تحتفل العديد من العائلات الشلفية بحلول السنة الأمازيغية الجديدة التي تصادف 12 جانفي من كل سنة، تستقبل فيه العائلات بحلول السنة الفلاحية الجديدة، والتي تقام فيه عادات وتقاليد وتسبق السنة الأمازيغية السنة الميلادية ب950 سنة، وتسبق السنة الهجرية ب1529 سنة، وذلك باعتبار السنة الهجرية بدأت عند هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وتسبق الإغريق ب174 سنة.كما أن احتفالات يناير هي احتفال بدخول السنة الفلاحية الجديدة التي تحتفل بها العائلات، لتمني سنة فلاحية ناجحة وكثيرة الخير والتضامن العائلي بينهم في كل الأحوال. الكسكسي بالدجاج رمز الاحتفالتستعد العائلات للاحتفال بتحضير عشاء يناير، أو ما يسمى بالأمازيغية «إيمنسي أن يناير»، وعادة ما تحضر العائلات طبق «كسكسي بالدجاج». ويبدأ التحضير بشراء دجاجة حيَة، يذبحها الأب بحضور العائلة وتقوم الأم بنزع الريش وتقشير الخضر كالخرشف واللفت ومسحوق الفلفل الأحمر وكل المستلزمات، وشراء الفواكه لكي يكون العشاء مكتملا، ويقدم الطبق لكل أفراد العائلة الذين يجتمعون على مائدة مستديرة، وهناك عائلات تقوم باستدعاء بعض الأقارب لدوام المحبة على مدار السنة وكذا التضامن العائلي في السراء والضراء، ويكون هذا اليوم مميز مقارنة بالأيام الأخرى. وبعد تناول طبق الكسكسي يحضر الشاي والكاوكاو وبعض الحلويات لكي تكون السنة طعمها كالحلوى والسكر، حيث يجتمع كل الأقارب في شرب الشاي والسهر والحديث والضحك، وتكون هذه السهرة حميمية جدا، حيث يسود جو من التآخي، وعادة ما تدوم السهرة إلى غاية منتصف الليل. وضع الحناء والاستماع لحكاية الغولة ولكي يكون هذا اليوم راسخا في أذهان الأطفال الصغار وكذا الكبار، تقوم الجدات والأمهات بتحضير الحناء، حيث تشترى هذه الحناء من المحلات على شكل ورق وليس مسحوق، وذلك قبل يومين أو ثلاثة أيام من رأس العام الأمازيغي. وتقوم الأم بسحقها في المنزل أمام بناتها، وهي عادات تعطى لكل البنات لكي تبقى عادة لكل الأجيال المتعاقبة، وبعد الانتهاء من تناول العشاء وإعداد الشاي، تقوم الأم أو الجدة بتحضير مستلزمات الحناء في غرفة أخرى، ويكون ذلك على الساعة التاسعة إلى العاشرة ليلا، وتوضع الحناء في صحن كبير مع قليل من الماء مع التحريك، ثم توضع في أيدي الصغار الذكور، أمَا الإناث فيضعن في الأيدي والأرجل ويذهبن مباشرة إلى الفراش للنوم، وبعد وضع الحناء، تقوم الجدة بسرد حكايات وقصص للأحفاد وعادة ما تكون خيالية، ولكن لها أفكار ومعان وحكم كثيرة على غرار «بقرة اليتامى»، وقصة «بلعيطوش وجدة الغولة» وقصص أخرى، بالإضافة إلى ألغاز وبوقالات.وإذا تحدثنا عن رأس السنة الامازيغية فإنه من المعلوم أنه يتم العمل في الجزائر بتقويمين أساسيين هما: «التقويم القمري» و»التقويم الشمسي»؛ كما يتم العمل، ضمن التقويم الشمسي، ب»التقويم الڤريڤوري» وب»التقويم اليولياني»، وغيرها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف هذه التقويمات وكذا مختلف اليوميات والتقويمات المعتمدة في الجزائر سيتبين أن لدينا التقويمات التالية التي توافق هذه السنة ما يلي: سنة هجرية (1433ه)، سنة ميلادية (2012م)، سنة رومية - فلاحية (2322 ر.ف.)، سنة فلاحية أمازيغية (2962أ)، لكن، تجدر الإشارة إلى أن السنة الفلاحية الأمازيغية؛ التي توافق فاتح يناير منها يوم 14 يناير من السنة الميلادية وفق التقويم الڤريكڤوري المخالف للتقويم الميلادي اليولياني؛ هي تقويم شمسي - فلاحي ويخضع لتعاقب منتظم لفصول السنة وتغيرات الطبيعة المستمرة نتيجة فعل دوران الأرض حول الشمس. إنها الدائرة المنتظمة للدورة الطبيعية للسنة وللأشغال الفلاحية، الدائرة التي لا يمكن بدونها ضبط الدورات الفلاحية بسهولة. وبذلك يمكن القول بأن خصوصية هذا التقويم الفلاحي، العريق في الزمن التاريخي، هو بمثابة الأساس لتنظيم الزمن عند الفلاح. وفي ما يتعلق بالحدث الذي اتخذ كمرجعية للتأريخ ل»السنة الأمازيغية» أي بداية ل»التقويم الأمازيغي» تجدر الإشارة - هنا أيضا - إلى أن تقاويم معظم الشعوب والحضارات الإنسانية هي عبارة عن مواضعات تستند إلى توافق لم ينل دائما قبول كل الواضعين لجذره وكل المعنيين بهذا التأريخ أي بداية التقويم. ففي السبعينيات اتخذ حدث وصول ششناق «الأمازيغي»، سنة 950 قبل الميلاد، إلى هرم السلطة المصرية الفرعونية بداية للتقويم الأمازيغي. وفي ما يتعلق بتوقيت ومدة الاحتفال ب»ئض ن ينّاير» فإنه يوافق منتصف ما يسمى في «التقويم الفلاحي الأمازيغي» ب»ليالي مقّورن» أي «ليالي لكبيرة» والتي تبدأ يوم 25 ديسمبر «الميلادي- الڤريڤوري» وتدوم 40 يوما وتسمى «ليالي لكبيرة» مقارنة ب»ليالي حيان» أو «ليالي صغيرة» التي تدوم 7 ليال و7 أيام. وبذلك يعتبر «يوم 14 يناير الميلادي الڤريڤوري» هو «فاتح السنة الأمازيغية» و»ليلة 13 من يناير الميلادي الڤريڤوري» هي «ليلة رأس السنة الأمازيغية». أما لماذا يتم الاحتفال بليلة السنة الأمازيغية من طرف البعض ليلة 11 أو ليلة 12 أو ليلة 13 من يناير الميلادي الڤريڤوري، فمرد ذلك يعود إلى كون مدة الاحتفال في الأصل كانت تدوم من 3 أيام إلى سبعة أيام (حيث يدوم الاحتفال 3 أو 4 أو 5 أو 7 أيام) ووفق الإمكانيات البيئية والأسرية في تمديد الاحتفال للقيام بكل الطقوس التي تستلزمها المناسبة. ففي الشلف على سبيل المثال تم تسجيل تراجع مدة الاحتفال من 3 أيام إلى يوم واحد، بل واختفاؤه في فترات أو في بعض المناطق أو المدن. أما في ما يخص طقوس الاحتفال ب»رأس السنة الأمازيغية» فيمكن التمييز بين «طقوس تحضيرية» و»طقوس تطهيرية» و»طقوس تغذوية» وبين «طقوس صيدلية» و»طقوس تجميلية» و»طقوس رمزية». فكما هو الشأن بالنسبة لكل احتفال يتم التحضير ماديا ومعنويا وفي جو يجمع بين مظاهر الحزن المتمثلة في مصاحبة الطبيعة في موتها في زمن «انقلاب الشمس الشتوي» وبين مظاهر الفرح المتمثلة في العمل على التأثير في الطبيعة لتكون السنة الفلاحية الجديدة خصبة؛ في انتظار حلول فصل الربيع، حيث تقام «طقوس الخصوبة» بمناسبة «الاعتدال الربيعي» حيث يتعادل الليل والنهار. أما «الطقوس التطهيرية» فتتجلى في ما يتم القيام به من أجل التخلص مما هو قديم وكسب أشياء جديدة بديلة لتلك التي تم التخلص منها تيمنا أن تساهم في الحصول على كل ما من شأنه أن يجعل ما سيأتي أكثر حظا وسعادة. أما «الطقوس التغذوية» فتتجلى في مختلف التمثلات والممارسات المصاحبة لأنواع الأكلات التي تُهيأ بالمناسبة والتي تتوزع على عدة أيام، وقد تراجعت اليوم إلى إعداد أكلة واحدة في «ليلة رأس السنة الأمازيغية». إن تهيئة تلك الأكلات كان وفق جدولة زمنية تراعي عملية مرافقة الطبيعة في «موت الأرض وانبعاثها من جديد» في بداية السنة الجديدة، خاصة وأن «ليلة رأس السنة الأمازيغية» «توافق» أطول ليلة في السنة على الإطلاق وبعدها سيبدأ الشروع في امتداد طول النهار وقِصَر الليل على موعد أن تكون مناسبة «لعنصرا»: زمن «انقلاب الشمس الصيفي» تتم «طقوس الماء». وهذه المناسبة «توافق» أطول يوم في السنة على الإطلاق وبعدها سيبدأ الشروع في امتداد طول الليل وقصر النهار إلى حين تعادلهما بمناسبة «الاعتدال الخريفي»، حيث كانت تقام «طقوس النار» وبعدها يطول الليل ويقصر النهار إلى حين إتمام «الدورة الطبيعية» بعودة «انقلاب الشمس الشتوي» من جديد ويتم الاحتفال من جديد ب»ليلة السنة الأمازيغية الجديدة». بصدد «الطقوس الصيدلية» تكفي الإشارة إلى أن الأدوية المهيأة هذه الليلة (ليلة رأس السنة الأمازيغية)؛ انطلاقا مما يتم قطفه من نباتات وأعشاب طبية معروفة بعينها تتوارث معرفتها أجيال عن أجيال؛ تعتبر ناجعة، وطيلة السنة. وأما بصدد «الطقوس التجميلية» فتكفي الإشارة أيضا إلى أن خضب الحناء واستعمال الكحل هذا اليوم هو ممارسة عامة أثناءه، وتمتد هذه الممارسة إلى بعض الرجال الذين يبررون مشاركتهم النساء في تلك الممارسة في مرجعية دينية مستندة إلى حديث نبوي. وفي ما يخص «الطقوس الرمزية»، فيمكن أيضا الاقتصار على «الطقوس التنشئوية الثقافية والاجتماعية»، أي تنشئة الأطفال على الموروث الثقافي والاجتماعي. هذا وقد عرف الاحتفال ب»رأس السنة الأمازيغية» تراجعا ملاحظا، بل وبدأ اختفاؤه في فترات أو في بعض المناطق، في الوقت الذي يرى البعض ان الاحتفال ب»رأس السنة الأمازيغية» «عيدا للفلاح» ورد الاعتبار لثقافة الفلاح وربطه أكثر بالطبيعة وب»الفلاحة البيئية».