يُعتبر مرض ترقق العظام من الأمراض حديثة الإنتشار، إذ كَثُر الحديث عنه خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن أثبتت العديد من الدراسات الطبية أنّه يتسبب بالكثير من المضاعفات الخطيرة. ويصيب هذا المرض النساء والرجال، إلا أنّه أكثر إنتشاراً بين بنات حوّاء، وتزداد نسبة الإصابة به بعد بلوغ المرأة سن اليأس، فتصبح إصابتها بأي كسر حتى لو كان بسيطاً، سبباً لمعاناة طويلة مع الآلام المبرحة. ما هو مرض ترقق العظام؟ عاشت السيدة ليلى (67 عاماً) سنوات صعبة بسبب هذا الداء، تتحدث ابنتها عن الأمر قائلة "شُخّصت حالة والدتي منذ أكثر من خمس سنوات، بعد إصابتها بالتواء بسيط في كاحلها، سبّب لها آلاماً مبرحة، وأطال أمد شفائها شهوراً، وعندما اكتشف الطبيب أنها مصابة بمرض ترقق العظام، حذّرها من التعرّض لأي إصابات جديدة، ونصحها بالإنتباه لحركتها، وعدم تعريض نفسها لأي نوع من المخاطر". وتضيف الابنة "اليوم تعاني والدتي من آلام في كل عظامها، لدرجة أنها لا تتحمل أن يشدّ أحدهم على يدها، إذ تشعر أن عظامها ستتكسر، وهي تخضع للعلاج بالأدوية وتأخذ الكالسيوم والفيتامين D، ولكنّ حركتها قليلة جدّاً، وباتت تجد صعوبة في المشي، كما أن ظهرها أخذ بالإنحناء، وأنا أخاف أن ينتقل هذا المرض إليّ، لأني أسمع أنّه ينتقل بالوراثة، لذلك أشرب الحليب يوميّاً، وأمارس التمارين الرياضية وأقلعت عن التدخين منذ فترة، لأن طبيب والدتي أجبرها على تركه، مؤكداً أن له دوراً كبيراً في زيادة ترقق عظامها". أفضل العلاج ما كان مبكراً: هذا الداء أصاب أيضاً السيدة هيام (54 عاماً) "عندما مرت بفترة انقطاع الطمث، سمعتُ عن مخاطر الإصابة بترقق العظام وطلبتُ من طبيبي أن يُخضعني لكل الفحوصات اللازمة، تفادياً للإصابة في وقت لاحق، لاسيّما أنّني أدخن أكثر من علبتي سجائر يوميّاً، وهذا الأمر يؤثّر في قوة وصحة العظام، وبالفعل تبيّن أني أعاني من المرض، وطمأنني الطيبب إلى أنّه بالإمكان السيطرة على مخاطره لأنّنا عرفنا بالأمر مبكراً، وبدأتُ أتلقى العلاج بالهرمون البديل، كما أني أكثرتُ من الأطعمة التي تحتوي على الكالسيوم، كالحليب والألبان والأجبان والأسماك، وكنت أتناول أدوية الكالسيوم والفيتامين D. وحاليّاً، أتفادى قدر المستطاع التعرّض لكل أنواع الضربات حتى لا أهشّم عظامي، وأمارس الرياضة لنصف ساعة يومياً، وأعتمد على الطب الحديث الذي يجد العلاجات لأشد الأمراض وأخطرها". حاربيه بمعرفة عميقة: يُعتبر مرض ترقق العظام من أخطر الأمراض التي تفتك بجسم الإنسان مع التقدم في العمر، وازداد الحديث عن هذا الداء الصامت مؤخّراً، بسبب إكتشاف مخاطره التي يمكن أن تصل بالمريض إلى درجة الشلل أو الموت. وللتعرّف بشكلٍ وافٍ على طبيعة هذا المرض، لابدّ من معرفة مكونات العظام، فالمعروف أنّ العظام من الأجزاء الأساسية في جسم الإنسان، وهي عبارة عن نسيج حي يشبه في شكله خلايا النحل، ويتكوّن من أوعية دموية وخلايا وألياف عصبية وأملاح معدنية، من أهمها الكالسيوم الذي يعطي العظام الصلابة التي تتميّز بها. هذا النسيج يُهدَّم بشكل مستمر، ولكن يتم تعويضه مباشرة بنسيج جديد، مما يبقي تركيب العظم قوياً، إلا أنّه ومع التقدم في العمر تبدأ عملية فقدان العظم بالتغلّب على عملية التعويض العظمي، مما يؤدِّي إلى فقدان الكالسيوم بشكل بطيء ولكن مستمر، وهذا الأمر يعني اقتراب مخاطر ترقق العظام، إذ يصبح العظم أكثر عرضة للكسر عند الإصطدام بأي جسم صلب. والنساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ترقق العظام من الرجال بمعدل أربعة أضعاف، لاسيّما بعد سن اليأس الذي يترافق مع إنخفاض مستويات هرمون الإستروجين الذي يساعد على إمتصاص الكالسيوم، وتُعتبر عظام الورك والفخذ والعمود الفقري الأكثر عرضة للكسور. هل لترقق العظام عوارض معروفة؟ لا توجد إشارات واضحة تشي بالمرض، وعندما تظهر عوارضه يكون من الصعب استرجاع ما نقص من النسيج العظمي، ولا تظهر آلامه إلا عند حدوث تكسر في العظام، ولكن يمكن أن يؤدِّي هذا المرض إلى حدوث آلام في الظهر، كما قد يعاني المريض من إنكماش في عظام الظهر، ما يسبب انحناءه وحدوث نقصان في الطول. وفي حال حدوث كسور في الحوض أو الفخذ أو الفقرات أو الأضلاع، فإنّ المريض يعاني من أوجاع مبرحة، إذ أنّ 20% من المصابين بكسر في الحوض يقضون نحبهم خلال عام واحد بسبب هذا الكسر، بينما يعيش أكثر من 50% منهم بقية حياتهم مع إعاقتهم. أما المصابون بكسور في العمود الفقري، فيكونون عرضة في بعض الأحيان لحدوث شلل نصفي. يتم تشخيص مرض ترقق العظام والتعرف على علاماته عبر الفحص السريري، ومن هذه العلامات آلام المفاصل والرقبة وأسفل الظهر، كما يمكن إجراء الصور الشعاعيّة للعظم، وقياس كثافة العظام، والصّور المقطعيّة لها. أمّا الاختبار الأكثر شيوعاً، فهو عبارة عن نوع خاص من الأشعة السينية، وهي عملية خالية من الآلام، إذ يستلقي المريض على ظهره لمدة لا تتجاوز العشر دقائق حتى يتسنّى للجهاز أن يقوم بالتصوير المسحي للجسم. كما يتمّ قياس كثافة العظام وكمية الكالسيوم فيه، وتوجد تقنيات حديثة سهلة الإستخدام وسريعة النتائج، والتشخيص المبكر يساعد في الكشف عن المرض، فيتفادى المصاب الكسور التي تحتاج إلى فترة أطول من الطبيعي لكي تشفى. ولأنّ النساء بعد سن الخمسين يصبحن أكثر عرضة لهذا المرض، فمن الضروري لهنّ إجراء هذه الفحوصات، والواقع أنّ 50% من النساء فوق سن ال45 قد يكون لديهنّ بعض العلامات الدالة على تطوّر المرض. ما هي أسباب الإصابة بهذا المرض؟ تنمو عظام الإنسان خلال مرحلة الشباب حتى تصل ذروة متانتها في منتصف الثلاثينات، وبعد ذلك تبدأ العظام في الترقق بشكل تدريجي، ويزداد المعدل مع التقدم في العمر، لاسيّما لدى النساء لأن كتلة العظام لديهنّ أقل وعظامهنّ أضعف من عظام الرجال. كما أنّ هناك علاقة وثيقة بين هرمون الإستروجين وتغذية العظام، فهذا الهرمون الذي ينتجه المبيضان ويقوم بتنظيم البويضات، هو من أبرز العوامل المؤثِّرة في حدوث هشاشة العظام لدى النساء، لذلك ما إن تصل المرأة إلى سن توقف الدورة الشهرية، يبدأ إنتاج الإستروجين في التراجع والتوقف التدريجي، ونظراً لغياب المادة المسؤولة عن حماية الهيكل العظمي، فإنّ العظام تبدأ في فقدان تماسكها ويتفكّك نسيجها، لذلك تزداد إمكانية الإصابة بالمرض في سن اليأس، كذلك في حال إستئصال الرحم والمبيض. ويؤدِّي تناول بعض الأدوية مثل الكورتيزون أو الهيبارين أو مضادات الصرع أو المدرات لمدة طويلة، إلى زيادة إحتمالات الإصابة بترقق العظام، وكذلك بالنسبة إلى الإصابة ببعض الأمراض كفرط نشاط الغدة الدرقية وأمراض الجهاز الهضمي وسوء الإمتصاص، والفشل الكلوي المزمن، التي تزيد من إحتمال الوقوع في براثن هذا الداء الصامت. وتشكل الوراثة عاماً هاماً جدّاً في الإصابة بترقق العظام، ويلعب التدخين دوراً في ظهور هذا الداء، بالإضافة إلى نقص الكالسيوم والفيتامين D من النظام الغذائي وعدم ممارسة الرياضة وتناول القهوة بكميّات كبيرة جدّاً. كيف تتم الوقاية من هذا المرض؟ يمكن إعتماد نمط حياة وغذاء يساعد على إبعاد شبح ترقق العظام، إذ أثبتت الدراسات الحديثة أنّ الدهون الموجودة في الأسماك والمكسرات تلعب دوراً بارزاً في الوقاية من هشاشة العظام، التي تصيب النساء بعد فترة انقطاع الدورة الشهرية، إثر غياب هرمون الإستروجين. كما أن تناول الخضروات والفواكه لاسيّما البصل والبرتقال، يساعد على تقوية العظام وتعويض النسيج العظمي المفقود، وبالتالي تدعيم كتلة العظام والتقليل من فرص الترقق، بالإضافة إلى الإستروجين النباتي، ومن أبرز عناصره الصويا والألبان بشكل عام، الذي يعمل على إبطاء عمل الخلايا المدمّرة للكتلة العظمية تماماً كالكالسيوم الذي يحسن بناء العظم ويزيد كثافته، أما ملح الطعام فهو أحد العناصر التي تزيد إحتمالات الإصابة بالترقق. ويجب تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم للحصول على 1400 ملغ منه يومياً، والتعرّض بشكل كافٍ لأشعة الشمس لأخذ حاجة الجسم الكافية من الفيتامين D، أو أخذه بشكل أقراص يومية، وممارسة الرياضة كالمشي والهرولة لأنّها أساسية في عملية تشكيل العظام. ما هي سبل العلاج؟ علاج هذا المرض يقوم على التقليل من فقدان النسيج العظمي، إلا أنّه لا توجد طرق تمكّن من تعويض المفقود من هذا النسيج. ومن أكثر العلاجات انتشاراً علاج الإستروجين البديل للسيدات، وهو يقي من فقدان النسيج العظمي، ويساعد في الوقاية من أمراض القلب، ولكنه يزيد من احتمال الإصابة بسرطان الثدي. وهرمون الكالسيتونين الذي يُعطى عن طريق الجلد أو استنشاقاً أو عن طريق العضل، ويعمل على زيادة الكتلة العظمية ويحد من كسور العمود الفقري، ويخفف من آلامها إذا حصلت. والتيريباراتايد وهو الشكل الإصطناعي لهرمون الغدة الدرقية الذي ينظم استقلاب الكالسيوم، ويحسّن من نمو النسيج العظمي الجديد، بالإضافة إلى أدوية البيسفوسفونيت التي تزيد من كتلة العظام، وتقي من الإصابة بالكسور. هل نقول "وداعاً" لترقق العظام؟ يعمل الأطباء حاليّاً حول العالم على إكتشاف تقنيات جديدة لمحاربة مرض ترقق العظم الخطير، وأفادت آخر الأبحاث الطبية في الولاياتالمتحدة الأميركية أنّ الدورة الطبيعية لبناء العظام للمحافظة على قوة الهيكل العظمي، ثمّ تقنيتها لتلبية حاجات الجسم من الكالسيوم، هي دورة متوازنة بشكل دقيق، غير أنّ الأمراض مثل ترقق العظام تفتت كمية زائدة من الكتلة العظمية بدون إبدالها بأخرى، ما يؤدِّي إلى كسور فيها. وكما في كلّ مرض من الأمراض تصحّ مقولة "الوقاية خير من العلاج