تشير أرقام إلى أن شخصا من بين كل أربعة أشخاص يعاني من القلق خلال فترة من فترات حياته، وأن القلق يعتبر من بين الأسباب الرئيسية في الإصابة ببعض الأمراض العضوية على غرار آلام المعدة والقولون وارتفاع الضغط واحتشاء العضلة القلبية، وأخطرها على الإطلاق بعض السرطانات، كما تجزم آخر الدراسات العلمية بأن الشعور بالقلق والتوتر والوسواس يؤدي إلى ظهور الإنسان وكأنه أكبر من عمره الحقيقي ب 20 عاما على الأقل. يعتقد أغلب الناس أن الأمراض النفسية ليست ذات تأثير خطير، وإذا كان ثمة تأثير فهو لا يصل إلى درجة الخطورة القصوى، لذلك لا يهتم الناس بصحتهم النفسية، بل لا يثقون في الطبيب النفسي، ويعتبرون كل من يتردد عليه "مجنونا"! غير أن العلم الحديث أثبت في عديد المناسبات أن الأمراض النفسية ومنها القلق ذات تأثير مباشر، وبيت لأمراض عضوية خطيرة. ضغوط الحياة تؤدي إلى القلق نظرا لتعقد ظروف الحياة وجد المواطن اليوم نفسه يواجه حالة من الضغط الشديد، خاصة الضغط النفسي والذي يترتب عن العمل وأعبائه التي ما عادت كالسابق تنتهي بانتهاء ساعات العمل، وربما يرجع السبب في ذلك إلى دخول التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا، وبالأخص الهاتف المحمول، وهو ما يعني سهولة الوصول إليك في أي وقت، وتباينت أجوبة مجموعة من المواطنين وجه لهم هذا السؤال: متى تحس بالقلق؟ وهل يمتد أثره على حياتك الشخصية والعملية؟ سلمى قالت إن عدم قدرتها على الوصول إلى الهدف الذي تسعى لأجله هو الذي يبعث القلق في نفسها، ولا تعرف كيف تبعد هذا الشبح من حياتها، فانتظار الغد وما سيأتي به في حد ذاته مثير للقلق، أما محمد وهو موظف في القطاع الخاص فيقول إنه يصاب بالقلق حين يكون أمامه عمل يجب عليه إنجازه، ويؤكد أنه يقضي حوالي 60? من وقته وهو بالمنزل في التفكير بخصوص ذلك العمل، ما يجعله كثير الشرود والنرفزة على ابسط الأشياء، وترى هند متعاقدة صيدلية أن عدم الاستقرار في العمل يجعلها تحس بعدم القدرة على برمجة ما تفعل وما تريد، فهي دائمة التفكير في احتمال طردها من عملها، وهذا الهوس يؤثر على نفسيتها كثيرا ويصيبها بالصداع وبآلام في المعدة. من جهته يرى رشيد موظف إداري أن الإنسان كلما كبر كلما ازداد فهما للحياة وازدادت مسؤولياته، وهذا يجعله في حالة قلق دائم، والفشل أحيانا يؤدي به إلى الإحساس بالقلق الذي لا يزول إلا بزوال أسبابه، ويمتد حتى للمنزل، وربما يستحوذ على الفرد فيصبح في الأخير عصبيا ولا يطاق، كما أن الإنسان المسؤول يسعى جاهدا لضمان عيش لائق بأفراد أسرته، لذلك فهو دائم القلق على تحصيل ذلك العيش الكريم خاصة في ظروف المعيشة الحالية التي تزداد سوءا مع الغلاء الفاحش، وإذا لقي ذلك الشخص تذمرا وعدم إيلاء ما يقوم به من مساع للتقدير والعرفان الذي يستحقه فإنه سرعان ما يسقط فريسة للأمراض النفسية ومن بعدها العضوية، ولا يتوانى المتحدث في الكشف لنا عن أنه مصاب بارتفاع الضغط بسبب ما يعانيه من مشاق في حياته اليومية. القلق إحساس طبيعي، وكل إنسان يحمل همومه ويواجه ضغوط عمل لكن رغم هذا لا ننكر أن يكون للقلق الشديد المبالغ فيه تأثير غير مباشر على بعض الأمراض العضوية، فمثلا قد يؤدي القلق إلى تغير العادات الغذائية للفرد، كالنهم الشديد، وهذا يؤدي إلى السمنة ومشاكلها على سبيل المثال، أو يؤدي لفقدان الرغبة في الاكل، ومنشأ الاضطرابات النفسية مرده اضطراب في وظيفة الجهاز العصبي وتحديداً الدماغ، ناتج عن خلل في بعض المواد الكيميائية الموجودة طبيعيا بالمخ. القلق وراء الإصابة بأكثر من 15 مرضا عضويا من جهة أخرى يؤكد الدكتور بوديبة محمود أخصائي في الاستعجالات أنه كلما زاد عدد شكاوى المريض عن الأعراض الجسمانية كلما دل على أنه مصاب باضطراب نفسي، وليس عضويا في الأصل، ويضيف أن ثقافتنا لا تشجع على التعبير عن الآلام النفسية للطبيب بشكل جيد، ويرجع ذلك إما لجهل المريض بأن الأعراض النفسية قد تكون من أعراض المرض العضوي أو لأنه لا يدرك أن الطبيب أياً كان تخصصه بصفته طبيبا هو أيضا قادر على الاستماع لشكاويه النفسية، وبالتالي وصف علاج دقيق بعد تشخيص أدق للحالة المرضية، ويشير المختص الى أن مرد عدم الإفصاح عن المشاكل النفسية هو الخوف من أن يوصف الشخص بالضعيف أو المجنون. لا توجد إحصاءات رسمية لأعداد مرضى القلق والاضطرابات النفسية ومع هذا فإن الأخصائيين يؤكدون أنه المرض الأكثر شيوعا في العالم وربما يكون أحد أخطرها على الإطلاق، فالقلق عموما له أعراض نفسية مثل الرهاب أو الخوف غير المبرر من الآخرين والذعر والوسواس القهري والضغط العصبي والخوف من فقدان السيطرة على الأمور أو الإحساس بمطاردة الموت أو حتى الوقوع فريسة الانهيارات العصبية، كما أن له أعراضا عضوية مثل زيادة ضربات القلب والآلام في الصدر والتعرق والارتعاش أو الاهتزاز وضيق التنفس والإحساس بالاختناق والغثيان وآلام في المعدة والقولون والدوخة ودوران في الرأس والتنميل والإحساس بالبرد الشديد أو السخونة الشديدة في الأطراف، ترابط واتحاد بين أعراض نفسية وأعراض فسيولوجية. فالإنسان الذي يقع في دائرة القلق النفسي تكون لديه بعض الأعراض الفسيولوجية العضوية مثل عدم القدرة على النوم والتوتر الشديد وعدم القدرة على الأكل والتعامل مع أمور الحياة بشكل طبيعي، وهناك أمور أخرى ربما تكون أخطر مثل مشاكل القولون وبعض الأمراض العصبية. وأثبتت الدراسات أن أحد الأسباب الرئيسية والمباشرة لمرض تصلب الشرايين هي الضغوط والتراكمات النفسية وهكذا يؤكد أن القلق يسبب العديد من المشاكل الفسيولوجية على صحة الإنسان.