وأخيرا، استفاقت الحكومة الجزائرية وأدركت أن سياسة "زواج المتعة" التي تبنتها تجاه المشهد السمعي البصري شاذة وغير سوية ومضرة بالسمع والبصر والوطن والحكومة، في حد ذاتها. المؤشرات واضحة منذ سنوات، وكلها كانت تنذر بتمييع لافت للإعلام الثقيل تحول على مر الأشهر إلى مصدر استرزاق واستغلال واستغباء، أبطاله متسلقون جدد فشلوا حتى في توظيف مقدم نشرة ودفع أجره، فتولد "التطوع الإعلامي"، الذي يشكل في الحقيقة غطاء عن ممارسات استعبادية يندى لها الجبين. انتقاد تصريحات الوزير الأول بخصوص تكليفه وزير الاتصال بتطهير وتنظيم المشهد ومحاولة تضليل الرأي العام باستحضار سياق "قضية الخبر" لا ولن ينفي حقيقة أن موجة التضخم الإعلامي، الذي ضرب أقمار البث منذ فتح المجال أمام الخواص، لا ترقى إلى تطلعات المشاهد، كما ونوعا، ولا إلى أبجديات المهنة ولا حتى إلى قواعد الاستثمار التجاري. مجرد فوضى عارمة لميكرفونات تنبت كالأعشاب الضارة على حساب صحافيين وتقنيين يبحثون عن فرصة العمر بنية صادقة، فيصطدمون بأباطرة اقتحموا عالم الشاشة كما يقتحم الدبور خلية النحل، مستنفعا ومفسدا ومدمرا. وأن تكون السلطة مصدر عملية التطهير أيضا ليس حجة، لكي يغض الصحافيون البصر عما يحدث في قطاعهم من انحطاط هم أول ضحاياه، فمن ينكر اليوم أن معظم هذه القنوات لا تدفع أجورا ولا تضمن تغطية اجتماعية، ولا تتوفر حتى على مقر محترم؟ ورغم كل ذلك فبعضها يتمتع "بصحانية" وجه كافية، لكي يدعي أن تطهير المشهد مرادف للتعتيم والتضييق على حرية التعبير. هل يمكن استيعاب أن صحفيا موظفا كالرقيق يمكنه أن يخدم حرية التعبير؟ وكيف يمكن تصديق صاحب قناة يطلب من مراسليه تدبر أمر أجورهم، مادام يوفر لهم غطاء إعلاميا لنشاطهم عندما يتشدق بالشعارات الرومانسية؟ مستوى العفن الذي وصل إليه قطاع السمعي البصري، في ظرف قياسي، قد يجعل من وعيد سلال بمجرد التنظيم والتطهير لاغيا. ربما الأمر يستدعي أكثر من ذلك...