تعد الأسرة والمدرسة من أهم المؤسسات التي تتولى مسؤولية التنشئة الاجتماعية للفرد, حيث تحرص الإجراءات التربوية الحديثة على توطيد العلاقة بين هاتين المؤسستين على اعتبار أنهما تلعبان دورا تكامليا في تربية الطفل وتعليمه, ولكن ما يحصل أن العديد لايزالون لا يدركون أهمية التواصل بين الأسرة والمدرسة وإن توفرت الوسائل لذلك. في زمن مضى كانت المدرسة تعتبر عند العديد من الأولياء هيئة إدارية معزولة عن الوسط الذي يعيش فيه التلميذ, حيث تقتصر مهمتها على التعليم فقط, كما لا يحاول البعض معرفة ما يجري في حياة التلميذ ولا يقفون أو يحللون التصرفات والسلوكات التي تصدر منه, ولا حتى العمل على معالجة المشاكل التي يواجهها, كما أن أولياء الأمور كانوا قليلا ما يقصدون مدارس أطفالهم إلا في حال استدعائهم للضرورة القصوى حسب شهادة الكثيرين, تقول فتيحة 45 سنة: «لم نكن نحظى باهتمام كبير من آبائنا, كما هو عليه الحال اليوم, نخاف الأستاذ كثيرا ,فإذا التقينا به في الطريق نغيره خجلا منه, ولم يخطر على بال أحد أن يبادر بطرح مشاكله أمام أستاذه, فمهمة البعض تقتصر على التعليم فقط», وهو نفس ما أكده محمد 33 سنة في قوله: «كان بالكاد أولياؤنا يقصدون مدارسنا نتيجة انشغالاتهم الكثيرة وحتى كان من لا يعرف المستوى الذي يدرس فيه ابنه,أما الآن فنشهد وعيا كبيرا لدى الأولياء بدراسة أطفالهم». صحيح, أن درجة الاهتمام والتواصل بين المدرسة والأسرة كانت أقل مما هو عليه اليوم, ولكن هذا لا ينفي اهتمام المدرسة في زمن سابق بتلاميذها ومحيطهم الأسري, ولكن أغلب محدثينا أجمعوا على أنه لم يكن هناك مستشارون نفسيون واجتماعيون يعملون بالتنسيق مع تلاميذ المدارس كما هو عليه الوضع اليوم. دفتر المراسلة أداة فعالة تشهد إهمالا عملت الأساليب التربوية الحديثة على زيادة التعاون بين المدرسة والأسرة من أجل خلق نوع من التكامل بينهما لإعداد فرد صالح اجتماعيا, فكان على المدرسة رغم أن دورها الأول هو التعليم أن توثق صلتها بمحيط الطفل العائلي لتصبح أداة فاعلة في توجيهه, لذا استحدثت بعض الطرق من أن تكون أسرة الطفل على دراية ومتابعة مستمرة بما يقوم به التلميذ خلال تواجده في المدرسة سواء ما تعلق بنتائجه المدرسية أو الملاحظات المسجلة بشأن تحصيله العلمي وسلوكاته التي يجب أن تسجل أول بأول فيما يعرف بدفتر المراسلة الذي يعد وثيقة اتصال هامة بين المدرسة والبيت, ولكن يشهد إهمالا من بعض المعلمين والأولياء على حد سواء حسب ما رصدناه خلال استطلاعنا للموضوع, حيث يجمع أولياء التلاميذ أن دفتر المراسلة هو أول ما يقدم خلال بداية كل موسم دراسي, ولكن في الحقيقة تم التأكيد لنا أن من التلاميذ من لم يحصلوا إلى يومنا على ذلك الدفتر رغم مضي فصل كامل من الدراسة, أما من حصلوا عليه فهو فارغ ولا تملأه إلا بعض التراخيص بالدخول نتيجة بعض الغيابات, اقتربنا من بعض الأولياء لنقف على مدى وعيهم بأهمية هذه الوثيقة المدرسية فاعترفت لنا نسيمة أنها لا تراقب دفتر المراسلة الخاص بابنها الذي يدرس بالطور المتوسط, ولكنها لا ترجع ذلك إلى إهمالها, بل إلى خلوه من أي ملاحظة أو علامة, تقول: «من المفروض أن دفتر المراسلة يضم نتائج التلميذ أول بأول سواء كانت اختبارات أو فروض أو حتى استجوابات, كما أن الدفتر يمكن أن يكون وسيلة استدعاء, ولكن دفتر ابني فارغ وبالكاد يضم نتائج بعض المواد الخاصة بامتحانات الفصل الأول», هي نفس الملاحظات التي أبداها بعض الأولياء ممن وجدوا في ذلك وسيلة للتملص من مسؤولية الاتصال بالمدرسة بغية الوقوف على الوضع الدراسي والسلوكي للتلميذ, في حين وجد آخرون طرقا أخرى لمراقبة أبنائهم من خلال تقديم رقم الهاتف الشخصي لكل أستاذ, تقول نصيرة: «بالنسبة لي, دفتر المراسلة لا يقوم بالغرض, لذا اضطررت لترك رقم هاتفي لكل أستاذ حتى يتصل بي عندما يواجه أي مشكل مع ابني, وبالفعل كان يتصل بي أستاذ الفرنسية طالبا تفسيرا عن التقهقر في المستوى الدراسي الذي آل إليه ابني, ولولا ذلك لما كنت على علم بالأمر إلى غاية ظهور النتائج الكارثية». بعض الأساتذة من جهتهم يبررون عدم ملء دفتر المراسلة إلى كثرة انشغالاتهم بعملية التدريس, ولا يملكون الوقت لكتابة النتائج والملاحظات في الخانات إلا في حالة أخذها إلى البيت, وفي نفس السياق تقول بوخمخم أستاذة في اللغة العربية بإكمالية محمد لونيس بجسر قسنطينة: «القانون يوجب على الأستاذ ملء دفتر المراسلة, ولكن كثرة الالتزامات هي المانع», أما التلاميذ بدورهم فقد كشفوا أن بعض الأساتذة لا يطلبون دفتر المراسلة إلا في فترات متباعدة خلال العام الدراسي أو عند المراقبة أو بطلب من المدير نفسه, وهذا ما جعل بعضهم يضيعه شهورا بعد الحصول عليه, خاصة بعد أن عوضت بطاقة الطالب ذلك الدفتر الذي لايزال وسيلة بعض التلاميذ في الدخول إلى المؤسسة التعليمية. ولما كان على الأسرة أن تبقى على اتصال بالمدرسة وتتعرف على برامجها لتحاول أن تعمل بالموازاة معها في إنجاح البرامج التعليمية وتسطير النشاطات الترفيهية للتلاميذ تم اعتماد بعض التنظيمات التي زادت من درجة الاتصال بين المدرسة والأسرة من خلال ما يعرف بجمعيات أولياء التلاميذ التي كان من واجبها التواجد لمناقشة جل مشاكل التلاميذ والعمل على إيجاد الحلول سواء ما تعلق بحاجة بعض التلاميذ للتكفل المادي أو النفسي, وتنظيم بعض النشاطات التربوية والترفيهية للتلاميذ, ولكن تشهد الكثير من المدارس غياب اهتمام الأولياء بهذا التنظيم وأهميته بالنسبة للتلميذ, والدليل على ذلك قلة عدد الأولياء المنخرطين في الجمعيات التابعة للمؤسسات التربوية التي يدرس بها أطفالهم حتى أن تلك الاستدعاءات التي ترسل إليهم ترمى بمجرد الاطلاع عليها, يقول نورالدين تلميذ في الطور الثانوي: «تقدم لنا الإدارة مرة في السنة إستدعاء للأولياء لحضور اجتماعات جمعية أولياء التلميذ, ولكن أغلب التلاميذ لا يوصلون تلك الاستدعاءات, لكونهم يعلمون جيدا أن لا أحد سيحضر», في حي تؤكد أمينة قول أبيها «جمعية أولياء التلاميذ مثل هلال العيد لا تظهر إلا في بعض المواسم», ارتبط مفهوم جمعية أولياء التلاميذ بالدعم المادي فقط لدى البعض, في حين يقول رابح أحد أولياء التلاميذ الذي لطالما انخرط في جمعية أولياء التلاميذ: «إننا لا نطلب جمع المال إلا إذا أردنا مساعدة أحد من التلاميذ أو تنظيم بعض النشاطات الترفيهية أو حتى تكريم النجباء من التلاميذ والمتفانين من الأساتذة, ولكننا نعقد أحيانا اجتماعات طارئة مع الأسرة التعليمية لدراسة ملفات بعض التلاميذ فيما يتعلق بقرارات الطرد أو إعادة الإدماج الدراسي, فأي ولي أم له مشكل يمكنه طرحه من خلال هذه الجمعية. المراقبة تزيد عن حدها عند بعض الأولياء وإذا كان البعض من التلاميذ يشتكي قلة اهتمام الأولياء بشؤونهم الدراسية, تسير الأمور في الاتجاه المعاكس, وتزيد عن حدها أحيانا, حيث لا يمل بعض الأولياء من التوافد على مدارس أطفالهم والسؤال عن مستواهم ليس مع المعلمين فقط, بل حتى من الأصدقاء, مما يشكل ضغطا كبيرا على الطفل, قد يجعل بعضهم يكرهون رؤية آبائهم أمام باب المدرسة, تقول سميرة: «ابنتي تدرس في السادسة ابتدائي, أعمل على أخذها وإرجاعها يوميا, وبما أني ماكثة في البيت لا أجد مشكلا في ذلك, بل على العكس, أعتبر الأمر فرصة لمتابعتها والسؤال عن مستواها», أما مهدي فأصبح يرفض العودة للمدرسة لو وجد أمه خارجا تسأل زملاءه عن مستواه الدراسي أو سلوكه داخل القسم, يقول: «تأتي أمي بشكل يكاد يكون يوميا إلى مدرستي وتبدأ بالسؤال عني وهذا ما يزعجني كثيرا», هذا ويشتكي العديد من الأساتذة من عدم انتظام الأولياء في مراقبة أبنائهم, فأحيانا يهملونهم لشهور عديدة, وأحيانا أخرى يفرضون عليهم ضغوطا كبيرة, مؤكدين ضرورة التزام الأولياء بأيام الاستقبال التي تقررها كل مؤسسة. التعاون بين الأسرة والمدرسة ضرورة حتمية هذا ويؤكد بعض المعلمين أن المدرسة التي تكون ناجحة في تكوين أجيال المستقبل هي المدرسة التي تستطيع التواصل مع الأهل بغية تحقيق مصلحة الطفل, خاصة في المراحل الحساسة من عمره, ونقصد هنا سن المراهقة, أين يحتاج الأهل لمعرفة الكثير للتعامل معه بالطريقة السليمة, كما تحتاج المدرسة, إلى كل المعلومات التي تخص التلميذ خلال حياته اليومية, أي كل خصائص التلميذ الاجتماعية من أجل العمل على مساعدته في تحقيق نجاح لا يمكن أن يتم إلا باتفاقية شراكة حقيقية بين الأولياء والأساتذة.