احتجاجات وغضب عارمة ضد غلاء المعيشة والبطالة وأزمة السكن استقبلت الجزائر عام 2011 على صفيح ساخن أشعل فتيله شباب ثورة «الزيت والسكر» الذين اقتحموا شوارع العاصمة معبرين عن جام غضبهم نتيجة انهيار القدرات الشرائية للمواطن في مقابل غلاء فاحش لأهم المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، فاندلعت شرارة الاحتجاجات الشعبية من رحم الأحياء الأكثر الشعبية بالعاصمة كحيي باب الوادي وبلكور في خامس أيام السنة الميلادية الجديدة، حيث لم تمر ساعات حتى انتقلت عدوى الاحتجاجات ليمتد لهيبها إلى بلديات عديدة من الوطن. وقد تزامنت ثورة «الزيت والسكر» التي قادها شباب غاضب وحركتها الظروف المعيشية الصعبة، وغذتها سياسات محلية متجاهلة ومضاربات منتجي وموزعي المواد الغذائية المستفزة للقدرة الشرائية للمواطن البسيط مع ثورة تونس، حيث وفي ظل الظروف الإقليمية السائدة تنبأ كل مجتهد بأن الجزائر على موعد مع ثورة من الثورات المرسومة على خارطة الطريق المعدة من أجل ما يسمى بالربيع العربي، لكن خابت كل التوقعات والقراءات وتيقن كل المتابعين بأن الأمر يتعلق بجملة من المطالب الاجتماعية التي لم ترتق لمطالب سياسية، كما حدث بالنسبة لشباب ثورات تونس، مصر وليبيا أو ما يناشده الشباب السوري واليمني. العاصمة في 2011 كانت على موعد مع احتجاجات بالجملة لم تكاد تخلو بلدية أو حي من أحياء العاصمة خلال سنة 2011 من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي رفعت شعارات اجتماعية منددة بالوضعية المعيشية ومطالبة بتحسينها، حيث شكلت مواضيع السكن، البطالة وغلاء المعيشة القطرة التي أفاضت كأس المتظاهرين والمحتجين في مناسبات عديدة ومستمرة، ولكن يبقى الشهر الأول من سنة 2011 أكثر فترة حافلة بالاحتجاجات من حيث كثافتها وثقلها، نتيجة تزامنها مع ظروف إقليمية معروفة ونتيجة أساليب التعبير المنتهجة المرفوقة بأعمال التخريب التي استهدفت الممتلكات العامة والمباني الحكومية، حيث لم تسلم من أعمال التخريب والحرق حتى المدارس، كما مست أعمال الشغب المحلات والشركات المتواجدة بالعاصمة. كما شكلت الاحتجاجات بالنسبة للمواطنين الوسيلة الأنجع لفرض انشغالاتهم على طاولة المسؤولين المحليين في الوقت الراهن، حيث حفلت بلديات العاصمة بجملة من الاحتجاجات والمظاهرات المتفرقة في الزمان والمكان، بلجوء المحتجين على قطع الطرقات وإضرام النار في العجلات المطاطية وإطارات السيارات، فضلا عن الاعتصام أمام مقار البلديات، كما هو الشأن ببلدية الرويبة شرق العاصمة، أين استغل حوالي 1200 مستفيد من قطع أرضية بحوش الرويبة، المرجة، كادات والمرجة الظروف لمحاصرة مقر البلدية وقطع الطريق مطالبين برخص البناء بعد صمت دام أكثر من عشرية من الزمن، وهو ما لجأ إليه سكان أحياء الكثبان بالمحمدية، باب الزوار وباش جراح وغيرها من بلديات وأحياء العاصمة حيث تشابهت المطالب ووسائل المطالبة بها. .. «السكن» القنبلة الموقوتة بيد رؤساء البلديات سبب تفجر الاحتجاجات بالعاصمة شكلت عمليات الترحيل التي شرعت فيها بلديات عديدة على مستوى العاصمة خلال النصف الأول من سنة 2011 الفتيل الذي أشعل كثيرا من الاحتجاجات وأعمال الشغب والتخريب في عديد المناسبات، أين تحول أمر توزيع الحصص السكنية بمثابة القنبلة الموقوتة بيد رؤساء البلديات وفرصة الشباب الغاضب لتفجير سخطه على المسؤولين المحليين نتيجة عدم استجابتها للطلب الكبير من جهة، وبسبب رفض بعض المستفيدين بأحياء العاصمة التوجه إلى الجهات المرحلين نحوها كما حدث مع قاطني حي ديار الشمس بالمدنية الذين رفضوا الانتقال إلى السكنات المشيدة ببئر توتة، وسكان حي الكاريار بباب الوادي الذين رفضوا التوجه إلى سكناتهم بعين النعجة، الأمر الذي تسبب في حدوث معارك طاحنة متواصلة بينهم وبين سكان الحي بعد إقامتهم به، كما لم تختلف مشاهد الاحتجاجات من بلدية إلى أخرى، حيث كان فيها رؤساء البلديات المستهدف الأول من جملة الاتهامات المرفوعة من جانب المحتجين. حيث وأمام الاحتقان الشعبي الذي شهدته بلديات العاصمة خلال سنة 2011 لم يجد المسؤولون المحليون من سبيل إلا بإلقاء المسؤولية في ملعب الولاة المنتدبين بصفتهم المشرف الأول على ملف السكن، كما تعالت أصواتهم متنصلين بمسؤوليتهم فيما حدث، حيث أرجع العديد من رؤساء المجالس الشعبية المنتخبة سبب فشل وتعطل العديد من المشاريع التنموية إلى الوصاية بسبب العراقيل الإدارية، خاصة فيما يتعلق بموضوع السكن، ونقص العقار وغيرها من الأمور التي كانت نتيجتها تفجر الغضب الشعبي، وفي المقابل وفي خضم زخم الاحتجاجات اتهم مؤخرا والي الجزائر العاصمة رؤساء البلديات باستغلال الظرف الحساس الذي تمر به الجزائر لشن حملة انتخابية مسبقة بسبب تحول البلديات إلى المستهدف الأول من غضب الشارع. «الانتحار» ماركة مسجلة باسم سنة 2011 كان لاشتعال أسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك خلال الثلاثي الأول من سنة 2011 أثر على الطبقة المتوسطة والفقيرة، أين لجأ عدد من أفرادها كرد فعل منهم على غلق أبواب المسؤولين المحليين في وجوههم وتأزم ظروفهم المعيشية إلى الانتحار بإضرام النار بأجسادهم، في تقليد للظاهرة «البوعزيزية»، بائع الخضار التونسي، حيث سجلت بعض أحياء العاصمة حالات كثيرة من محاولات الانتحار الفردي، وحتى التهديد بالانتحار الجماعي حرقا، كما حدث مع حوالي سبعة عشر عائلة تقطن بالحي الشعبي ديار الشمس ببلدية المدنية احتجاجا على السكن. عمار جفال: مدير مخبر الدراسات والبحوث بجامعة الجزائر 3 : «الاحتجاجات في 2011 أدت إلى هلع لدى صاحب القرار وإلى سباق بين الحكومة والشارع» اعتبر عمار جفال، مدير مخبر البحوث والدراسات بجامعة الجزائر 3، أن ما شهدته الجزائر من احتجاجات خلال سنة 2011 ليس بالأمر الجديد عما عرفته من عشرات الاحتجاجات من هذا النوع على امتداد السنين الماضية، مرجعا الحجم الكبير الذي أعطي لها كونها وقعت بالعاصمة، التي تحظى باهتمام إعلامي خاص، فضلا على أنها مست بعض المنشآت الحيوية، كما أضاف خلال الحديث الذي جمعه مع يومية «السلام» أن للظروف الإقليمية أثر في ذلك، حيث أوضح بأن الاحتجاجات أخذت طابعا محليا مجتمعيا تلقائيا وغير منظم، ولا يندمج ضمن رؤية سياسية كما حدث في تونس، حيث يمكن إعطاؤه قراءة سياسية ولكن لا يمكن أن نعتبره سياسيا. حيث أن الملاحظ أن المطالب لا تتجاوز سقف المطالب الاجتماعية التي لها علاقة بالأسعار وانهيار القدرة الشرائية. أما عن توجه المحتجين صوب البلديات قال محدثنا، إن الأمر راجع إلى غياب فضاء ثالث يحوي انشغالات المواطنين الذين ليس أمامهم سوى التعبير بالعنف أوعن طريق التزام الصمت، المتمثل في الحوار التشاوري والمشاركة في التسيير، حيث أرجع سبب ذلك إلى فشل المؤسسات التمثيلية الموجودة، لدرجة أن المواطن أصبح يشعر بأن المجلس المنتخب لا يمثل إلا نفسه ويعمل لمصلحة أعضائه. مضيفا أنه على امتداد العشريات السابقة لم يتم تطوير ما يسمى بالتنظيمات الوسطية التي تعتبر همزة الوصل بين المؤسسات الرسمية والمواطنين، كما تعد أداة ضغط واقتراح. من جانب آخر، لم ينف محدثنا أنه رغم أن الاحتجاجات كانت بسيطة وغير منظمة إلا أنها أدت إلى هلع لدى أصحاب القرار في 2011 بوتيرة لم تعرفها الجزائر من قبل وبعدد من الاستجابات غير مسبوق، حيث أن الستة أشهر الأولى من السنة تعتبر الأكثر كثافة في تاريخ الجزائر المستقلة من حيث الاستجابة إلى المطالب الشعبية، وهو ما شبهه بوجود نوع من السباق بين الشارع والحكومة. المحامية فاطمة بن براهم: «السلطات الأمنية تعاملت بحكمة مع المحتجين كما لم تستعمل الأساليب القانونية المخولة لها» اعتبرت المحامية بن براهم فاطمة، أن ما حدث في 2011 من احتجاجات شعبية وخاصة في بداية السنة لعبة أطفال، لأنه تم تحريكها من قبل قاصرين في كثير من الأحيان، كما أفادت بأن غياب تفعيل القوانين هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى حدوث هذه الاحتجاجات، محملة في ذات الشأن المسؤولية إلى المسؤولين المحليين أنفسهم، بسبب غياب الوعي بضرورة تطبيق القانون بصرامة ومن ثم الرقابة، كما هو الشأن بالنسبة إلى تحديد قوائم السكن، التي رأت بأنها تتم في كثير من الأحيان بطرق ملتوية، وهو ما يثير الشارع، مؤكدة في السياق ذاته أن ما هو حاصل في الجزائر العكس. ومن جانب آخر، أوضحت ذات المتحدثة أن السلطات الأمنية لم تتعامل مع المتظاهرين والمحتجين بالأساليب القانونية المخولة لها في مواجهة أعمال العنف والشغب التي حصلت، معتبرة بأن قوات الأمن قد تعاملت بحكمة مع المتظاهرين، مضيفة بأنه لم تتم محاكمة أي فرد من المحتجين الذين تم إيقافهم بتهمة إثارة أعمال الشغب، حيث تم إطلاق سراح الجميع والذي كان أغلبهم من الأطفال دون المرور على المحكمة، حيث توقفت الأمور عند حدود التحقيق معهم فقط.