الآن… وبيدي شيء كنت ألوح به على "شامتي" عندما أدخل إلى مقر المسرح الوطني الجزائري، أيام المرحوم عز الدين مجوبي، عندما كانت ساحة البابا عزون تنتقي كل ليلة "مثليات هجينة " و"نمارق مصفوفة" و"ألوان من العملة" و"صياح ديكه ودجاج " وهلم جرا، كانت بطانية المرحوم مجوبي "الباج" لا تفارق مخيلتي، كلما هويت إلى ذلك المكان، الذي التقيته فيه ذات مرة، وقد جزولت له من تباريح الإعجاب بالفن المسرحي، رغم إني كنت لأوافق بوعلام رمضاني في ما كتب آنذاك عن المسرح، كنت غضوبا لعوبا وفي بعض الأحيان طائشا عندما يتعلق الأمر بالفذلكة المسرحية، لأني كنت أقدسه من زمن غوغول، وليس غوغل. هذا الغضب الساطع تملكني وأنا انظر في موقع الكتروني لقصة مخضرمة تحمل طاحونة يقودها القاص، عبدا لرزاق بوكبة عندما ذكر في مستهل قصته "فضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني الجزائري"، فانتقلت إلى "بوح مختلف" ربما قد لا يعجب المبدع ولكن ما باليد حيلة، أنى له أن يقول أي شيء أو يتعجب، ألوح بأشياء مستعملا نظرة استنباطية أو أخرى تفكيكية لعلي أصيب بها بعض ما أردت قوله في عجالة… في 36 سطرا على عدد ما جاء من أشياء متحركة وجامدة في قصة بوكبة. إذا أردنا أن نطبق "تقنية تحليل الخطاب" فإننا ملزمون على تفكيك النص إلى متناصات أو عناوين فرعية، حتى لا نثير جوليا كريستيفيا في خدرها الماسي في جزيرة عربية فتحها الرومان ذات ليلة من ليالي الصحراء أجدني مخيرا بين أربع محطات: 01- محطة الأزلام المختلطة: عالم من ظواهر نقله ذلك القطار الكهربائي الجرذ، الذي يقضم المسافة في ملل، ولو كان "بنهم" لكان شيئا جميلا، لأن الكهرباء وارتباطها "بمعدل السرعة" لا يمكن أن يترك أثرا للبطء حتى ولو كانت "الشارة معطلة أو تقليدية تعود إلى زمن إديسون… لننظر إلى هذه المحطة وقاطنيها ونحاول أن ننشئ دورة اتصال بين ساكنيها لأنهم يقيمون على أرضية واحدة. أ- القاطنون (حقا): مهبول يعني مجنون أو مخبول أو حتى عاقل في زمن فضاء صدى الأقلام، مهبول زميل إقرار لا مكان له، فلا "زمالة" عند المجانين إلا إذا كان القاص يحلم أو في استراحة على أريكة. إذن في هذه الحالة قد نقر بوجود مهبولين يختلف درجة "هبالهم" من واحد إلى آخر أو ثالث فصيح، ينطق بالرأفة الإنسانية، خاصة لما يكون صوته أقل منشارية، ثم هناك طفل يقرأ "سورة الصمد"، وكهل يرد على الهاتف (قبل أن يتناقل) ربما مساحة في الخيال بالمقارنة مع زمن أغنية "ما نيش منا…غير البابور جابني" شاب الجال… مخنث (يشبه الأنثى) كما قلت… فضولي… متسول. ب- القاطنون "معنى": وهم حثالة مجتمع من زمن سردي لقصة من السودان في زمن لم يكن فيه الهاتف النقال وحتى الشاشة الافتراضية أو ربما مرآة الكشف الأنثوي. أول القاطنين "أمير"، فتي أدم والكاتب أمين تاج السر…السلطان ، وعشماوي متخصص في ألخصي، والرزينة أخت أدم. نلاحظ إن محطة الأزلام المتحركة ضمت البراءة والسفه والجنون والعقل سوف نفسر ذلك في المحطة الثانية. 02- محطة الاعتباطية والشوفانية: تتمثل في تناخر الأدوار بين الأزلام المتحركة لكونها لا تحمل قيما ماعدا قيمة الفتى الحامل لأية قرآنية والشاذ الحامل لمطوية التوجيه الديني. إن هذا التعدد في إفراد المحطة، أكثر منه القاص بدون مبرر، وحاول إن يعطي نصا تدور فيه عقدة غير أنه سرعان ما أهمل رأس الخيط، بدا مشوشا بين "الفضيلة والعته والجنون" فكل شخصياته كانت تتحرك نحوه، تطلب منه دورا وهو "منغمس" في أغنية البرانى وحديث المهابيل… 03- محطة الرسالة الخرساء: النص رغم تميعه بين إفراد المحطة الأولى، انكمش في "بينه" ولم يعد يظهر منه إلا البحث عن تبرير المطابقة بين قصة أمين تاج السر وقصة بوكبة، لا ندري لماذا أربك الرذيلة في صور مجتمع السلطان وميع الظاهرة الواقعية في مجتمعنا، أظن أنه كان الأجدر أن يبحث عن "مقاربة تطبيقية" تأخذ التشابه في ألحكي والعقدة كمصدر، لأن المجتمعين متناقضين، وهو شي جميل إذا أخذنا بالمطابقة الغريماسية، لكنه ليس متناقضا من الناحية العملية وخاصة إنه وظف صفات اجتماعية شائعة تختلف تفاصيلها من زمن إلى أخر فالمهبول في زمن بوكبة يقول الحكمة بينما في زمن تاج السر يخصى عنوة وتجبرا. 04- محطة "المقيل": غامضة وفيها تخوف من شيء أراد أن يفصح عنه بوكبة (الأنا) إلا أنه غيبه في طاقية الاهتمام، بين المهابيل وبين المتسول الذي أقحمه عنوة في حوار أراد إن يطبق من خلاله "عرف الرفض" عندما نستمع إلى أغنية متقادمة كرجاء ولحن التسول بطلب صدقة لنجدة العجوز من السبيطار، وطلب أخت أدم من السلطان إن يصفح عن أخيه إلا إن السلطان تسامى في كبريائه ولم يعرها اهتمام كما فعل سكان محطة الأزلام في قطار (الأنا)، إذن لنصور ألان عدد الأفكار المطروحة في سياق النص ثم نقوم بعملية حسابية نصل من ورائها إلى إحصاء ما أراد قوله: - ذهاب البطل إلى وجهة معلومة، فعجز عن تفسير وضعية شائكة من أحاديث المهابيل… - سماع أغنية مانيش منا غير البابور جابني… - تصريح الراوي بقراءة رواية أثناء امتطاء القطار أو الحافلة -إعادة تصوير مشاهد اجتماعية متداخلة. -الحديث عن التنافس في الوطن العربي على الاهتمام - الرواي يصبح مغنيا… مانش منا… تحليل الخطاب السردي: في المحطة الأولى: استعمل القاص شخصيات "غير عاقلة" ولا تعي ما تقول كان يريد إن يصف لنا واقعا معيشيا، لكنه كان الأجدر أن لا ينطقها ويكتفي بوضع "المجانين" ككومبارس يظهرون ولا يتكلمون، كما أنه قطع مقاطع حوارية لناس عقلاء كانوا بالقطار… كالذي قال للولد مبررروك وقاطعه الزميل المهبول بالغناء. وهذا ما أثقل الحوار وأفقده الطعم رغم إن المقاربة كانت ستتم لو ربط بين فضاء صدى الأقلام ومتتابعات القص لا إن يعدمها من قبل إن يصل إلى فضاء صدى الأقلام كما انه لم يشر إليه عند النهاية فكيف جاء الرواي ليشرف على صدى الأقلام ليتحول إلى مغني على شاكلة بلخياطي… في المحطة الثانية: وضع الراوي "فكرتين متناقضتين" حوار المهابيل.. وحوار العقلاء ( الزملاء) الوارد في قصة أمين السر من عالمين مختلفين من أقصى شمال أو جنوب السودان مع مجتمع باب عزون… وساحة الشهداء… لم يلتق بينهما النص على عقدة أو حتى مشهد… وتبقى المقاربة بحاجة إلى تعليل… في المحطة الثالثة: كما أشرت إلى نوع الخطاب كان سليما من حيث دورة الاتصال أو ما نسميه استكمال دورت الاتصال بين المرسل والمستقبل في طرح فكرة "رواية السلطان" التي أدت به إلى معاقبة أدم "بالخصي" لأنه طلب منصبا وزاريا أما ما عداه كتم الراوي على أنفاس رسائله التي ضن أنها مشفرة وحتما ستفهم وهذا خطأ لان التشفير كان غير وارد منذ البداية وقد أعترف الراوي أنه عجز عن تفكيك حقيقته. في المحطة الرابعة: حاول الراوي إن يسرد شيئا جميلا في "حكاية" لكنه شوهه بدعوة أفراد من حثالة المجتمع لنقل ما أراد إن يصل إليه وهذه مؤاخذة عليه، لأنه كان مؤهلا للإشراف على أهم نادي في المسرح المحجوبي… فكيف يفر في الأخير بعدما استدعى المهابيل، والطرشان، وشباب الجال… ثانيا، تحليل القيم: تعامل الراوي مع "القيم الايجابية والسلبية" بذكاء حيث كان يبرر من حين لأخر استعمال القيم وهذه شاردة جميلة تحسب على الراوي، رغم إن قيمه السلبية تعددت إلى درجة لو قارناها بالقيم الايجابية فهي تشكل بيانا منحدر نحو القاع، لذلك لم أعمد التحقق منها، لأن الراوي في حد ذاته كان يصرح بأنه عاجز عن فهم الحقيقة… ما أردت أن أبينه أن الراوي في هذه القصة أقحم شخصيات ونصوص وحالات من المجتمع وكأنه يصور في مشهد يريد إن يقرأه هو فقط.