بلغنا في عرضنا السابق أن الحزب السياسي بمفهومه العام هو مجموعة من الأفراد يتكون من بناء سياسي هدفه تحقيق أهداف معينة بواسطة السلطة السياسية في اطار نظام حركي قادر على نشر الدعوة و المواجهة الحركية المدعمة بالتأصيل الفكري و الأبعاد الفلسفية ، تمهيدا لتكييف تدريجي للمجتمع مع السلوك السياسي. وجود تنظيم أو عدة تنظيمات سياسية تتلبس باسم حزب و حتى خارج هذه التسمية ، تكون بمثابة حزب سياسي ، مثل اللجان الثورية في ليبيا فهي بمثابة حزب سياسي ، رغم انعدام الحزبية السياسية في البلد ، مصر أيضا كان فيها تنظيم سياسي يمثل حزبا وحيدا و هو الاتحاد الاشتراكي ، و هناك دول اعتمدت نظام الحزب الواحد الظاهر في الدول الشيوعية ، و أخرى انتهجت نظام الثنائية الحزبية العامل في بريطانيا و الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و أخرى سلكت نظام التعددية الحزبية كإيطاليا و فرنسا. الأنظمة السياسية تتميز بوجود حزب واجهة ، يعبر عن شكل النظام السياسي القائم ، فقد يكون الوصول إلى السلطة بواسطة انقلاب أو ثورة أو عن طريق الانتخاب ، علما أن الحزب السياسي الناتج عن انقلاب يعزل كل منافسة له على السلطة ، و على هذه القاعدة تنشأ النظم ذات الحزب الواحد و لامانع بوجود أحزاب سياسية أخرى تحت قيادته تشكل معه ما يسمى بالجبهة الوطنية كالحزب الشيوعي في الصين ، أما الحزب الذي يدرك السلطة بواسطة الانتخابات فتصاغ تجربته باسم نظم التعددية الحزبية ، ثنائية كانت أم تعددية ، فالحالة هذه تخالف الحالة السابقة ، حيث يواجه الحزب الفائز منافسة تعادل قدراته ، فتستغل هفواته و تثيرعليه الرأي العام خاصة في المواعيد الانتخابية بغية الوصول إلى السلطة و بهذا الأسلوب تتكرر مناوبة الأحزاب السياسية للتداول على السلطة . المجتمع المتخلف تبدو صورته في أحزابه ، و لا يمكن اصلاح مفاسد الأحزاب القائمة إلا بإصلاح الأوضاع الاجتماعية القائمة ،و سوء الأحزاب ليس دواءه إلغاء الحياة الحزبية كما يرى البعض ، بل في إعطاء المزيد من الحريات للقوى الشعبية ، و كبت أو إلغاء تعدد الأحزاب لا يعني سوى وقف الحريات السياسية للشعب و المواطنين ، و حصر الحياة السياسية في الحاكم و مجموعته ، و لا تستطيع أي أيديولوجية أو عقيدة سياسية أن تستمر إلا إذا نجت من التفحص و النقد ، فهناك عوامل تحرك عقائد الجماهير ، عوامل بعيدة و هي تحضير أرضية الأفكار الجديدة ، ثم عوامل مباشرة الناتجة عن تراكم العوامل البعيدة التي تتبلور ثم تهيج الجماهير بفعل التمرد الشعبي أو الاضراب التي تنتهي بالشخص إلى سدة الحكم ، و تظهر أكثر صورة الشخصية الواعية و اللاواعية. خدمات الأحزاب السياسية تتنوع فمن توظيف ايديولوجيتها في إثارة الولاء و الشعور بالانتماء ، فتبرز أهمية الوحدة الوطنية و الاستقلال و النمو الاقتصادي و تعطي لأفراد المجتمع انطباعا بمظهر الأهداف المشتركة ، كما يمكنها المساهمة في تحقيق التكامل البنائي و الايديولوجي الأول مثل تقليص الهوة بين النخبة و الجماهير ، و قيام ولاء لمجموعة موحدة من القيم و المعتقدات و الرموز السياسية في اطار تنظيمي يسمح بالمشاركة ، تعتبر حلقة وصل بين الحاكم و المحكوم حيث تعمل على شرح سياسة الحكومة لأعضائها بهدف التأييد أو المعارضة ، و نقل رغبات و مطالب المواطنين إلى الحكومة ، إذن فالمظاهر الحزبية هي تعبير صريح عن حرية الشعب السياسية و التنافس على خدمته و قيادة الدولة من خلال تقييم الحاكم و حزبه بما يمكن الشعب من محاسبته أو مكافأته. إن حجب القوى والتيارات السياسية الموجودة في الأنظمة الشمولية الموصوفة بالتعايش المؤقت بفعل ضيق الدوائر المستفيدة ، و حرمانها من الشرعية و منابر التعبير في قنوات حزبية أو نقابية سيولد عدم استقرار سياسي داخل الدولة ، كما أن النظام الشمولي يؤدي إلى بروز الحكم الأتوقراطي بفعل تقدير أقوال و أفعال رئيس الحزب كقانون ، و بالتالي تتحول الدولة إلى نظام تسلطي يحتكر مصادر القوة و السلطة في المجتمع و يخترق مؤسسات المجتمع المدني. هذا مختصر متواضع عن مفهوم الحزبية السياسية و خدماتها المقدمة و الوسائل التي توظفها لتحقيق أهدافها و مساهمتها في اثراء الحياة السياسية في المجتمع ، و أن هناك أنواع من الأحزاب السياسية و أشكال من الأنظمة السياسية التي تتحدد وفق النماذج الحزبية الموجودة في مجتمعات الأنظمة ، و استطلعنا أن هناك أنظمة أحادية الحزبية القائمة على الحزب الواحد ، تماثلها أنظمة الحزب القائد أو أنظمة الجبهة الوطنية أما النوع الثاني فهو أنظمة الثنائية الحزبية محل تنافس حزبين رئيسيين على السلطة بحيث يحكم أحدهما و يبقى الأخر معارضا له ، و تتكرر العملية وفق معدلات النجاح الانتخابية ، و النوع الثالث هو أنظمة التعددية الحزبية و هو تنافس عدة أحزاب على السلطة ، و ربما لا تستطيع أي من هذه الأحزاب تكوين أغلبية برلمانية مطلقة أي أكثر من معدل النصف فتشكل الأحزاب ما يعرف باسم الائتلاف الحزبي و يصير الحكم بالتعاون ، أما الأحزاب الباقية فتشارك في السلطة حسب عدد مقاعدها في البرلمان ، و نشير في النهاية أن الأنظمة التعددية بكل متاعبها غير أنها تبقى الأفضل في معظم المجتمعات ، من نظام الحزب الواحد أو القائد بسبب سلبياتهما في احتكار السلطة وضعف الاقتصاد المدار على الأهواء و الأمزجة بدل السوق ، إضافة إلى جمود الحياة السياسية و الفكرية في المجتمع. شاكي محمد العيون تيسمسيلت