كثيرة هي الأمراض العضوية التي يمكن أن يصاب بها الإنسان, إلا أن البعض يستشعر إصابته ببعض المشاكل الصحية دون أن يكون مصابا بها, ليتضح أن الأمر يتعلق بأزمات نفسية والعكس صحيح. فالأمراض النفسية قد تؤدي بدورها إلى العديد من المشاكل العضوية وذلك بإجماع أخصائيين في علم النفس وأطباء في مختلف الإختصاصات. يتجه بعض الناس إلى الطبيب لتشخيص علّة بيولوجية, إلا أن التحاليل تشير إلى عدم وجود أي خلل عضوي, حيث تكون تلك الأعراض البيولوجية ما هي إلا مرآة عاكسة لنفسية الفرد المصاب بها, ولكن حقيقة ما يجهله الكثيرون هو وجود علاقة تفاعلية بين النفس والجسد, فالجميع يعلم أن أغلب الأمراض النفسية ناجمة عن تأثير المحيط وكذا مختلف المشكلات الإجتماعية التي تؤدي بدورها إلى ضغوطات نفسية. فالفرد يتعرض لجملة من المشاكل في مختلف الأماكن التي يمكن أن يتواجد بها مما يجعله يعيشها بكل حيثياتها ويفكر فيها مرار وتكرار ما يؤدي إلى بداية ظهور أعراض التوتر العصبي والقلق وبعض الأعراض السيكولوجية الأخرى التي سرعان ما تتحول الى أمراض جسدية على حد قول «أم إكرام» أخصائية في علم النفس التي تشير أيضا إلى أن هناك علاقة وطيدة بين النفس والجسد بناء على ما أثبتته الكثير من الدراسات, حيث تؤكد أن هناك أمراضا جسدية نابعة من أسباب نفسية وكذا الفشل في تجاوز العديد من الصدمات والضغوطات, كما توضح في سياق حديثها أن أغلب الأشخاص الذين يشتكون من أعراض القلق والتوتر الحاد هم الأكثر عرضة للإصابة بمختلف الأمراض العضوية والتي يمكن أن لا يجد لها الأطباء علاجا شافيا ولا تجدي الأدوية المقدمة نفعا ما يتطلب خضوع المريض إلى جلسات علاج بعيادة نفسية من أجل القضاء على أهم سبب لتلك الإصابة, تضيف في نفس الصدد «إن للأمراض السيكولوجية جملة من العوارض التي تصنف الى أعراض نفسية مثل الإكتئاب والتوتر العصبي لتتدرج إلى أمراض جسدية عبر مراحل معينة, إذ يمكن أن تبدأ بعرض فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل لتتحول إلى سمنة ومنه إلى أمراض القلب, صداع في الرأس أو ما يعرف ب»الشقيقة», عدم القدرة على التركيز, الضغط الدموي وغيرها من الأمراض التي ترتبط ارتباطا وثيقا بنفسية الفرد». وهناك فئة من الناس لا تولي اهتماما للشق النفسي من العلاج وقد لا يعتقدون حتى أنه وراء إحتمال إصابتهم لتكون النهاية أمراضا متفاوتة الخطورة, إذ يثبت الواقع وجود كثير من الحالات التي تعرضت إلى أزمات نفسية لتتحول مع إستمرارها إلى أعراض عضوية ومنها حالة غنية 37 سنة التي تعرضت إلى نوبة فزع شديد بعد أن تعرضت لحادث مرور, ولكنها لم تكن تدرك أن نوبة الخوف تلك تحولت إلى نوع من الفوبيا من ركوب السيارة, ومع التوتر الشديد الذي أصابها صارت تشتكي من نبض قوي في قلبها ولكن الطبيب المعالج أكد لها أن القلب سليم, وأنها بحاجة الى جلسات نفسية, والأمر لا يختلف بالنسبة لسعيد 40 سنة الذي يقول أنه يتعرض لضغط شديد في العمل إضافة الى بعض المشاكل التي جعلت منه شخصا شديد التوتر ولا يستطيع التحكم في تصرفاته, وأمام الوضعية النفسية السيئة التي صارت تلازمه, بدأ مع مرور الوقت يشتكي من اضطرابات في الجهاز الهضمي قبل أن يكتشف إصابته بالقولون العصبي. وعن هذا يفسر بلعربي, طبيب عام أن الأمراض السيكولوجية تكون السبب في إحداث خلل في عمل الهرمونات وإضطرابات في افرازاتها, مما يؤثر في عمل مختلف الأجهزة الحيوية في الجسم, وكلما زاد الضغط النفسي كلما زادت قابلية إصابة الفرد بمختلف الأمراض العضوية, ومن الأمراض التي يمكن أن تسبب أعراضا نفسية مشاكل الجهاز الهضمي إضافة إلى الأمراض الخبيثة لدرجة أنها تتطلب تكفلا صحيا خاصا, إذ تكون سببا في سوء نفسية المريض وأهمها السرطان بالإضافة إلى مختلف الأمراض المزمنة على غرار السكري وضغط الدم وكذا بعض الأمراض التنفسية المعقدة, هذا وأشار الطبيب أن هناك بعض الأفراد يعتقدون أنهم مصابون ببعض الأمراض على غرار الخفقان في القلب أو ضيق في التنفس ليتبين بعد الفحوصات سلامتهم من المرض, والتفسير العلمي لذلك يرجع حسب ذات المتحدث إلى نفسية الأفراد في حد ذاتهم, فمنهم من يخشى الإصابة بذلك المرض ومن شدة التفكير فيه يستشعر أعراضه. القولون العصبي ونفخة البطن أمراض ذات مرجع نفسي هذا ويؤكد الطبيب أن أمراض الجهاز الهضمي هي أكثر الأمراض التي تحدث أثرا نفسيا كبيرا, إذ توجد علاقة وطيدة بينها وبين المشاكل النفسية, فالفرد المصاب بالقولون العصبي يكون شديد القلق, والأمر لا يختلف كثيرا فعندما يشعر الفرد بالكآبة والحزن الشديد والمتواصل أو حتى الشعور بالضيق بسبب المشاكل اليومية فإن أول ما قد يشتكي منه هو آلام في المعدة وإضطرابات في عملية الهضم, يفصل قائلا: «عندما يتناول الفرد الأكل وهو بحالة نفسية سيئة فإنه يصاب بعسر الهضم وآلام بذات المكان, لذلك وجد أن أكثر الناس عرضة للقلق والتوتره م أكثر المشتكين من أمراض الجهاز الهضمي وأهمها نفخة البطن والقولون العصبي, إضافة الى فقدان الشهية للأكل», يضيف: «إن أمراض الجهاز الهضمي سببها نفسي بالدرجة الأولى والعكس صحيح, فيكفي أن يصاب الفرد بأحد الأمراض السابقة الذكر, حيث يصاب بأعراض نفسية مختلفة». ظهور البثور على الجلد قد يكون سببها نفسي بالدرجة الأولى إضافة إلى ما سبق, يشير بلعربي إلى وجود العديد من الأمراض التي لا يمكن إيجاد العلاج الضروري لها إلا بعد السيطرة على الأزمات النفسية التي يعاني منها المريض ومنها الأمراض الجلدية التي تبين الدراسات أنها قد تكون مرتبطة بالحالة النفسية للمريض ومن أهمها البثور التي تظهر على الجلد, فالإنفعال والتوتر العصبي يحدث إضطرابا في إفراز الهرمونات التي تؤثر على الجلد إضافة الى أن سقوط الشعر مرتبط في أغلب الحالات بذات الحالة, وهذا ما أثبته الواقع, حيث وجد بعض الناس أن ظهور البثور على وجوههم من عدمه مرتبط بحالتهم السيكولوجية, فعندما يكون جيد المزاج تختفي تلك البثور, ولكنها سرعان ما تظهر بمجرد أن يتعرض لنوبة غضب مما يجعلنا نقر أن العديد من الأمراض تتطلب وجود تكامل بين العلاج الدوائي والنفسي.