وعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي العام 2007 بإصلاح سياسة بلاده الأفريقية. ولكنه لم يوف بهذا الوعد بعد تسلمه الرئاسة وإلى الآن. لم تبدأ أعراض هذه الأزمة في الظهور فيما يخص علاقات فرنسا بأفريقيا وكذا دلائل احتضار العلاقات بين الطرفين إلا في نهاية عقد التسعينات. يعود السبب إلى نظام المحاباة الذي وضعه منذ عهود الاستقلال الأولى "سيد أفريقيا" في الإليزيه، جاك فوكار، أحد الرجال الذين عملوا في الظل في عهد الجنرال ديغول، والذي كان مكلفا بإقامة عهد جديد من الاستعمار الفرنسي بعد أن جردت فرنسا من إمبراطوريتها الأفريقية. ويرى منتقدو الأمين العام للشؤون الأفريقية والمدغشقرية في رئاسة الجمهورية أن الرجل كان هو المسؤول عن تعيين وإقالة رؤساء دول المربع الفرانكفوني في القارة السمراء لعدة عقود من الزمن خلال الجمهورية الخامسة وهي الحقبة التي كانت فيها أفريقيا القارة الوحيدة حيث "كانت باريس تستطيع بخمسمئة رجل فقط، أن تغير مجرى التاريخ هناك" كما يقول وزير خارجية سابق في إدارة الرئيس فاليري جيسكار ديستان. كما ساءت العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ تولي عبد العزيز بوتفليقة الحكم، وعودة الاستقرار المني بها، حيث بادر الرئيس الجزائر بمطالبة فرنسا تقديم الاعتذار للجزائريين والاعتراف بجرائمها ضد الانسانية خلال الحقبة الاستعمارية وبالتنكيل الذي تعرض له الشعب الأعزل خلال حرب نوفمبر، لتسوء الأوضاع أكثر بعد صدور قانون تمجيد الاستعمار، لتدخل العلاقات الثنائية مرحلة جديدة وصفت بالخطيرة لما تحمله من ملفات ساخنة، أهمها قضية تفجير القنبلة النووية واحتكار الأرشيف الجزائري من طرف الإدارة الفرنسية، إلى قضية تجريم وتمجيد الاستعمار. من ثنائية فرنسا-أفريقيا إلى ثنائية فرنسا-المال بشّرَ عقد التسعينات بزوال عملاق فترة ما بعد الاستعمار. ففي ديسمبر/كانون الأول 1993 رحل مخترع عبارة "فرنسا/أفريقيا" والذي كان من المدافعين المتحمسين عنها، وهو رئيس ساحل العاج فليكس هوفوييه بوانيي. وكانت جنازته في كاتدرائية ياموسوكرو إحدى آخر الجنازات الفرنسية الأفريقية الكبرى. وفي العام 1994، اعتبر تخفيض قيمة الفرنك الفرنسي الأفريقي بنسبة 50 بالمئة بمثابة خيانة من قبل المستعمرات الفرنسية السابقة الأربع عشرة. في نفس السنة، شكلت الاتهامات الموجهة ضد فرنسا من قبل السلطات الرواندية التي وصلت إلى الحكم بعد مجازر إبادة جماعية، صدمة جديدة. أخيرًا كانت الهزة الثالثة التي أطلقت نعت "فرنسا/المال" على الدولة الفرنسية عام 2002 بسبب قضية شركة "إلف" النفطية وذلك وفقاً لما أدلى به لويك لو فلوش بريجان بنفسه أمام المحكمة " إن أموال الشركة النفطية الفرنسية تذهب إلى أفريقيا ثم تعود منها إلى فرنسا". هذه الأحداث مجتمعة أدت إلى تخلخل نظام كان يسمح إلى ذلك الحين، بتأمين استمرار أنظمة غير ديمقراطية ولكنها وفية لباريس. انتهى العهد حيث كانت المستعمرات السابقة تصوّت كرجلٍ واحد في الأممالمتحدة وراء فرنسا. في عام 2003، أبدى الرئيس السنغالي عبد الله واد انزعاجه من إدانة الحرب على العراق. فالرئاسات الإفريقية تتجه أكثر فأكثر صوب الصين. منذ الثمانينات أيضاً، لم تعد فرنسا تمسك بزمام الأمور الاقتصادية بمفردها، بل أصبحت تشترك فيها مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. اضمحلال الدور الفرنسي وبالنسبة لتواجد فرنسا في أفريقيا عسكريًا وإنسانيًا وسياسيًا، فهو يزداد تقلصًا سنة بعد أخرى. معاهدات الدفاع وبنودها السرية تعاد مناقشتها تدريجيًا كما أن عدد القوات المسلحة الفرنسية يتقلص شيئًا فشيئًا وبالنسبة للمغتربين الفرنسيين، فإنهم يهجرون العواصم الأفريقية الكبرى. لكن اضمحلال " الدولة الفرنسية الأفريقية"، حسب الباحث جان بيير دوزون، يتطلب وقتاً. فالقطيعة مع "فرنسا الأفريقية" لا زالت قيد الانتظار، رغم وعود الرئيس نيكولا ساركوزي خلال حملته الرئاسية. "لن نختلف مع الذين يقدمون لنا خدمات جليلة"، يبرر كلود غيان، أمين عام الإليزيه. في تشاد، يشتبه بأن باريس تدعم إدريس ديبي، مقدمة له الدعم اللوجيستي عام 2008، عندما تهاوى حكمه تحت الضربات العنيفة للثوار الآتين من شرق البلاد. في نفس السنة، غضت فرنسا الطرف عن قمع مظاهرات الجوع التي أدت إلى مقتل مئات الأشخاص في الكاميرون. عندما توفي جاك فوكار عام 1997، عُيّن ذراعه الأيمن السابق المحامي روبير بورجيه تلقائياً بعده، فاستعاد كل شبكاته التي وضعها بتصرف الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2007. وهو يلعب دور الوسيط لدى الرئاسات الأفريقية، تحت إشراف كلود غيان. " أنا صديق رئيس الجمهورية، أعلمه بما يحدث في أفريقيا"، يشرح روبير بورجيه الذي يعلن نفسه آخر رجال هذه المهمة الأفريقية. وفي مارس/آذار 2008، كلفت إحدى رسائل روبير بورجيه الحقيبة الوزارية لجان ماري بوكل، وذلك عندما وعد وزير الدولة الفرنسي السابق بالتعاون لإنهاء ما يدعى "فرنسا الأفريقية"، مثيرا بهكذا وعدً غضب عمر بونغو. إثر اتصالٍ هاتفي بين رئيس الغابون الراحل مع محاميه ومستشاره بورجيه، طلب رئيس الغابون منه أن يُعلم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أنه والآخرون يريدون إقالة وزير الدولة هذا. وبعد عدة أسابيع، أقيل بوكل وعيّن مكانه آلان جوانديه، الذي ليس لديه خبرة على الإطلاق بالقضايا الأفريقية. في شهر أغسطس/آب 2009، أعلن مستشار نيكولا ساركوزي الرسمي للشؤون الأفريقية لصحيفة "لوموند" عشية الانتخابات الرئاسية في الغابون التي نظمت بعد وفاة عمر بونغو أن مرشحه هو علي بونغو،. هذا الإعلان سرعان ما أثار الشكوك حول حيادية فرنسا إزاء هذه الانتخابات. هذه المسألة من الممكن أن تغذي في صفوف الشباب، شعوراً معادياً لفرنسا، كما ظهر ذلك في ساحل العاج عام 2004، ثم في توغو عام 2005، خلال الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. جزائريون ضحايا دخول فرنسا النادي النووي في الثالث عشر من فبراير/شباط عام 1960، أي قبل 50 عاماً بالتمام والكمال، أجرت فرنسا أول تفجير نووي لها معلنة بذلك دخول النادي النووي، غير أن الحادث يمر على الجزائريين بصورة مأساوية، ذلك أن التجربة النووي الفرنسية أجريت في منطقة يرابيع رقان بولاية أدرار الجزائرية في الصحراء الكبرى. ومنذ ذلك التاريخ، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية خلال 6 سنوات حتى عام 1966، وذلك في الصحراء الكبرى في الجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية، ولم تصدر فرنسا سوى معلومات بسيطة عن تجاربها، كما أفادت وثيقة حصلت عليها هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK. بحسب سي ان ان. ويقول الجزائريون إن آثار هذا التفجير مازالت قائمة حتى الآن، متمثلاً بالعديد من الأمراض الجلدية والبصرية والولادات المشوهة وحالات الإجهاض، وغيرها من الأمراض المزمنة. وفيما يطالب الجزائريون، وتحديداً أهالي المنطقة المنكوبة، بتعويضات عن ضحاياهم وبمحاكمة فرنسا على ما "ما اقترفته في حق السكان العزل بالمنطقة، كشفت مجلة الجيش الجزائري أن فرنسا استخدمت جزائريين كحيوانات اختبار في تجربة نووية أجرتها عام 1960 في صحراء الجزائر. وحمل أول تفجير نووي فرنسي بمنطقة الحمودية برقان اسم "اليربوع الأزرق" وكانت طاقة تفجيره 60 كيلوطن، أي ما يعادل 70 مرة قنبلة هيروشيما اليابانية، بحسب صحيفة الشعب الجزائرية. وذكرت مجلة الجيش "أن 150 جزائرياً استخدموا كحيوانات اختبار في التفجير النووي الفرنسي الذي أطلق عليه اسم اليربوع الأبيض في إبريل/نيسان 1960 بعمق الصحراء الجزائرية، وأشارت إلى أن الضحايا علقوا على أعمدة في محيط التجربة لدراسة آثار التفجير النووي على الإنسان." من جهة أخرى ذكر الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية برينو باريلو أن "سلطات الاستعمار الفرنسي استخدمت 42 ألف جزائري كفئران تجارب في تفجير أولى قنابلها النووية في صحراء الجزائر في 13 أكتوبر/تشرين الأول و27 ديسمبر/كانون الأول 1960." ونقل عن دراسة أعدها باريلو أن فرنسا أجرت التجربتين المذكورتين في بلدة "الحمودية" و"جبل عين عفلى" التابعتين لمنطقة رقان في أقصى الجنوب الجزائري، كما أفادت صحيفة النهار الجديد الجزائرية. وذكر أن هذه القنبلة النووية فجّرت على 42 ألف شخص من السكان المحليين وأسرى جيش التحرير الجزائري، "مما يمثل أقسى صور الإبادة والهمجية التي ارتكبها المحتل بحق الجزائريين الذين يطالبون اليوم باحترام واجب الذاكرة قبل الاندراج في أي مخطط صداقة." ونقل باريلو في دراسته صوراً لمقاومين جزائريين مصلوبين يلبسون أزياء عسكرية مختلفة، وصوراً أخرى عن دمار أحدثته القنبلة على بيئة المكان، وما آلت إليه معدات عسكرية من طائرات ومدرّعات كانت رابضة على بعد كيلومتر من مركز التفجير.