عرفت ظاهرة الأمهات العازبات انتشارا خلال السنوات الأخيرة، حيث نجد فتيات أنجبن أطفالا بعد إقامة علاقات غير شرعية يحرمها الدين ويرفضها المجتمع ليواجهن فيما بعد مصيرا يجعل الكثيرات يتخبطن في الندم طوال حياتهن. تعتبر ظاهرة الأمهات العازبات غريبة عن مجتمعنا المحافظ والتي بدأت تعرف انتشارا فيه، وكثيرا ما يتملص الشاب من المسؤولية رغم أنه كان طرفا في علاقة تعدت حدود الشرع والأخلاق فيترك الفتاة وحدها في نفق مظلم تجهل كيفية الخروج منه، إذ لا تجد أغلبهن من حل غير الهروب إلى الشارع، فخديجة 28 سنة كانت إحدى تلك الفتيات تقول »بسبب معاملة أبي القاسية من خلال ضربه المبرح لي ولأخواتي الست حتى لأتفه الأسباب بالإضافة إلى عدم إنفاقه علينا، إذ كان يطردنا من البيت ويقول صرت لا أطيق رؤيتكن، فكرت حينها بالتعرف على شخص ما للهروب من هذه المشاكل فلم أجد غير صديق أبي الذي كان يعمل معه بإحدى الشركات والذي كان السبب فيما أنا عليه الآن«، وعن بداية قصتها معه، تروي لنا »سرقت رقم هاتفه من عند والدي واتصلت به، فطلب مني أن ألتقيه، فأخبرته حينها عن معاناتي، فقال من اليوم فصاعدا أنت تحت حمايتي ولن تحتاجي لشيء«، وعن وضعيتها معه تسرد »كنت مرتاحة ماديا ومعنويا معه«، وعن سؤالنا حول مقابل ذلك تجيبنا »كنت أحبه، لأنه وقف إلى جانبي وسد الثغرات التي كنت أعاني منها من قسوة ومعانات، فبرغبة مني كنت أواعده وكنت أمارس معه طقوس الحب عدا العلاقة الجنسية»، أما عن كيفية فقدانها عذريتها تضيف «بعد أن ارتحت له كثيرا طلب مني الذهاب إلى أحد الملاهي الليلية، أين كان الخمر بأنواعه حاضرا والرقص الماجن، اندهشت وارتابني خوف، لكنه طمأنني وقال هذا اليوم يومك، فانزعي كل المخاوف وانسي مشاكلك، وطلب مني أن احتسى الخمر فقبلت، حينها أحسست بدوار كبير ووهن فأخذني إلى شقة كان قد استأجرها وكنت شبه فاقدة لوعيي وهناك نال مني»، وعن ردة فعلها بعد صحوتها تقول «بكيت بشدة، لكنه وعدني بأنه لن يتخلى عني وعاهدت نفسي بأن أقطع علاقتي به، لكن حاجتي ازدادت، فعاودت اللقاء معه وكررت نفس الغلط إلى أن صرت حاملا فكانت الفاجعة الكبرى، أخبرته بذلك، فرفض وشتمني وطلب مني أن لا أهدم أسرته وأشتت أولاده، وأجبرني حينها على الإجهاض فلم أستطع«. خديجة هي اليوم تعيش مع ابنتها في منزل مستأجر بالعاصمة وتعمل كخادمة بأحد المنازل لسد حاجاتهما، أما عن وضعية ابنتها فتقول »لا ذنب لابنتي فيما تعانيه اليوم، فهي بدون أوراق تثبت هويتها«، كما تؤكد أنها تنصح كل فتاة بالرضى بمعيشتها في بيت أهلها مهما كانت. أما حورية 25 سنة هي الأخرى تحكي ما جرى لها، إذ صعب عليها الحديث معنا في البداية، كما بدت جد متأثرة بما حدث معها، لكنها استرسلت قائلة «كنت على علاقة عاطفية مع ابن عمي، خاصة وأن من عاداتنا أن يكون الحديث عن الزواج منذ الصغر، حيث يقول الأهل فلانة لفلان وبهذا كنت متأكدة من الزواج معه وكذا من حبه لي، لكن وفي أحد الأيام استغل فرصة غياب أهلي عن البيت ليغتصبني بدون رحمة وبعد ما عرفت أنني حامل أخبرته على الفور، فقال أن أمه رفضت خطبتي بعد هذا الجرم الذي ارتكبته في حق نفسي بالرغم من أنه خدعني ولم أكن راضية، ولما أصررت عليه ليتزوجني، هدد بفضحي، فهربت من البيت إلى سيدة عجوز تعيش بمفردها في العاصمة، أخبرتها بكل شيء، فقبلت أن أبقى معها حتى وضعت حملي وبعد ذلك رحلت من عندها وبنيت بناء فوضويا، وتضيف »واجهت حياة صعبة في مجتمع لا يرحم والذي أصبح ينعتني بكلام جارح وبألفاظ سوقية، لكنني أعتبر نفسي أما ذات شخصية وعقل لا يسمحان لي برمي ابني في الشارع أو أن أقدمه للبيوت للتكفل به«. حورية الآن تعيش مع ابنها في منزل قصديري، إذ تصنع الخبز والمحاجب لسد حاجياتهما، أما عن حالة ابنها فتقول »أنا المذنبة، فقد جعلت ابني مجهولا لا هوية له، فكرت، لكنني يئست ولم أعرف ما الحل، وأنا نادمة ندما شديدا، لأنني خسرت كل شيء، أهلي وشرفي وحتى ابني سببت له مشاكل ،وأنا أفكر حين يكبر كيف أجيبه عن أوراقه، فأنا هدمت مستقبلي ومستقبل ابني«. الفقر والجهل عاملان يدفعان بعض الفتيات إلى الانحراف ترجع بعض الأمهات العازبات أسباب تصرفاتهن الخاطئة والتي يرفضها الدين والمجتمع إلى الفقر والجهل، فليلى 18 سنة إحدى الأمهات العازبات اللواتي يعانين من الفقر المدقع، إذ تقول »عائلتي متكونة من خمسة أفراد وأبي عاجز عن العمل وهذا ما جعل عائلتي تعتمد علي في كل شيء، فلم أجد من سبيل سوى الانقطاع عن الدراسة والخروج مع الشباب وإقامة علاقات جنسية للحصول على المال، وبالرغم من أنني كنت أتناول حبوب منع الحمل، إلا أنني حملت وهذا ما دفعني للخروج من البيت، أنجبت ابني عند إحدى النساء وبعد أسبوع هربت وتركته أمام باب العمارة«. ليلى تعيش اليوم مع عائلة في العاصمة وهي تعمل بأحد مصانع البلاستيك، وعن سؤالنا عن عاطفتها تجاه ابنها، تقول »أنا على اطلاع بأخبار ابني وأعرف أنه يعيش في ظروف جيدة وهذه العائلة ليست بعيدة عن المكان الذي أعيش فيه، فأنا لا أستطيع أن آخذه، لأنه يعيش في أحسن الظروف، لكنني أبكي على ما جرى لي وأتألم داخليا، لكن لا أحد يدري«. هذا وقد تختلف قصصهن من حالة لأخرى حسب اختلاف الظروف الاجتماعية والمادية، فأمينة 20 سنة، أم عزباء لطفل يبلغ من العمر خمس سنوات، تقول أنها تعرفت على شاب أحبته، ثم أقامت معه علاقة خارج إطار الزواج لتكون النتيجة الحمل. وعن تفاصيل ما حدث لها، تقول »ذهبت عند صديقتي، إذ تسترت عني ولما ظهر بطني طردتني أمها وضربت ابنتها، لأنها تسترت عني فخرجت في الصباح إلى العاصمة وعرفني رجل بامرأة مثل حالتي تقطن بأحد المباني الفوضوية، فقبلت أن أكون معها وساعدتني كثيرا فبنيت بقربها هذا المسكن الفوضوي الذي أعيش فيه«. وعن مستقبل ابنها تقول »ضاع مستقبله ولا أستطيع أن أغير شيئا من واقعي«. رأي القانون في الأمهات العازبات تقول الأستاذة »فوزية عزي«، محامية أن الأم العازبة في الواقع ليس لها أي حق لإثبات نسب ابنها، فمادامت العلاقة غير شرعية، فالإبن يكون غير شرعي طبقا للمادة 40 من قانون الأسرة والتي تنص على تثبيت النسب بالنكاح الشرعي أو المشبوه، وتضيف الأستاذة عزي أنه قد يتم تثبيت النسب بالتحاليل الطبية، ولكن رحمة بالأم يكون اجتهادا قانونيا، أما إذا كانت الأم قاصرا في هذه الحالة الأب يكون مجبرا على تحمل المسؤولية بتسجيل الإبن والزواج منها باعتبار أن القانون يحمي الأحداث وإن رفض ليس له خيار غير السجن . وعن استفسارنا عن كيفية إثبات الإبن تقول محدثتنا بأنه يتم تثبيت الزواج بأثر رجعي وذلك من شهر وقوع العلاقة بينهما ويعقد لهما بنفس تاريخ وقوعها ويتم ذلك عن طريق المحكمة، كما قد يثبت النسب بالتحاليل الطبية وهذا بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه. وتؤكد المحامية عزي أن الأمهات العازبات نتيجة زواج عرفي لهن الحق في إثبات نسب أبنائهن، فالقانون يسمح لهن بتثبيت الزواج العرفي على أساس إحضار الشهود الذين حضروا يوم الزواج العرفي حتى ولو لم يعترف الزوج بهذا الزواج فيكون العقد المدني بأثر رجعي ليوم الزواج العرفي.