سجلت أسعار الذهب ارتفاعا قياسيا في الآونة الأخيرة سواء في السوق الرسمي أو الموازي نتيجة متغيرات يعتبرها المختصون أنها عالمية في وقت تبقى فيه تجارة الذهب تخضع للمضاربة. بعد أن كانت الكثير من السيدات يسعين لاقتناء الذهب كلما سمحت لهن الفرصة ليجدنه وقت الحاجة تطبيقا للمقولة الشائعة «الحدايد للشدايد» عبرت الكثيرات أنهن لا يستطعن اقتناء الضروري منه لبناتهن بسبب الأسعار الملتهبة. وفي محاولة منا للوقوف على أسعار الذهب، كانت وجهتنا الأولى بعض الأسواق الموازية والبداية كانت من سوق باش جراح أين كان الشباب يتموقعون في مدخل أحد الأحياء وقد نصبوا طاولات مليئة بالقطع الذهبية على اختلاف أنواعها، وعن أسعار الغرام الواحد من هذا المعدن، قال أحد الباعة أن سعر الذهب المستعمل والمكسر المعروف ب»لكاس» بلغ 3000 دينار للغرام، أما الذهب المحلي فقد ارتفع من 4200 دينار إلى 5200 دينار للغرام الواحد، وذلك من شهر مارس إلى يومنا هذا، أي بزيادة قدرها 1000 دينار، وبخصوص الذهب المستورد من إيطاليا على اعتباره أجود أنواع الذهب، يقول البائع أنهم يتعرفون عليه من خلال الطبع فسعر 18كارا فهو من 6000 دينار للغرام فما فوق على اختلاف أنواعه. هذا ويختلف سعر الغرام الواحد من بائع إلى آخر في نفس السوق بفارق يقدر ب200 إلى 300 دينار مما جعلنا نتساءل: هل سعر الذهب غير موحد وكل واحد يبيع حسب مزاجه؟، هنا أجاب بائع أن السعر يختلف حسب نوع الذهب وحسب طريقة شغل كل قطعة، أما عن الأسباب، فأكد بعضهم أن لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية لهذا الارتفاع، فيما أرجعه البعض الآخر إلى نقص دخول الذهب إلى الجزائر، حيث أكدوا أن الذهب «لكاس» كان يدخل إلى الجزائر عبر ليبيا، ولكن مع الأزمة السياسية التي مست بعض الدول المجاورة وغلق الحدود مع ليبيا نقصت الكمية ومعه زاد السعر. وجهتنا الثانية كانت سوق الذهب بساحة الأمير عبد القادر المعروف بانتشار «الدلالات» اللائي يصطففن على طول الطريق المؤدي إلى ساحة الشهداء وهن يحملن بين أصابعهن عددا من الخواتم والأساور الذهبية، وكل واحدة منهن تجلس مطمئنة وحولها شاب أو اثنين اتخذتهما حراسا شخصيين لها، وهم بدورهم يمارسون نفس النشاط، وكل واحد يحمل عددا من السلاسل الذهبية يلوحون بها للمارة وهم لا يكلون ولا يملون من سؤال كل مار: «كاش كاسي»؟، «نشري ونبيع الذهب». سألنا عن الأسعار فلم تختلف كثيرا عما هي عليه في سوق باش جراح، حاولنا الاستفسار عن بعض النقاط التي تحمل هذه السوق مسؤولية بعض التجاوزات لاسيما ما تعلق بانتشار الذهب المغشوش، هنا أدرك أحد الباعة أننا من الصحافة، فأسئلتنا ليست أسئلة مشتر أو بائع عادي، ما أثار انزعاج البعض، فهم لا يعتبرون نشاطهم مخالف، للقانون وإنما يجدون أنهم يوفرون الذهب بأقل سعر ممكن، والمواطنون يترددون بكثرة على هذه السوق لاسيما المقبلون على الزواج، كما أن السعر المقدم لمن يريد بيع قطعة من الذهب يكون أكثر مما يعرضه الصائغ، هذا ما تقوله إحدى السيدات التي التقينا بها في ذات المكان وهي تحاول بيع أقراطها بأكبر سعر ممكن، تقول المعنية أن المجوهراتي قدرها بمليون ونصف مليون سنتيم، بينما قدر سعرها في السوق الموازية بزيادة بلغت 8000 دينار مضافة على عرض الصائغ على حد قولها. وأكد الباعة في هذه السوق أن سعر «الكاسي» لا يقل بكثير عن سعر الذهب العادي، مشيرين أن المواطنين لا يشترون الذهب المكسر، وكثيرا ما يجد الزبون نفسه في حيرة من أمره في اختيار القطعة المناسبة، كون الأكسسوارات المعروضة متنوعة، ليبقى الثمن هو العامل المحدد لنوع القطعة وحجمها. هذا، وأكد الباعة أن الذهب الجزائري من أجود أنواع الذهب في العالم، فهو يحتل المراتب الأولى مما يفسر كثرة الطلب عليه في العديد من الدول الأوروبية وبعض دول الخليج التي تعد مقصد رجال المال والأعمال الجزائريين الذين ينشطون في مجال تصدير الذهب. ويعتبر بعض الأفراد الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب نقمة عليهم خصوصا المقبلين على الزواج، وباعتبار أن الرجل يشتري نصيبا منه، من اجل إعطائه كمهر للزوجته المستقبلية، كما أن الطرف الآخر والمتمثل في النساء فهن أيضا لا يقلن أهمية في شرائه باعتباره الأداة المكملة لزينتهن. «كمال» مقبل على الزواج، لم يرحب بفكرة ارتفاع سعر الذهب ويقول في هذا الخصوص: «إن هذه الزيادات المستمرة لثمنه أصبحت تؤرق العديد من الأشخاص، وبما أن إمكاناتي لا تسمح لي باقتناء قدر ممكن منه، إلا أنني مجبر على شراء طاقم من الذهب كمهر لزوجتي المستقبلية، والحمد لله، فقد اتفقت مع بائع احد المحلات التجارية الكائن ب»باش جراح» وهذا من خلال بيعه الطقم بالتقسيط، وهذه أحسن وسيلة وجدتها ليومنا هذا، رغم أن أهله رفضوا هذه الفكرة خوفا من الربا». كما أن «نعيمة» مخطوبة منذ فترة لا تقل عن ثلاث سنوات، تؤكد هذه الفكرة وترجع رأيها إلى غلاء المعيشة الذي يشهدها مجتمعنا، وبحكم ظروفهم المعيشية الصعبة التي يتخبطون فيها فقد أجلت زواجها أكثر من مرة، وهذا لعدم تمكنها من شراء ولو القليل منه. ورغم استياء البعض من ارتفاعه، إلا أن هناك من استحسن هذا الوضع، مثل «كريمة» التي وجدناها عند أحد محلات بيع المجوهرات وهي تقوم ببيع عقد اشترته منذ سنين بسعر منخفض، وهي الآن تبيعه بأضعاف سعره، وهذا لتساعد زوجها في شراء كبش العيد والألبسة الجديدة لأبنائها. أصابع الاتهام توجه إلى السوق الموازي أما بالنسبة للأسعار عند الصائغين، فقد بلغت السقف، فقد بلغ سعر الذهب المحلي 6000 دينار للغرام، أما بالنسبة للايطالي فهو يتراوح ما بين 7000 دينار إلى 9000 دينار للغرام حسب نوع الذهب الايطالي، هذا وبلغ سعر أبسط طقم من الذهب 15 مليون سنتيم فما فوق. أما بخصوص تجارة الذهب في السوق الموازي فقد قدم أغلب الصائغين جملة من التهم، فهم يرون أن التجار غير الشرعيين يتهربون من الضريبة، وهم يحققون بذلك أرباحا طائلة رغم أن هذا الذهب غير مطبوع، وجزء منه قد يكون ممزوجا بنترات النحاس. ويضيف البعض أنه عادة ما يعود الناس للصائغ للتأكد من القطعة التي اقتنوها.في حين علق صائغ آخر بالقول «هم ينتشرون أكثر أمام البنوك التي تقوم برهن الذهب من أجل اصطياد الفريسة». القانون يمنع شراء »الكاصي« وعن تعاملات الصائغ في تجارة الذهب، يقول أحد الصائغين بساحة أودان أن المجوهراتي يشتري قطع الذهب من الدولة، حيث توجد وكالة وطنية مخصصة للبيع وتحويل الذهب، وأحيانا يشتري من المواطنين الذين دفعت بهم الظروف إلى بيع ذهبهم على أن تكون القطعة في حالة جيدة، لأن القانون يمنع شراء الكاصي، أما آخرون فيشترون ما رأوه قابلا للتصليح والتلميع ليعيدوا بيعه، ومنهم من يقوم بإذابتها وإعادة تشكيلها من جديد. ...ولرهن الذهب شروط يجب احترامها ومن خلال زيارتنا لأحد بنوك التنمية المحلية، التي يقوم العديد من الأفراد نساء كانوا أو رجالا برهن مختلف مصوغاتهم عندها، علمنا بأن هناك عدة شروط يجب احترامها في هذه العملية، على حد قول أحد الموظفين فيها، ومن أبرزها هو أن تكون أية قطعة معروضة للرهن مهما كانت يجب أن تحتوي على الطابع الذي تضعه المؤسسة المصنعة له، في حين أكد لنا أن الرهن يكون بالغرام الواحد، ولكل واحد منه ما يعادل 1000 دينار، وتكون بعد الموافقة على كل الشروط كقيمة الضريبة التي تدفع عند التأخر في الدفع والإمضاء على بعض المستندات التي تعرض على الراهن، وتجدد كل ثلاثي أو سداسي، وهذا حسب الرهن وحسب العقد الموقع، في حين تكون نسبة الضريبة مقدرة بثمانية بالمئة. خبير في الاقتصاد يؤكد: الأزمة المالية العالمية سبب ارتفاع أسعار الذهب أرجع أحمد فلاح، أستاذ بكلية العلوم الاقتصادية والتسيير، أسباب ارتفاع أسعار الذهب إلى متغيرات عالمية وليست محلية، وإنما هو نتيجة حتمية لارتفاع سعره في البورصات العالمية نتيجة الأزمة المالية، وارتفاع سعره في الجزائر راجع لما تفرضه ميكانيزمات هذه التجارة، أما فيما يخص أضرار السوق الموازية للذهب على تجارته، فيرى أنه كغيره من الأسواق الموازية للسلعة أو للعملة حسب الاقتصاد الرسمي، ولكن حسب محدثنا فإن الاقتصاد غير الرسمي هو البارومتر الحقيقي للبلاد، لأنه يعطي حرية أكثر في التعامل بدون وجود أي تعقيدات إدارية، ومن هذه الأضرار ارتفاع سعر أي سلعة بما فيها الذهب الذي يخضع للمضاربة. وفي ذات السياق، يقول أحد الصاغة في شرحه لأسباب ارتفاع أسعار الذهب في البورصة العالمية وعن تأثيرات الأزمة المالية، حيث يرجع ذلك إلى كون العديد من الدول قد قامت بتحويل احتياطاتها المالية إلى ذهب لتفادي خسائر أكبر جراء الأزمة، وذلك بغرض الحفاظ على احتياطاتها من حيث القيمة المادية، حيث يؤدي ارتفاع قيمة هذه الاحتياطات إلى ارتفاع سعر الذهب مما يساعد على تجاوز الأزمة المالية، حيث أدت هذه الأخيرة إلى ارتفاع أسعار الذهب مما شكل أزمة في أسواقه نتيجة تراجع القدرة الشرائية لهذا المعدن. في حين أكد الأستاذ «محمد.ن»، أستاذ بجامعة الجزائر3 أنه يتوقع استمرار هذه الزيادة التي تعرفها أسواق الذهب في البيع بالجملة وأيضا محلات المجوهرات نهاية هذه السنة وأيضا في بداية السنة القادمة، وهذا راجع لانخفاض أسعار الفائدة المصرفية، وفي نفس السياق، فقد أعرب أن هذه الفترة شهدت فيها الأسواق ركودا في المبيعات بسبب ارتفاع أسعار الذهب.