو إقدام ''إعمار'' على رأسمالها للزيادة والاكتتاب، وهي التي حققت التوازن المالي خلال السداسي الأول من 2009، الأمر الذي جعل المتتبعين لملف الاستثمار العربي في الجزائري يرجعون السبب الأساسي في مغادرة رأس المال العربي إلى العراقيل والعوائق البيروقراطية التي جابهتها هذه الشركات، بالإضافة إلى وجود جهات لا ترغب في أن يتكرر سيناريو نجاح استثمار عربي آخر على غرار النجاح الذي حققته أروسكوم تليكوم للاتصالات، وفي مجالات أخرى خارج قطاع الاتصالات. بالإضافة إلى أن المناخ العام غير المشجع الذي يطبع مجالات الاستثمار، خاصة في ظل اللااستقرار الذي يطبع الجوانب التشريعية والقانونية لتنظيم الاستثمار الأجنبي خصوصا العربي منه. محمد.دحماني تعديلات قانون الاستثمار أسهمت في عزوف رأس المال العربي تعليمات أويحيى سدت ثغرات قانونية وأغلقت الطريق أمام استثمارات الأجانب شكلت التعليمة الصادرة عن الوزير الأول (رئيس الحكومة سابقا) أحمد أويحيى في الثاني عشر من شهر أوت الماضي، بإعادة النظر في المنظومة القانونية المؤطرة للاستثمارات الأجنبية في الجزائر، والهيمنة على ما نسبته 15 بالمائة من المشاريع الجديدة مقابل 49في المائة للشريك الأجنبي، شكلت تحولا كبيرا في جهود الحكومة الرامية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وضخ رؤوس أموال خارجية في السوق الجزائرية. ويعزو كثير من الخبراء والمراقبين لواقع الاستثمار في الجزائر سبب هروب شركات أجنبية وعربية كبيرة على غرار ''إعمار'' الإماراتية، إلى التعليمة الصادرة عن الوزير الأول الحالي التي اعتمدت أساسا الإجراءات نفسها المعمولة بها في قطاع النفط، حيث منحت سوناطراك أغلبية الحصص في المشاريع الجديدة. وجاء القرار متزامنا مع إدخال إجراءات جديدة بخصوص تحويل أرباح الشركات الأجنبية إلى الخارج، حيث ألزمت هذه الأخيرة وفقا لقانون المالية بدفع رسوم يصل قدرها إلى 30بالمائة على كل عمليات التحويل إلى الخارج، في خطوة ردعية لوقف قيام شركات تجارية تستثمر في الجزائر بتحويل أرباحها نحو الخارج. واتبعت هذه الخطوات بإجراءات جديدة صدرت مؤخرا تلزم المستثمرين الوطنيين والأجانب، على حد سواء، بتقديم الكشف السنوي للمشاريع الاستثمارية لدى مصالح الضرائب لمكان الموطن الضريبي في الوقت نفسه وفي حدود الآجال المحددة لإيداع التصريحات الجبائية السنوية المتعلقة بالضريبة على الدخل الإجمالي أو الضريبة على أرباح الشركات تحت طائلة التوقيف للمزايا. وشكلت التعديلات الجديدة على قانون الاستثمار بالهيمنة على المشاريع الاستثمارية الأجنبية في الجزائر مفاجأة لكل الملاحظين، خصوصا أنه صدر في وقت تواجه فيه الجهود الرسمية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية عطلا كبيرا، حيث تشير إحصائيات رسمية للوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات إلى أنه من بين 66705 مشروعا استثماريا مسجلا، لم يتجاوز عدد المنجز منها أو الأخرى التي هي قيد الإنجاز في الفترة الممتدة من عام 2002 إلى 2008سقف 699مشروعا أجنبيا بقيمة مالية قدرها 1645مليار دينار، مقابل 50مليار دينار تمثل حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة والعمومية. وعكست هذه الإجراءات بحسب العارفين بمسار اتخاذ القرار في الجزائر، نقمة لدى السلطات العمومية من ممارسات شركات عربية وأجنبية نجحت في استغلال الفراغات القانونية المنظمة للاستثمارات، لتقوم بتحويل أرباحها للخارج أو بيع مشاريعها لشركاء أجانب آخرين على غرار ''أوراسكوم للإسمنت'' التي باعت مشروعها لشركة ''لافارج الفرنسية'' الممول أصلا من أرصدة البنوك الجزائرية المدعومة بإجراءات تحفيزية ومزايا جبائية أخرى . وساعدت الأزمة المالية العالمية وكذا ممارسات بعض الشركات الاستثمارية في الجزائر، من تقوية التيار الشوفيني داخل السلطة الجزائرية أو ما يسمي ب''الوطنية الاقتصادية'' في تشجيع الاجراءت الحمائية الجديدة في خطوة تخفي رغبة بعض أصحاب القرار السياسي والمالي بالجزائر في احتكار القروض التي توفرها الدولة ومؤسساتها المالية للمشاريع الاستثمارية بدل منحها للأجانب. بالمقابل، تسبب الإجراء في صدمة للكثير من المسؤولين الحكوميين وممثلي الهيئات شبه الحكومية الذين اجتهدوا في إقناع متعاملين غربيين وعرب بالقدوم للبحث عن مشاريع استثمارية جديدة في الجزائر. وتشير الأصداء إلى أن الحكومة تعتزم تخفيف هذه الشروط لاحقا في ظل تكرار ظاهرة هروب الاستثمارات الأجنبية ولو أن كثيرا منها كما وصفها أويحيى لم تتجاوز حدود ''الاستثمارات على الورق''. كما تفيد أيضا أن خطة الحكومة في تعاطيها مع ملف الاستثمار ستركز أساسا على إعادة النظر في القوانين المنظمة للاستثمار لسد الثغرات التي نفذ منها المستثمرون الأجانب للتلاعب وإلزامهم بشروط إضافية إلى جانب التدقيق الشديد في المشاريع المقبلة لحماية المصالح الجزائرية. وهو الانطباع الذي تركته تصريحات الوزراء والمسؤولين في عدد من القطاعات الحكومية، كتصريح وزير الموارد المائية عبد المالك سلال قبل أسبوع الذي أكد فيه إمكانية إضفاء مرونة على أي مشاريع استثمارية في الجزائر، وهو الكلام ذاته الذي صدر قبل أشهر عن وزير الاستثمارات حميد تمار تجاه مستثمرين أمريكيين لمح إلى إمكانية غض الطرف عن قرار الهيمنة على مشاريع الشراكة الأجنبية. علي. م الفرنكوفونيون في الجزائر من إنقاذ الجمهورية إلى إنقاذ الاقتصاد! عندما اعتلى بوتفليقة سدة الحكم سنة 99 هلل الفرنكوفونيون التغريبيون والعلمانيون باسمه وسبحوا بحمده ليس اعتقادا منهم بأنه تغريبي علماني وإنما محاولة لاحتضان الرئيس الجديد احتكارا منهم لمعاني إنقاذ الجمهورية من نظام الملالي غير أن شهر العسل بين بوتفليقة وأقران سعدي الذي قال عن هذا الأخير لو لم يكن محمد خاتما للأنبياء لكان بوتفليقة خاتمهم لم يدم طويلا، وكانت نقطة الانعطاف إعلان بوتفليقة الحرب على رؤوس الاحتكار من القطط السمان كما أسماهم بوتفليقة والمتحكمين في دواليب الاقتصاد الوطني وأرزاق الجزائريين، ثم قراره فتح أبواب الاستثمار على مصراعيه أمام الأجانب وبقوانين جزائرية تقف على المسافة نفسها بين العربي وغير العربي، مع تمكين هؤلاء من مبدأ تكافؤ الفرص مما شجع المستثمرين العرب على الحج إلى الجزائر بداية من سنة 2000على غرار شركة أوراسكوم ثم الوطنية الكويتية وقبلهما سيدار وبعد ذلك أعمار وغيرها من المؤسسات الأخرى. الأمر الذي أقلق باريس التي أوجست خيفة على مصالحها في الجزائر لقراءتها الجيدة الرسائل الضمنية في سياسة ومواقف بوتفليقة المتمثلة من الناحية الإستراتيجية في ضرورة بداية التفكير في الانعتاق من القبضة الفرنسية المحكمة على الجزائر منذ الاستقلال، لأن كل محاولة لإعادة بعث الاقتصاد الوطني من حالة الرميم والركود دون التحرر من الأغلال الفرنسية المفروضة بحكم التاريخ يعني بالضرورة صرخة في واد أو نفخة في رماد، مما يفسر تعدد الوجهات عند الرئيس بوتفليقة خاصة مع إدراكه أن الميزان التجاري بين الجزائروفرنسا وكذا حجم الاستثمارات كثيرة الاختلال مقارنة بالفرص الكبيرة التي استفاد منها الفرنسيون. أمام هذا تحركت الآلة الفرنسية من خلال امتداداتها في الجزائر معلنة حربا إعلامية سخنت مواسم صيفية عديدة، والكل يتذكر حملة الصيف التي أدارت فصول مسرحيتها بعض الجهات الجزائرية حملا على المستثمر الإماراتي محمد علي الشرفا رئيس المجموعة الشرقيةالمتحدة في الجزائر، وشركة أوراسكوم بتهم وصلت حد الجزم بأن المؤسستين على حافة الإفلاس وتمويل محمد علي الشرفاء لبن لادن والإرهاب، والمقصود بطبيعة الحال بكل هذه التهم التي أنتجتها الضفة الأخرى من المتوسط. الرئيس بوتفليقة الذي أضحى في نظر الكثير من رواد الحملات المسعورة على المستثمرين العرب إسلاميا خالصا يحابي الشرفاء وأوراسكوم، ومن ثم وجب في نظر أدعياء إنقاذ الجمهورية الضغط على الرئيس بوتفليقة الذي يريد أن يرمي بالجزائر في أحضان الرأسمال العربي حتى يجبر على الرحيل كما رحل سلفه اليمين زروال دون أن تبلغ العهدة الأولى مداها بعدما خيب الآمال في نظر تيار أراد من الرئيس أن يكون بمثابة الدمية في أيديهم حتى يفرضوا مشروعهم التغريبي على المجتمع الجزائري الذي خرج لتوه من أزمة أمنية قادها إسلاميون زاغت بهم الطريق. كما يتذكر الجزائريون الحملة التي أثيرت حول مشروع الطريق السيار شرق غرب وكيف كثر اللغط قبل أن يقرر الرئيس منح المشروع للصينيين مع تأكيده على أنهم لم يقدموا أحسن العروض، وما كان ذلك إلا ردا على سياسة الابتزاز ولي الأذرع التي حاولت أن تمارسها على الجزائر دوائر غربية وأخرى أوروبية منها فرنسا، غير أن صلابة الرئيس الذي خبر ألاعيب اللوبيات وجماعات الضغط جعلته يصمد أمام الحملات المختلفة بما فيها تلك التي تعرض لها عندما انهار مجمع الخليفة وواصل إستراتيجية الانفتاح على العالم بما في ذلك الاستثمار العربي. ولعل العواصف التي تهب على الجزائر هذه الأيام ذات صلة وطيدة بالأجندة الفرنسية والفرنكوفونية تباعا في الجزائر. هروبا من القيود الغربية تحت مظلة قانون محاربة الإرهاب الاستثمارات العربية نجحت في مجالات كانت حكرا على الفرنسيين والأوروبيين الحديث عن الاستثمار العربي بالجزائر يحيلنا بالضرورة إلى إجراء مسح عن أهم المشاريع الاستثمارية العربية الناجحة التي استطاعت أن تحجز لنفسها حيزا كبيرا ومحترما في دوائر وتخصصات كانت إلى وقت قريب حكرا على الشركات الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد. ويبدو أن الاستقرار الكبير الذي عرفته الجزائر مطلع الألفية الحالية جعلها تتصدر دول شمال إفريقيا من حيث اجتذابها للاستثمارات الأجنبية والعربية خصوصا،وإستطاعت من خلالها إستقطاب استثمارات بمليارات الدولارات شملت قطاعات مختلفة من النشاط الاقتصادي في الجزائر. وتأتي الاستثمارات العربية في مراتب متقدمة، من حيث كونها وجدت في الجزائر أرضا خصبة للاستثمار وملاذا آمنا لنموها، هروبا من القيود التي فرضتها أوروبا وأمريكا على حركة رؤوس الأموال العربية والإسلامية، تحت مظلة قانون محاربة الإرهاب، إلى جانب توفّر مناخ وإرادة سياسية حينها على مستوى أعلى هرم في السلطة لاستقطاب رأس المال العربي بمنح كل التسهيلات لتنشيط المناخ الاستثماري والنهوض بقطاعاتها الاقتصادية التي يتصدرها القطاع العقاري. 24مليار دولار قيمة الاستثمارات العربية في الجزائر وسجلت الاستثمارات العربية في الجزائر تطورا مميزا في الفترة 2002 و2008مستفيدة من الإجراءات التحفيزية المتخذة منذ 2001قصد تحسين البيئة الاستثمارية وترقية وجهة الجزائر. وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى بلوغ الاستثمارات 399مشروعا بمبلغ يصل إلى من 24مليار دولار ما يعادل 9,51%ئ من إجمالي المشاريع الاستثمارية. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن الاستثمارات العربية بشكل أساس اعتمدت على الصناعة وتحلية مياه البحر وإنتاج الأسمدة والأمونياك ومصانع الإسمنت والصناعات الغذائية والفلاحة والسياحة والفندقة والبنوك والمؤسسات المصرفية سواء الربوية أو الإسلامية، بالإضافة إلى شركات التأمين والاتصالات والنقل. الخليجيون يكتسحون قطاعات السياحة والعقار وتظهر مدونة المشاريع المسجلة لدى ''الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار''، أن المشاريع السياحية والعقارية تصدرت قائمة الاستثمارات العربية في الجزائر، وحل في الصدارة مشروع ''حظيرة الرياح الكبرى'' الترفيهي بالعاصمة الذي يجري تنفيذه على مساحة 670هكتارا ربعها سيخصص لبناء عمارات سكنية ومراكز تجارية ومستشفى ومدرسة دولية وفنادق وأبراج ومكاتب وملعب للفولف وحدائق وغرس نحو عشرة ملايين شجرة، وسيسلم خلال السنوات الأربع القادمة. وإلى جانب مشروع ''دنيا بارك'' بالجزائر العاصمة، شرعت أيضا شركات إماراتية في إنجاز المركب السياحي ''موريتي'' الذي يشمل فندق خمس نجوم ومركز أعمال وشققا فندقية بقيمة 952مليون دولار. المصريون لهم في كل شيء.. وسيدار تقود قافلة الشركات السعودية تتصدر شركة أوراسكوم المصرية قائمة المستثمرين العرب في الجزائر بإجمالي استثمارات انطلقت سنة 1998بلغت 10ملايير دولار. وتشمل الاستثمارات المصرية قطاعات الإنشاءات والاتصالات والإسمنت وتحلية مياه البحر وبناء محطات الكهرباء والبتروكمياويات والحديد وإنتاج الأدوية. في حين تشرف شركة ''سيدار'' السعودية على مشاريع إنجاز ثلاث قرى سياحية في كل من ولايات العاصمة، بومرداس، عنابة إلى الشرق قرب الحدود التونسية، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشاريع 888 مليون دولار. وانتهت الشركة من بناء المركز التجاري ''القدس'' بالشراقة غرب العاصمة. كما نجحت شركة ''فرعون'' السعودية للإسمنت من رفع قدرات الإنتاج لمصنع يقع ببني صاف بعد أخذها حصة مقدرة ب35 % من رأسمال الوحدة المملوكة للدولة. ومن بين الشركات السعودية التي سجلت دخولا قويا إلى السوق الجزائرية، مجموعة ''صافولا'' التي أقامت مصنعا لإنتاج زيت المائدة بمدينة وهران موّقف حاليا بقرار من الوالي. وباشرت شركات استثمار من ليبيا وقطر والبحرين والأردن إنجاز أبراج متعددة الأعمال قرب مطار العاصمة بقيمة 334مليون دولار. وإلى جانب الاستثمارات في القطاع العقاري، قررت مجموعتا ''دوبال مبادلة'' و''دوبال'' الإماراتيان إقامة مصهر للألومنيوم في بلدة بني صاف بمقاطعة عين تموشنت غربي العاصمة الجزائر بتكلفة تتجاوز 5 مليارات دولار بالشراكة مع مجموعة سوناطراك. البنوك والصيرفة الإسلامية.. بدايات محتشمة قطاع البنوك هو الآخر وعلى الرغم من احتكار الدولة له، شهد إقبالا ملحوظا من المستثمرين العرب للحصول على رخصة النشاط بالجزائر، تماشيا مع إقبال الشركات العربية التي عادة ما تكون مرفقة ببنوك خاصة توكل إليها مهمة المتابعة المالية والتمويلية لمشاريعها بالجزائر. إضافة إلى بنك البركة البحريني الناشط منذ سنوات طويلة في الجزائر، دخلت مؤسسات مالية خليجية أخرى مجال النشاط المصرفي بالجزائر، على غرار مصرف السلام الإماراتي الذي أعلن في وقت سابق عن حصوله على الموافقة الرسمية النهائية من مجلس القرض والنقد الجزائري لمباشرة أعماله في السوق برأسمال مكتتب ومدفوع قدره 7,2 ملايير دينار جزائري، 367مليون درهم، ما يعادل 100مليون دولار أمريكي. وسيبدأ مصرف السلام الذي يعد من أكبر المصارف الإسلامية العاملة في شمال إفريقيا مزاولة أعماله من خلال مقره الرئيسي بدالي إبراهيم وفرع باب الزوار، وذلك بعد عيد الفطر المبارك لتقديم خدمات مصرفية إسلامية مميزة ومبتكرة تعد الأولى من نوعها في الجزائر. وتضم قائمة البنوك العربية العاملة في الجزائر كل من بنك المؤسسة العربية المصرفية والبنك العربي، وكذا بنك الخليج. أما المؤسسات المالية العربية العاملة في الجزائر فهي الشركة العربية للإيجار المالي والمغاربية للإيجار المالي. أحمد.ج/ عبدالسلام.س الخبير الاقتصادي فارس مسدور في حوار ل''البلاد'' اللوبي الفرنكوفوني في الجزائر يحتقر المستثمر العرب واقع الاستثمار العربي في الجزائر، كيف تقيمونه في ظل الأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية وكذا شروع بعض المؤسسات العربية في حزم أمتعتها لمغادرة البلاد؟ الاستثمار العربي في الجزائر لم يرق إلى تلك المستويات التي كانت الجزائر تطمح إليها وهذا من جانبين: الأول هو أن العرب كانت لديهم شروط معينة خاصة تلك التي تتعلق برفع مختلف الحواجز البيروقراطية أثناء إبداء رغبتهم في الاستثمار في الجزائر، والجانب الآخر متعلق بأوضاع مختلفة كانت تحول دون مجيء المستثمرين العرب بالشكل الكبير. والذي لا ينبغي أن يغفل في القضية هو أن الاستثمارات العربية في الجزائر لم تتجاوز حدود 9 ملايير دولار، فهي بقيت تراوح مكانها بين ثمانية وثمانية ونصف إلى تسعة ملايير دولار، مقارنة بالاستثمار غير العربي الذي فاق بكثير هذه القيمة. الأمر الرابع الذي ينبغي أن تسلط عليه الأضواء هو أن بعض ضعاف النفوس أو محدودي الأفق من الإطارات الجزائرية حالوا دون دخول عدد كبير من المستثمرين العرب إلى الجزائر، وهؤلاء بالذات أصحاب التوجهات المستغربة والإديولوجيا الفرنكوفونية الذين يفضلون التعامل مع الجانب الأوروبي وبالأخص الفرنسي، وكأنهم يحملون نظرة احتقارية لقدرات المستثمر العربي، علما بأن الأموال العربية الطائلة التي تبحث عن الجنات الاستثمارية استفادت منها العديد من الدول الآسيوية وبعض الجيران من الدول المغاربية. بعض ما يؤاخذ على المستثمرين العرب هو أن استثماراتهم بقيت مجرد دعاية ونية دون أن تجسد في الواقع وأكبر مثال على ذلك ملف ''إعمار''؟ الأصل أن إعمار كانت قد تلقت ضربة قاصية في الأزمة المالية العالمية، وهذا جعلها تتراجع وتقلل من حجم استثماراتها في الخارج، وكان الأسهل عليها أن تحزم الأمتعة من الجزائر مادامت لم تنطلق. وبالتالي كانت الجزائر بالنسبة لإعمار ذلك الخيار السهل. دون إغفال أن ما شجع على ذلك هو الواقع الاستثماري الصعب في الجزائر المتجلي في ظاهرة البيروقراطية. نحن نوحي للمستثمرين بأننا نملك شباكا واحدا وهو الوكالة الوطنية لتنمية وترقية الاستثمار، ولكن الواقع غير ذلك فعند الدخول إلى هذه الوكالة تتعدد الأبواب وتتشعب السبل إلى عدة إدارات كل واحدة منها توحي بأنها في عالم مستقل عن إدارة الضرائب إلى الجمارك إلى البنوك إلى العقار وغيرها. الجانب الآخر هو أن جهازنا المصرفي لم يتطور بالشكل الذي يغري المستثمر الأجنبي بما في ذلك العربي الذي أضحى اليوم في بلاده يتعامل وفق المعايير العالمية المتقدمة، ثم النظام الجبائي الذي يعتبر من أعقد الأنظمة في الوطن العربي الذي يفرض رسوما وضرائب تزهدّ المستثمرين في المجيء إلى الجزائر لأنه لا ينبغي على صانع القرار في الجزائر الاغترار بالشركات الأمريكية والبريطانية واليابانية التي استثمرت في قطاع المحروقات، لأن الأرباح تسمح بتغطية الأعباء الأخرى بكثير. بينما الاستثمار خارج المحروقات يعتبر الخوض فيه صعبا وخطيرا مقارنة مع حجم المنافسة الأجنبية علما أن الاقتصاد الوطني مرتبط ارتباطا كليا بما نستورده من الخارج. وعلى هذا، فالجزائر لا ينبغي لها أن تبحث عن استثمارات تعزز الاستهلاك بقدر ما يجب أن تبحث عن استثمارات تعزز القدرة الإبداعية والتنافسية للاقتصاد الوطني. وهؤلاء الناس أي المستثمرون العرب لديهم رغبة في الاستثمار فيما هو لديه مخرجات كبيرة وكبيرة جدا كقطاع الصناعات الغذائية وغيرها من القطاعات الأخرى التي لا تجعل من الجزائري مستهلكا بامتياز ولا تبقي الاقتصاد الوطني عالة على الاقتصاديات الأجنبية. وعلى خلاف المستثمرين العرب نجد المستثمر الأجنبي الآخر والفرنسي على وجه الخصوص يريد دخول الجزائر لتسويق منتجاته فقط، ورغم ذلك وجدنا المستثمر العربي في الجزائر يعامل بدونية لا يعامل بها غيره. نحن نعلم أن هناك شركة دخلت وشرعت في الاستثمار في مادة الزيت عافية زيت المائدة، إلا أن هذه الشركة ربما توشك هي الأخرى على حزم أمتعتها رغم أنها اقترحت أسعارا جد منخفضة. ما هو السبب في تقديركم؟ كنت أتابع القضية عن كثب، كما هو معلوم أن سوق الزيت محتكر من قبل أحد الخواص في الجزائر، وهذا الأخير ''سيفيتال'' حاول أن يفرض أسعارا بل يضغط على الحكومة لإلغاء الرسم على القيمة المضافة أو تخفيضها إلى حدود دنيا. علما أن دخول هذه الشركة العربية أثبت أن الأسعار التي كان يفرضها صاحب الشركة الجزائرية كانت مبالغا فيها بل كانت في حدود ضعف ما كان ينبغي أن يكون عليه سعر السوق، بحيث زادت الأسعار في حدود خمسين بالمائة والآن الأسعار في ارتفاع مستمر، وهذه العقلية الاحتكارية المافياوية لبعض الشركات الخاصة الجزائرية هي التي كسرت الاستثمار الخارجي. لكن في النهاية، لماذا يعجز العرب عن الاستثمار في الجزائر مقارنة بغيرهم من الأوربيين؟ الإدارة الجزائرية تسيطر عليها إطارات فرنكوفونية لها ميولات فرنسية واضحة. لا يخفى على أحد أنه لولا التدخل المباشر للرئيس بوتفليقة الذي أمر بإنشاء مكتب متابعة مباشر للاستثمار العربي ما كان لشركة عربية واحدة أن تدخل الجزائر. كما أن الجزائر في إطار ما يسمى بمعايير الشفافية الدولية تصنف ضمن الدول الأكثر فسادا في إدارتها، وهذا واقع لا يمكن إخفاؤه.. الفساد في الإدارة الجزائرية يعوق الاستثمار عموما والعربي على وجه الخصوص، لأن الأوروبيين والفرنسيين تحديدا لديهم أوراق ضغط كثيرة ومتعددة تحول دون منعهم من افتكاك حصتهم من السوق الجزائرية. وإضافة إلى هذا هناك البعبع الصيني المتواجد في الجزائر بقوة وهو ما لا أعتبره صحيا على الإطلاق، لأن المنتجات الصينية الموردة إلى الدول النامية ليست بنفس المعايير التي تصدر إلى الدول المتقدمة. وعليه فالبعبع الصيني أضحى يخيف العرب وغيرهم من الاستثمار في الجزائر بالنظر للمنافسة غير العادلة التي يفرضها الصينيون. هناك من ينكر الفائدة في الاستثمارات العربية في الجزائر، وعلى هذا يقولون الأفضل أن نتجه نحو الغرب على الأقل لنستفيد تكنولوجيا، ما رأيك في ذلك؟ من قبل، اتجهنا إلى الغرب ولم نستفد منه كثيرا خاصة في مجال نقل التكنولوجيا، والكل مازال يتذكر سياسة ''المفتاح في اليد''. حاولنا أن نتعامل مع الاتحاد الأوروبي فإذا بنا نجد أنفسنا نوقّع على اتفاقية شراكة ولكن عن يد سفلى تحمل بعدا أمنيا ثقافيا أكثر من بعدها الاقتصادي. فالعرب الذين نسخر منهم في بلادنا طوروا بلدانهم. الأردن مثلا رغم فقدناه الموارد إلا أنه من الدول الكبيرة في مجال صناعة الدواء، لديها نسيج صناعي كبير وقوي ويصدر إلى دول أوروبية وغربية. هناك المصريون الذين طوروا قطاع السياحة وجعلوه قطاعا أساسيا في منظومتهم الاقتصادية. لديك الإماراتيون أيضا الذين أبهروا العالم واستفادوا من الخبرات الأجنبية للنهوض بتنمية حقيقية وجادة. هؤلاء الناس استفادوا من هذه الخبرات ولهم القدرة على جلب خبراء أجانب. فلماذا لا نتعامل معهم وننظر إليهم نظرة دونية. هذا يحمل بعدا تاريخيا، فنحن لدينا معاملات تاريخية مع فرنسا بشكل خاص، وهي تحاول أن تحمي مصالحها بشتى السبل في الجزائر، حتى وإن كان ذلك مرتبطا بمحاولة الإساءة للجزائر خاصة في سنوات الأزمة. والكل يعلم أن فرنسا حاصرت الجزائر في أوروبا بغية استئثارها بالجزائر في مرحلة ضعفها. ومعلوم أن الديون الجزائرية بنسبة كبيرة منها فرنسية والعلاقات التجارية بنسبة كبيرة مع فرنسا والتعاملات في أغلبها مع دول الاتحاد الأوروبي، ونحن لا نصدر لها إلا ما كان محروقات. ولكننا مقابل كل دولار نصدره نستورد 20دولارا. لذلك نعتقد أن الشراكة العربية والاستثمار العربي أكثر عدالة من التعامل مع الأوروبي عموما والفرنسي على وجه الخصوص. الخلفيات، العرقلة والتودد للغرب هل لها علاقة بمشروع المجتمع الذي لايزال محل تجاذب بين قوى مختلفة أحدها وطني وآخر تغريبي؟ معلوم أن الاقتصاد يتأثر بمختلف الأبعاد خاصة الثقافية والاجتماعية، بالنظر لما يحمله من أفكار إديولوجية. ولهذا عندما نتحدث عن فكرة التمويل الإسلامي نجد أن الغرب لم يلجأ إليه إلا مكرها أمام تهديدات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، فلماذا لايزال مثل هذا التعامل المصرفي في الجزائر ينظر إليه بعين الريبة. التمويل الإسلامي والتعاملات المصرفية الإسلامية أضحت تستقطب اليوم اهتمام الغرب العلماني كفرنسا التي ترفض في بيتها الحجاب وتخشى الإسلام، في وقت تقر فيه إنشاء مصارف إسلامية وتوجه دعوتها إلى البنوك الإسلامية للاستثمار في فرنسا. لكن للأسف فالعقلية الجزائرية التي تحمل فكرا تغريبيا جعل هؤلاء يعيشون بعيدا عن مجتمعهم ويعبرون عن طموحات غير طموحات شعبهم ويتبنون خيارات إستراتيجية لا تتوافق مع طبيعة المجتمع الجزائري، ولهاذ نقول إن التعامل مع العربي أسهل من التعامل مع الأوروبي لأن التعامل مع الأخير جعلنا نعتقد دائما بأننا نملك عقدة الدونية تجاه الأوروبي. وعلى العكس من ذلك عندما تتعامل مع العربي فأنت تجلس إلى طاولة مفاوضات لديك نفس القدرة والإمكانات، بل في بعض الأحيان إمكاناتنا تفوق إمكاناتهم ويمكن أن نستفيد منهم أكثر مما نستفيد من غيرهم من الغربيين. ومن ثمة لا أعتقد أن الجزائر ستكون رابحة في شراكتها مع الاتحاد الأوروبي بالنظر للظروف التي وقعت فيه الشراكة من جهة، وبالنظر لاستفرادها بنا لأننا لو فاوضناه ككتلة مغاربية لكان أفضل، ومن ثم وجب علينا إعادة النظر في شروط العقد. وباختصار أقول إن التودد للغرب له علاقة وطيدة بمشروع المجتمع المراد فرضه والتمكين له، بالنظر لوجود البعد الثقافي في كل ما هو اقتصادي. وعليه فالدعم الأوروبي للشق الثقافي في الجزائر قد أخذ أبعادا خطيرة جدا عزز فكرا تغريبيا جعل الناس يميلون نحو الضفة الشمالية رغم الصراع الأنجلوساكسوني مع الفرنكوفوني في الجزائر، ولكن أعتقد أن الجانب الأنجلوساكسوني هو الحلقة الضعيفة والحلقة العربية هي الأضعف، وللأسف فالشرذمة الفرنكوفونية فعالة متنفذة وقوية للغاية. الخبير عبد الرحمن مبتول ل''البلاد'' الإرهاب البيروقراطي والرشوة وراء كبح الاستثمارات العربية والأجنبية اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أن الإرهاب البيروقراطي والرشوة والمراحل الانتقالية المستمرة جميعها كوابح للاستثمار في الجزائر، مؤكدا أن مراجعات الحكومة لقوانين الاستثمارات أدت إلى تشويه صورة السوق الجزائري أمام المستثمرين الأجانب لا سيما العرب، مضيفا أن التعديلات الأخيرة والتغيير الدوري للإطار القانوني للاستثمار وعدم التماسك وعدم الوضوح خلقت حالة من اللااستقرار لدى المتعاملين الوافدين إلى الجزائر، التي تعيش حسبه أزمة أدت إلى هروب العديد منهم. وأوضح المتحدث، أمس في تصريح ل''البلاد''، أن انسحاب مجموعة ''إعمار'' العقارية من السوق الوطني دليل على تفشي الإرهاب البيروقراطي، وتؤكد مجددا على ضرورة توضيح السلطات أكثر للرؤيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مشيرا إلى أن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الآونة الأخيرة يعود إلى انتشار البيروقراطية في النظام المركزي والمحلي، وهو ما يفسر سوء التصنيف الدولي ما بين 2006/ 2008 من حيث جاذبية الجزائر لرؤوس الأموال الأجنبية، على الرغم من الإمكانيات الهائلة وخصوبة السوق وعذريتها في جميع المجالات، لأن المستثمر، يضيف المتحدث، ''يقوده دائما منطق الربح لا بصفة البقاء في الجزائر والاشتغال بأنشطة قصيرة''، مضيفا ''إن الدولة تسعى لاستعادة دورها كمنظم للاقتصاد الوطني في ظل الإصلاحات الاقتصادية اللازمة''، والتي يجب أن تتكيف ومتغيرات السوق التي تفرضها العولمة دون المساس بالسيادة وسلطة القانون والديمقراطية السياسية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، أكد الخبير أن الإصلاحات الهيكلية بما في ذلك الخوصصة التي بدأت على استحياء هي بالتأكيد ليست علاجا شافيا، حيث كلف التطهير المالي للمؤسسات العمومية المفلسة ما بين 1971و2008 خزينة الدولة حوالي 40مليار دولار، دون تحقيق نتائج قوية والدليل على ذلك ضعف حجم الصادرات خارج سلة المحروقات دون 2 إلى 3 في المائة سنويا، والاستمرار في الاعتماد على الاقتصاد الريعي ومداخيل النفط. وأوضح الخبير الاقتصادي ووزير الطاقة سابقا، أمس، أن الجزائر لم تخرج من المراحل الانتقالية منذ 1986مع سيادة منطق الريع، أي أن الجزائر ليست لا في اقتصاد سوق ولا في اقتصاد مسير ومركزي، مشيرا في السياق نفسه إلى صعوبة الضبط سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن أكبر الكوابح للاستثمار خارج المحروقات والمنتجة للثروة ومناصب الشغل الدائمة هي سيادة البيروقراطية والدوائر غير الرسمية التي تمثّل 40بالمائة من الكتلة النقدية، فضلا عن الرشوة التي تعرقل تجسيد الأعمال بشهادة تقارير منظمات دولية. وبلغة الأرقام، قال مبتول إن ''الإرهاب البيروقراطي يساهم في خنق أكثر من 50بالمائة من الاستثمارات، ويضاف إليه جمود المنظومة المالية العمومية أي البنوك وهي المكان المفضل لإعادة توزيع الريع والتي تمثل 30بالمائة من الانسداد مع سيادة العقلية الإدارية الموجهة في التسيير. وأضاف المتحدث أن تنظيم الرأسمال التجاري للدولة الذي يسير الشراكة والخوصصة عرف ما بين 2000و2008 أربعة تغييرات دون نتائج، مما تسبّب في عدم استقرار قانوني وتثبيط عزيمة المستثمرين، يضاف إليها الأنظمة الجبائية والبطء في تحويل رؤوس الأموال وغياب سوق عقاري حر وعدم مطابقة سوق العمل مع الطلب، مع هجرة مكثفة للمؤهلات والكفاءات وانتقاص قيمة المعرفة على حساب وظائف الريع، إلى جانب غياب الموارد الإسانية المكافئة للاستثمارات، وكل هذه الدلائل حسب المتحدث تؤكد أن الجزائر تعيش أزمة سياسية حقيقية. وشدد عبد الرحمن مبتول رئيس الجمعية الجزائرية لتنمية اقتصاد السوق، على ضرورة العمل على تشجيع الاستثمارات التي تخلق القيمة المضافة وتمتص البطالة وترفع معدل النمو الاقتصادي العام للحد من التوترات الاجتماعية، والتي تشمل إعادة صياغة النظام المالي ضريبة جمركية وكذا الإدارة والهيكلة الشاملة لتحقيق الهدف الإستراتيجي المتمثل في الإصلاحات الاقتصادية. وطالب الخبير الاقتصادي الحكومة بإعداد إستراتيجية واضحة للاقتصاد الكلي للبلاد ومراجعة السياسة الاجتماعية والاقتصادية للجزائر باستبدالها بسياسة رشيدة خلال الخماسي 2014/2009، بالإضافة إلى فتح نقاش وطني شامل حول الوضع الاقتصادي بمشاركة واسعة لجميع الأطراف المختصة والمعنية لبحث ووضع الحلول الممكنة للحد من الانعكاسات الخطيرة المحتملة في حال تطورت الأزمة الحالية. وأشار في هذا السياق إلى تراجع فائض الميزان التجاري الجزائر بأكثر من 27 في المائة خلال جانفي الفارط مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 40دولارا نتيجة قلة الطلب العالمي مقابل ارتفاع حجم فاتورة الاستيراد لاسيما بعملة الأورو، حيث ستواجه الجزائر كارثة مالية حقيقية إذا تواصلت الأزمة المالية العالمية لأكثر من سنتين، وتعليق غالبية المشاريع المسطرة ضمن البرامج الاقتصادية المقبلةئ . ونفى المسؤول ذاته وجود لوبي فرونكوفوني مثلما يحاول البعض الترويج له، وقال في هذا الشأن إن الش يحاوره: محمد سلطاني