بقي الغموض يكتنف قضية تسريبات بكالوريا 2016، وبعد ستة أشهر من التحقيق وأزيد من 10 ساعات من محاكمة 4 متهمين في القضية، لم تتوصل محكمة الجنح بسيدي امحمد إلى الطريقة التي سرّبت بها مواضيع البكالوريا في ظل غياب أدلة مادية كافية تثبت تورّط الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات بالعاصمة في فضيحة مست الأمن القومي وتعد الأولى من نوعها في الجزائر. وأجمعت هيئة الدفاع المتأسّسة في القضية على ضعف أداء التحقيق القضائي الذي أشرف عليه عميد قضاة التحقيق بمحكمة سيدي امحمد بسبب السرعة في اجراءات التخلي عن الملف للجدولة مباشرة بعد صدور الخبرة التقنية، والتي كانت سلبية ولم تقدم دليلا في حق المدير العام لمركز الطبع بالقبة ومفتشين في مادة الفيزياء والذين اقتصر عليهم الإتهام رغم وجود تسريبات في مواد أخرى. وفي ظل غياب أدلة علمية محضة، ربط المحامي مصطفى بوشاشي القضية بخلفيات سياسية محضة هدفها تحطيم قطاع التربية أو تنحية مسؤول معين في اشارة إلى نورية بن غبريط،وأضاف بوشاشي في مرافعته "هناك أشخاص من القوة السياسية يأخذون مواد من طرود امتحانات البكالوريا" مشيرا أنها "عملية مقصودة". من جهته، كشف "م.محمد.أمين" المدير العام لمركز الطبع التابع للديوان الوطني للمسابقات والامتحانات بالقبة أن ممثلين من وزارة التربية قارنوا بين الأسئلة المصوّرة في القاعة والمنشورة على صفحات الفايسبوك وكل المرافق الموجودة في الديوان ولكنها لم تتطابق بأي شكل من الأشكال، ولكن الوزارة لم تحرّر محضرا رسميا بذلك، على حدّ ما أكدته قاضي الجنح. وأكّد المدير العام لمركز الطبع أنه قام بحجز 160 جهاز إعلام آلي ومختلف لواحقه من العمال في المركز، وذلك لضمان سريّة المواضيع بعد اختيارها ومرورها على لجنة القراءة، مشيرا أنه من وضع تلك الأجهزة تحت تصرّف مصالح الدرك الوطني. أما بخصوص جهاز الإعلام الآلي الذي ضُبط بحوزة المتهم "ق.لخضر" فقال أنه رخّص له شفهيا بإدخال الجهاز خلال الفترة ما بين 12 و13 ماي وذلك في مرحلة قراءة الموضوع، مبرّرا ذلك بضرورة اعادة مراجعة موضوع الفيزياء حتى لا تكون فيه أخطاء يتحمّلها مفتش المادة. كاميرا المراقبة تفضح أحد الأعوان وأجزم مدير مركز الطبع أن عملية تسريبات بكالوريا 2016 لم تكن من الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات، رغم توقيف "ع .عبد المالك " أحد الأعوان وبحوزته موضوع للتسيير والاقتصاد اخرجه من المطبعة وأخفاه بإقامته حسب ما اظهرته كاميرا المركز، لكن المدير أكّد أن حيازة الموضوع لا تعني بالضرورة تسريبه لغياب وسائل الاتصال موضحا أن العامل المذكور خالف تعليماته التي تقضي بدخول أي شخص للمطبعة مهما كان، موضحا أنه حتى في حالة مرض العامل الموجود داخل المطبعة فإنه ممنوع من الخروج ويدخل إليه الطبيب بمرافقة شرطي ومسؤول العلاقات الخارجية. وأشار مدير مركز الطبع، أنه عمل على تركيب أجهزة تشويش جديدة في المركز وكاميرات مراقبة وشبابيك على النوافذ تفاديا لحصول أي عملية تسريب. وخلال التحقيق، قام رجال الدرك الوطني بنسخ المواضيع الموجودة في الأجهزة المحجوزة من مفتش مادة الفيزياء ومطابقتها مع المواضيع محّل النشر، حيث تطابق بعضها تطابقا كليا وأخرى جاءت غير مطابقة فضلا على وجود مواضيع مماثلة، على حدّ ما جاء في تقرير الخبرة. أما المتهم "ع .عبد المالك" عون مندوب للعمل داخل المركز لمدة خمس سنوات فأنكر نيته في تسريب الموضوع الذي ضُبط معه وقال انه كان سيستعلمه في اعداد حوليات البكالوريا. من جهته، أوضح "ي .نجيب" مفتش في الفيزياء أن عملية التحضير لامتحانات البكالوريا تتم في مكان معزول ومغلق يتمثل في عمارة تتكون من أربعة طوابق مزوّدة بأجهزة التشويش على الهواتف، موضحا ان امتلاك المفتش لجهاز كمبيوتر لا يشكل خطرا ما دامت خدمة الانترنيت منعدمة تماما في المكان، مشيرا أنه يتم تسجيل الموضوع المختار على جهاز الكمبيوتر بعد كل تعديل يطرأ عليه من أجل تسهيل استرجاعه في حال حصول عطب، موضّحا أن كل موضوع يكون به أخطاء ولا يمكن تصحيحه دون برمجيات إلكترونية خاصة ما تعلق بالرسومات البيانية والأعمدة. تسريب المواضيع تم بعد عملية الطبع وأكد المفتش التربوي "ي.نجيب" أن الموضوع المسرّب هو الموضوع المطبوع على ورقة "A3" وليس الموضوع المعّد من طرف المفتشين على ورقة "A4"، بمعنى أن الترسيب وقع بعد عملية الطبع. للإشارة فإن الخبرة أكدت ان جهاز الكمبيوتر الخاص بالمفتش " ي .نجيب" لم يتم الاتصال عبره بالانترنيت، أما الة التصوير التي ضبطت بحقيبته فقال انها ترافقه في كل سفرياته، اما المفتش في الفيزياء "ق.لخضر" الذي ضبط بحوزته قرص مضغوط فقال انه يحمل كتبا وحوليات تساعد في اعداد المواضيع والتأكد انها لم تبرمج قبلا. مسؤول خلية متابعة الامتحانات خارج المركز يسقط التهم عن الديوان استمعت قاضي محكمة الجنح إلى ثمانية شهود اهمهم "ب .مصطفى" مسؤول الخلية المركزية لمتابعة الامتحانات خارج المركز ، الأخير أكّد أن مركز الطبع المذكور عمره 20 سنة،ويعرف كل سنة ادخال اجراءات تأمينية جديدة، وهو ما يناقض ما جاء في التقرير الذي عاين وجود نوافذ بدون شبابيك، انعدام الاجراءات التأمينية للمواضيع والتصاق مرآب السيارات بباب دخول العمال. مراكز التوزيع مشتبه فيها ولمّح المتهمون إلى احتمال حصول التسريب من مراكز توزيع التي بلغت 365 مركز توزيع على المستوى الوطني، وهي مؤسسات كانت تحفظ بها أكياس المواضيع بحراسة شرطيين وموظف من مديرية التربية، قبل أن تأخذ إلى مراكز إجراء الامتحانات. ولم يجد مسؤول الخلية المركزية لمتابعة الامتحانات خارج المركز، تبريرا لواقعة التسريب، ولكن أكّد أن الخلل موجود في مكان ما خارج ديوان المسابقات والامتحانات، وهو ما لم يكشف عنه التحقيق ما يهدّد بسيناريو مماثل خلال السنوات المقبلة.
تأسس الوكيل القضائي للخزينة العمومية ممثلا لوزارة التربية الوطنية التي غاب ممثلها طرفا مدنيا في القضية، فيما أكد وكيل الجمهورية ان القضية ضربت مصداقية الدولة وإطارات ووزارة التربية والديوان وكل اطارات الجامعية في الجزائر،ملتمسا توقيع عقوبة سبع سنوات في حق "ع.عبد المالك" وأربع سنوات في حق بقية المتهمين فيما تأجل النطق بالحكم إلى جلسة 21 نوفمبر.