احتضن قصر المعارض الكدية بتلمسان أمس وحتى 14 جانفي 2012، التظاهرة الدولية “من تراب ومن طين” ضمن معرض ينظم في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011، ويسلط الضوء على فن العمارة الترابية في العالم، بمشاركة فنانين ومبدعين مختصين في هذا الفن من أنحاء مختلفة من القطر الوطني، إضافة إلى مشاركين من إفريقيا وأوروبا وآسيا. ويختصر معرض “من تراب ومن طين” وضمن مساحة تقدر ب 1400 م2 جغرافية العالم وفلسفة العلاقة القائمة بين الإنسان والطبيعة، حيث خلق الإنسان من طين وعاش وأبدع وتفنن في عمارة من طين ليدفن بعد الموت في الطين، وتجاوز علاقة الإنسان بالطين مجرد استخدامه كمادة بناء تحميه من التغيرات المناخية أو وسيلة للإبداع الفني إلى التعبير عن الذات والبحث عن حنان الأم الأرض، ضمن شعور وأحاسيس لا يقدرها سوى عشاق الطبيعة. ويستخدم التراب وهو المادة الأكثر وفرة على كوكب الأرض، في البناء منذ أزمنة سحيقة. وهناك طرق عديدة للبناء بالتراب، وهي تتنوع حسب تنوع التراب المتوافر وتنتج عنها أبنية ذات تنوع كبير تعكس هوية وثقافة الشعوب التي أنتجتها، وتسمى هذه العمارات “عمارات التراب”، وأبنية من الأراضي ليست كما يميل الكثيرون إلى الاعتقاد أنها خصوصية إفريقية أو خصوصية العالم النامي، وقد كانت موجودة ومازالت في جميع مناطق العالم من أوروبا إلى آسيا وإفريقيا والأميركيتين، ويحافظ تراث معماري عظيم مبني من التراب على الذاكرة من الأزمنة الزاهية لعمارتها. وإذا كان معظمنا يعرف أن مدينة مثل تومبكتو في مالي مبنية من التراب، فإننا نجهل أن أجزاء مهمة من قصر الحمراء أو سور الصين العظيم مبنية من التراب هي أيضا. من منا يعرف أن ناطحات السحاب الأولى في تاريخ البشرية بنيت من التراب في مدينة شبام في اليمن، والتي تدعى ظلما لهذا السبب مانهاتن الصحراء؟ من منا يعلم أنه بداية من سنوات الثمانينيات، ظهر اهتمام عالمي بالبناء بالتراب، فجره انطلاقا من إفريقيا المهندس المعماري المصري حسن فتحي، ليظهر في جميع القارات؟ من منا يعرف أن حركة التحديث الواسعة للعمارة الترابية، والتي تمتد أساسا إلى العالم الغربي، بدأت من أكثر البلدان حداثة في العالم، ألا وهو الولاياتالمتحدة الأميركية؟ من منا يعلم أن هذه العمارة هي الآن أكثر من أي عمارة أخرى، متجذرة في النظرة المعاصرة للتقدم، وأن هذا هو السبب في أنه بعد أن كانت لفترة طويلة تعتبر عمارة الفقراء، فإنها اليوم تحظى باهتمام الأغنياء؟ وربما قليلون جدا منا من يعرف ذلك. وهذا المعرض هو مساهمة متواضعة لكشف النقاب عن هذه العمارة الخالدة، الخلابة بجمالها وعبقريتها ولكنها غير معروفة. وبعد معرض “أراضي إفريقيا وأماكن أخرى”، الذي أنجز في إطار المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني في الجزائر في عام 2009، فإن معرض “من تراب ومن طين” 2011 هو المعرض الكبير الثاني الذي تنتجه وزارة الثقافة حول موضوع العمارة الترابية. وهدفه الرئيسي هو جعل الجمهور الواسع يكتشف العمارة الترابية، وأبنية بهدف التحسيس بأهمية التراث الجزائري المبني من التراب وضرورة الحفاظ عليه.