تلجأ الكثير من السيدات إلى اقتناء مجوهراتها من محلات بيع «الحلي المقلدة» كبديل للذهب، هذا الأخير الذي أضحت أسعاره خيالية تجاوزت المعقول، بل فاق كل التصورات حين فاق سعر الغرام الواحد مبلغ 4000دينار، ولكن وعلى الرغم من هذه الأسعار الملتهبة، إلا أن العائلة الجزائرية لا تستطيع الاستغناء عن الذهب كشرط أساسي يجب توفره في «جهاز العروسة»، وهو ما أثقل كاهل الشباب المقبل على الزواج وجعل الكثير منهم يعزف عن فكرة الارتباط في الوقت الراهن. منذ القدم يعرف الذهب بقيمته الغالية، وبتهافت النسوة على اقتنائه من أجل التباهي به في المناسبات والأعراس، إذ أنهن يتنافسن في وضع أكبر قدر ممكن من المجوهرات أو للاحتفاظ به لوقت الحاجة. وكما هو معروف لدى معظم العائلات إن لم نقل كلها، فالذهب من الشروط الضرورية والواجب توفرها في «جهاز العروسة»، بل في كثير من الأحيان لا تتم مراسيم الزفاف دون أن يقدم العريس طقما من الذهب الخالص للعروس، ولكن في ظل الغلاء الفاحش لأسعار الذهب في الأيام الأخيرة، لم يستطع الكثير من الشباب المقبل على الزواج شراءه، مما جعل البعض منهم يؤجل فكرة الزواج، بل ويغليها أصلا بسبب هذا الشرط التعجيزي على حد تعبيرهم. وما اتضح لنا جليا من خلال الاستطلاع الذي أجريناه، هو أنه وعلى الرغم من تجاوز سعر الذهب الحد المعقول، إلا أن الكثير من العائلات مازالت متمسكة بضرورة أن يقدم العريس للعروس طقما من الذهب الخالص. «خالتي زهرة»، قالت لنا أنها من الشرق الجزائري، وأن سكان هذه المنطقة معروفون باهتمامهم بالذهب الذي يقدمه أهل العريس للفتاة، قائلة أنهم لا يهتمون أبدا بما يقدمه من ملابس وغيرها من المستلزمات التي يجب توفرها في «الجهاز» قدر اهتمامهم به، بل يشترطون الذهب، لأنه الأصل وهو دليل على قيمة العروس، فتقديم الذهب للعروس هو من أهم تقاليدهم التي لا يمكنهم التخلي عنها أبدا. وقد كانت ردة فعل «خالتي زهرة» غريبة بعض الشيء حين سألناها عما تفعله إذا لم يستطع العريس تقديم طقم من الذهب لابنتها في ظل الارتفاع الرهيب لأسعار الذهب، إذ قالت بعصبية شديدة أنها لا يمكن أن تقبل بعريس لا يقدم لابنتها ذهبا، وحتى وإن لم يكن ميسور الحال، فعليه بجمع الأموال حتى يستطيع توفيره. تركنا «خالتي زهرة» التي بدت جد متعصبة في الحديث عن هذا الموضوع، وتحدثنا إلى «مونية» فتاة مخطوبة، وبمجرد أن سألناها عما إذا قدم لها خطيبها طاقما من الذهب،ضحكت قائلة «لم يشتره بعد، وبما أنه موظف بسيط فإنه يدخر أمواله من أجل توفير تكاليف ومصاريف إقامة زفافنا ،فمن أين له أن يشتري طاقما من الذهب الذي يفوق سعره 150000دينار، فهي تفضل أن يضعه كإيجار مسبق للشقة التي سيسكنان فيها بعد الزواج»، وهنا سألنا «مونية» عن ردة فعل أهلها حين علموا أن العريس لن يشتري لها الذهب، فضحكت ثانية وقالت بما أنها لا تحب كثيرا المجوهرات وخاصة الذهب فقد طلبت منه أن يأتي لها بطقم من الحلي المقلدة الذي لا يتجاوز سعره 5000دينار، وعرضه على أهلها على أنه ذهب خالص. «عمي سليمان» وعلى عكس خالتي زهرة بدا جد متفهما لأوضاع الشباب المقبل على الزواج، حيث قال لنا أنه قام بتزويج ابنته، ولما لم يتمكن العريس من شراء طقم الذهب تفهم حالته المادية، واكتفى بطلب خاتم من الذهب لإتمام الزواج. وواصل «عمي سليمان» قائلا «أن الذهب في أيامنا الأخيرة أصبح يخص الأثرياء فقط،فالفقير لا يمكن أن يشتريه في ظل غلاء المعيشة»، وأضاف أنه كما يحب لابنه أن يجد صهرا يراعيه في زواجه ويسهل عليه الأمور المادية، فهو يفعل نفس الشيء مع من يتقدم لطلب يد إحدى بناته، معللا ذلك بأن الدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر، وأضاف «عمي سليمان» قائلا أن الذهب ومهما طال يزول بزوال الأيام، لذا يجب على العائلة أن تشترط لابنتها السعادة الدائمة بدلا من الذهب الفاني. بعض النسوة اللائي التقينا بهن، بدا عليهن أنهن يعشقن الذهب حتى النخاع، ويعتبرنه بمثابة الزينة الأساسية للمرأة في المناسبات على غرار «دليلة» التي قالت أنها وعلى الرغم من أن دخل زوجها محدود، إلا أنها تشتري الذهب بالتقسيط من عند بائع مجوهرات تعرفه جيدا وتعتبر من زبوناته الوفيات، إذ وفي كل مرة يتقاضى زوجها راتبه الشهري تذهب إليه وتعطيه مبلغا من المال إلى غاية إكمال سعر القطعة الذهبية التي ترغب في الحصول عليها، قائلة «رغم غلاء سعر الغرام الواحد من الذهب، إلا أنني لا أستطيع الاستغناء عنه واستبداله بأي نوع آخر من المجوهرات». «فاطمة» هي الأخرى تحب معدن الذهب كثيرا، إذ قالت لنا بما أنها لا تستطيع شراءه من محلات بيع المجوهرات، إلا أنها تشتريه من سوق الدلالة بأسعار معقولة مقارنة بما يباع في المحلات. أما مجموعة أخرى من السيدات اللواتي تحدثنا إليهن، ففضلن شراء مجوهرات من الذهب المقلد كبديل عن نظيرها من الذهب الخالص، بعد أن فاق سعر هذا الأخير قدراتهن الشرائية، خاصة وأن المجوهرات المقلدة وكأنها مصنوعة من الذهب، لأنها تحمل نفس الأشكال والألوان. «غنية» قالت أنها وجدت ضالتها في محلات بيع الحلي المقلدة بما أنها لا تهتم أبدا بالذهب، وتعتبر «غنية» الحلي المقلدة بديلا جيدا للذهب، إذ أنها تشبهها إلى حد كبير على حد قولها، ناهيك عن أسعارها المنخفضة، ولما أشرنا إلى «غنية» على أن «الحلي المقلدة» لا تدوم فسرعان ما تفقد بريقها مع مرور الأيام، قالت أنها لا تستعملها يوميا بل في المناسبات والأعراس فقط بالإضافة إلى أنها تتبع تعليمات البائع حين يوصيها بضرورة إبعادها عن العطور والماء. «ربيعة» قالت لنا أنها لا تحب الذهب كثيرا ومع غلاء أسعاره تخلت عن شرائه كليا،ولما وجدت أن أسعار الحلي المقلدة في متناول الجميع أصبحت من الزبائن المعتادين لهذه المحلات، إذ أنها تفضل شراء طاقم من الحلي المقلدة ب8000دينار بدلا من أن تشتري طقما واحدا من الذهب الخالص الذي يفوق سعره 150000دينار. أما بالنسبة للشباب، فقد أبدى أحد الباعة في الأسواق الموازية دهشته عندما طلب من إحدى معارفه أن يوفر له طقم ذهب من عند قريبه على أن يراعيها في السعر، خاصة وأنه يخطط لإكمال نصف دينه، إلا أن هذه الأخيرة صدمته بالسعر، حيث أكد له أن سعر الغرام الواحد من الذهب يتراوح بين 6000دينار و8000دينار في محلات بيع المجوهرات، هذا الشاب الذي يمارس تجارة بسيطة لا يفوق مدخول فائدتها اليومي 500دينار كأقصى تقدير، صدم لسماعه السعر، وواصل السؤال «إذا كم يقدر سعر طقم الذهب»، ليصدم ثانية عندما علم أن سعر الطقم البسيط يبلغ150000 دينار، علامات الدهشة وخيبة الأمل كانت بادية على وجه الشاب الذي نظر إلى صديقه قائلا «طقم الذهب 15 مليون سنتيم، كيف سأتزوج؟». وفي ظل هذا الارتفاع المذهل لأسعار الذهب مؤخرا، أجمع الكثيرون على ضرورة إعادة النظر في بعض العادات التي تقترن بالزواج والتي تكلف الزوج أموالا كثيرة واعترفوا أن الأسعار التي وصفوها بالخيالية التي بلغها المعدن الأصفر الخالص أصبحت حاجزا حقيقيا في طريق إتمام نصف الدين، كما دعوا إلى ضرورة انتهاج سنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام والتي تيسر كل أمور المسلمين مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «التمسوا ولو خاتما من حديد».