خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    اليوم الوطني للبلدية: سنة 2025 ستشهد إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية تجسيدا للديمقراطية الحقيقية    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    قافلة تكوينية جنوبية    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    فرنسا تتخبط    الجزائر تطالب بإعادة إعمار غزّة    هل يُعاد إعمار غزّة؟    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    دخول مركب "كتامة أغريفود" مرحلة الإنتاج قريبا    التنفيذ الشامل لاتفاق السلام لتحقيق المصالحة الوطنية في جنوب السودان    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    بشعار "لا استسلام للخضر" في مباراة الحظ الأخير    مسابقة لاختيار أحسن لباس تقليدي    الجزائر تستضيف طبعة 2027 من المنافسة القارية    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    توقيف 3 أشخاص بحوزتهم 692 قرص مهلوس    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلعريبي… وزارة السكن تطلق حملة لمكافحة التغييرات العشوائية في السكنات    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المازيغية في خطر الجزء الثاني

هذه صورة سوداوية، ولكنّها صورة حقيقية، وفيها خطاب متوارٍ يحمل رسالة كلامية بليغة ومباشرة، أمست اليوم أبلغ وأسرع إيصالاً من أيّ تعبير، أنقلها إلى المجتمع الجزائري بكلّ انحرافها ولذلك ثرتُ وقلتُ: كان عليَ كتابة أكثر من مقالة على هذه اللغة التراث، وفي ذات اللغة التراث والتي هي قميص عثمان في الواقع الجزائري، فحقّ يراد به باطل؛ حيث تُرفع قضيةُ إعادة الاعتبار للمازيغية في المناسبات، ولكن توجّه لأغراض أخرى. وليعلم القارئ الجزائري بأنّ هذه اللغة يجب أن تُعطى لها كلّ الأهمية في واقع الحال للحفاظ على إرثنا الحضاري، فتحتاج إلى تهيئة وتعميم، لكن إنّ فاقد الشيء لا يعطيكه، وإنّ غير المؤمن بقضية لا يدافع عنها. ومن هنا فما السبيل إلى إحياء المازيغية التي أراها في خطر، وتعيش انتحاراً يومياً، وأشاهد احتضارها جرّاء الممارسات غير العلمية التي تقوم بها بعض المؤسّسات التربوية، أو من يقوم على خدمتها؟ ذلك ما أجيب عنه في المقترحات التي أزعم أنّها علمية لتجسيد لغة مازيغية تنقذها من الزيف والخطر الذي يحدق بها الآن، وهذا ضمن المعطيات التالية التي يجب أن يُعمل فيها العقلُ والتروي والعلمية، وهذا بالإجابة عن الأسئلة التالية:
1 هل يمكن تدريس لغة بلغة أخرى؟ أيّها القسم (أساتذة وطلاباً) فلقد أثبتت التجارب العلمية أنّه لم تقمْ للغة قائمة من خلال تمريرها عبر قناة لغة أخرى، فاللغة تدرّس في ذاتها ولذاتها كما يقول اللسانيDe Saussure F. وهناك بعض الممارسات اللغوية في تدريس لغة بلغة أخرى في ما يلي: في تدريس اللغات الأجنبية؛ في تدريس اللغات لغير الناطقين بها؛ في تدريس اللغات للكبار. وأما مسألة تدريس اللغات الوطنية فإنّها تقوم بذات اللغة وفي ذات اللغة فقط، بغية تمثّل أصوات تلك اللغة تمثيلاً حقيقياً. ولماذا كلّ هذا؟ لأنّ اللغة ممارسة، فإن لم تمارس فإنّها تبقى تنظيراً وصناعةً، وهذا ما تحفل به بعض مؤسّسات تدريس المازيغية في وطننا، فتدرّس كأنّها لغة أجنبية، وعهدي بها يعود إلى تلك المنهجيات التي رأيتها تُمارس من خلال منهجيات بعض المستشرقين الذين يدرّسون لغات يعرفون قواعدها لكن لا ينطقونها، فاللغة عندهم صناعة وتنظير. وقلت في نفسي: هل نحن ما نزال نعيش منهجيات المستشرقين والتي تراجعوا عنها منذ نهاية الأربعينيات، وهل المازيغية لا تزال تسبر غور أربعينيات القرن الماضي، وهل المازيغية في وقتنا الحالي نطبّق عليها منهجية تعليم اللغة لغير الناطقين بها، أو تعليم اللغة للأجانب؟ أليست لغة وطنية دستورياً؟ أين يكمن الخلل؟ وهنا ظهرت الإجابة من أنّ هيأة التدريس كان عليها أن تتحمّل مسؤولياتها في تغيير طرائق تلقين هذه اللغة، وفي اعتماد المنهجيات المعاصرة لتعليم اللغة الأم. فهل عجز أساتذة قسم اللغة والثقافة المازيغية عن هذا الأمر؟ لا أشكّ في ذلك إلاّ أنّ مسألة المبادرة هي الناقصة، وأنّ الإرادة موجودة في غياب الإدارة.
2 هل يمكن تدريس لغة دون الرجوع إلى تراثها؟ أيّها القسم، لا تعلنوا القطيعة مع التراث فبالطبع لا يمكن ذلك؛ فاللغة هي استكناه لتراثها، فهي في القراطيس رسم، وأهلها في التراب رمس ولا يمكن إلاّ أن يكونوا في الباب دوماً. وإنّ اللغة في أيّ مجتمع نقل تراث ثمّ ممارسة ذاك التراث، ثمّ يأتي التنظير لغير الناطقين بها أو للمتعلمين؛ فالتنظير يأتي من خلال استقصاء التراث في المقام الأول، ثمّ تأتي الممارسة، وعندما يقع التعارض بين التنظير والممارسة يُغَلّب التنظير. فلقد قلتُ في نفسي إنّ تراث المازيغية كنز الأجداد العظيم؛ له نفس طويل لعمره المديد، ولتنوّعه المستفيض، فهو مخزون الشعب الجزائري من التراث المادي وغير المادي، مخزون متناسل ورائج بوفرة في أفكارنا ومدوّناتنا، وتكمن أهميته في ما يحظى به من الامتداد الحضاري والثقافي العريق، الجامع بين العمق المازيغي والعربي والإفريقي والمغاربي. ونعرف أنّ كلّ الأمم المتقدّمة جمعت تراثها وفنونها الشعبية وغاصت في مكنوناته، واستخرجت منه الدرر الكامنة، وهيأت به للغاتها، بل واستقت منه القواعد التي يعود إليها المتعلّم. إنّ الاهتمامَ بتراثنا المازيغي شيء ضروري؛ فالتراث اللغوي الشفاهي تواصل عبر النقول والروايات، وهو مكوّن رمزي ومركزي في الذات والوجدان الجزائري، وما يزال يسهم في تقوية روابط الهوية والإخاء والتواصل بين الأفراد والجماعات "إنّ التراث المقول، رغم بساطة تركيبه اللغوي وإيجازه ثروة فكرية تفرز حكمة بالغة، وتعبّر عن مضمون إنساني عميق. وهو بمثابة ذاكرة حيّة وجماعية للشعوب، تحمل في طياتها ما يشكل حكمة وموعظة، تحدّد للإنسان سلوكه الاجتماعي وتمكّنه بالتالي من اكتساب دراية ما كان له أن يحصل عليها لولا ممارسته الفعلية لمسؤولياته طبقاً للموروث ". هذا التراث المتنامي أراه يستعمل بانزياح ويتأرجح بين الضفاف التعبيرية ليعبّر عمّا لا يُقال، فبدأت تظهر فيه الصناعة والتوجيه، ونكره الذات الحقيقية لأنّها تعبّر عن مضمون إبطال نظرية غلبة لغة الأقلية، وهي نظرية باطلة؛ فالأقلية في الحقيقة تذوب في الأكثرية، بمعنى أنّ العرب في الشمال الإفريقي لم يكونوا أقلية بل هي نظرية العودة إلى الأصول، وهذه النظرية تحمل في ما تحمل مسألة قبول الدين الإسلامي واللغة العربية بالقوّة، فهي من خرافات لا يقول بها العلميون. ولذا كنت أودّ استكناه التراث ذي المضمون الإسلامي المتصاهر الممزوج بالتآخي، وهذا ما لم يكن في الفتوحات الإسلامية التي عرفتها شرق أوربا وآسيا الوسطى، وبلاد إفريقيا، وأقصى آسيا. وكان على المعنيين في هذا المقام: النزول إلى بوادي الجزائر وأريافها واستطلاع مختلف التكلّمات التي عرفها المجتمع الجزائري في مختلف الحقب الزمانية؛ إجراء التحرّيات اللغوية بالمسح الجغرافي؛ وضع أطلس لغوي جزائري؛ العودة إلى توظيف الحكايات والفكاهات والألغاز الناطقة بالصورة العفوية؛ عقد مقارنات بين مختلف التكلّمات المازيغية واستخلاص أوجه الشبه؛ التحكّم إلى النظريات اللغوية المعاصرة والتي تراعي خصوصيات هذه اللغة، وبخاصة تلك النظريات المعتمدة في اللغات ذات الأرومة الحامية؛ التحكّم إلى القواعد العلمية فقط، دون إثارة بعض المتعلقات الخاصة بالعرق والعرقية، وعدم إقصاء اللغة العربية في دراسة خصائص المازيغية التي هي تشبهها في قواعدها وخصائصها؛ التحكّم إلى النظريات اللغوية المعاصرة التي قدّت نتائج نوعية في التهيئة اللغوية؛ الاستناد إلى التجارب الناجحة لدول عملت على إيلاء لغاتها الوطنية المقام الأعلى.
3 هل يمكن كتابة لغة بخطّ لغة أخرى؟ أيّها القسم، إنّ الخطَّ ليس حمولة فقط، بل هو الوجه المشرق للغة ولسان حالها، بل تُعرف اللغة من خلاله. كما يجب توضيح مسألة عدم وجود كمال خطّ من الخطوط أبداً، فكلّ اللغات عرفت وتعرف تحسّناً في الخطّ الذي تستعمله، وليست المسألة مفصولة فيها، بل إنّ الأبحاث تبشّر بالجديد في المسألة، بمعنى إنّ التطوير يحصل في خطّ اللغة ولا يعني هجران حروفها بسبب تخلّفها، وهذا ما لاحظته في خطّ التيفيناغ الذي هُجر في مؤسّسات يفترض أنّها تعمل على ترقية المازيغية، ولا تترقّى وهي بعيدة عن توظيف خطّها. وإن كان لي من رأي فإنّ المازيغية يجب أن تعتمد حروفها فقط (التيفيناغ) فهي المخرج والملاذ والأمن اللغوي، ولتكون لنا العبرة من كثير من الشعوب، فإنّ "الكوريين لا يذكرون الملك سيه جونغ رابع ملوك مملكة تشسون الكورية الذي اخترع الهانجول سنة 1441 إلا بالملك العظيم لينهي بذلك سيطرة الخطّ الصيني ". ويمكن أن نذكر في هذا المقام فعل الصينيين في أوائل أربعينيات القرن الماضي عندما اقترح بعض اللسانيين كتابة لغتهم الصينية باللاتينية، وسارت الأمور في السنة الأولى، ولكنّ الصينيين لم يستسيغوا تلك الكتابة التي لا ترتبط بأصالة لغته، ونفروا منه، وما عاد لها قبول حتى رجعوا إلى الخطّ الأصلي الذي ارتبطت به الصينية في أول نشوء لها... وأما بالنسبة للمازيغية فإنّ عهدنا بها في خطّها الذي لا بديل عنه، وإن كان لا بدّ من عدم اعتماد التيفناغ فإنّ الخط الشرقي، والذي تعايشت معه سنين وسنين خير ملاذ. أؤكّد مسألة كتابة المازيغية بالحرف العربي التي سال فيها المداد، وأبى من لهم سلطة الرأي إلاّ فرض الحرف اللاتيني على هذه اللغة التي لا تنتمي إلى جسم الحروف اللاتينية . وإنّ الأجداد بتركهم حرف التيفيناغ لم يكن نكاية فيها بل كانوا على دراية في عدم استجابة ذلك الحرف لمخزون اللغة المازيغية وهو شيء طبيعي جداً، فلقد تخلّى المصريون عن الرسم الهيروغليفي، وترك البابليون حروفهم المسمارية، ونبذ الحميريون حرفهم المسند، وهذا كلّه بدعوى عدم استجابة تلك الحروف (الخطوط) للرقي اللغوي الذي عرفته تلك اللغات. كما ترك الأتراك الحرف العربي لا لعدم استجابته للتطوّر المعاصر، بل نكاية في أنّ العرب انسلخوا من الإمبراطورية العثمانية، ورفضوا سياسة التتريك، إضافة إلى رغبة الأتراك في اتّخاذ العلمانية ديناً بدل الإسلام عماده اللغة العربية ورسمها الحرف العربي المعروف. إنّ كتابة المازيغية بالحرف اللاتيني زيادة لتوسّع الفرنسية في بلدنا لا غير، فهو لا يعمل على ترقية المازيغية بقدر ما يجرّها إلى حضارة غربية وهي ليست منها، بل يعمل على إضعافها، كما أنّ كتابتها بحرف التيفيناغ هو العودة إلى الأصل، ولكن ما مدى هذا الحرف في الاستعمال الوطني والمغاربي وفي الأربع عشرة دولة (14) التي تتواجد شكلاً المازيغية، وعلى المستوى العالمي؟ وما هي أبعاده التواصلية مع الغير؟ مع من يتمّ الاتّصال؟ وما هي آلاته وآلياته؟ وهي يمكن أن يفرض نفسه في حضارة الحروف المعتمدة دولياً؟...
4 استبدال كلمة (البربرية) بكلمة (الأمازيغية): أيّها القسم، يجب العلم بأنّ ظهور مصطلح المازيغية عندنا (في الجزائر) كان في ثمانينات القرن الماضي، وتمّ استبدال (البربرية) بكلمة (الأمازيغية) وإنّه لأمر خطير. وإنّ كلّ الدراسات القديمة كانت تستخدم كلمة (البربرية) دون مشكلة تذكر، فلا توحي لمدلول الكلمة الفرنسية Barbare، التي تعني الشعب المتخلّف والهمجي، وهذا ما كان يطلق عندها على شعوبها أيام حروب الهكسوس، وهي الشعوب التي تعاكسها في الحكم، ولها من صفات التخلّف. وعندنا تطلق الكلمة على شعب له حدوده الجغرافية، وله لغته وسماته الفيزيولوجية فقط، وهذه الكلمة قديمة جداً، وأقدم من نقل لنا كلمة (البربر) هم المصريون في كتاباتهم عن أخبار البربر، وإنّ أرتيميذورس الرهاوي: أحد الجغرافيين اليونانيين المشهورين عاش على رأس القرن الأول قبل المسيح، زار بلاداً كثيرة، ألّف (رحلة مطوّلة) جعلها موسوعة جغرافية، اشتملت على أحد عشر سفراً (11) جعل السفر السابع (7) منها في وصف أحوال بلاد البربر ، ثمّ كتب البونيقيون كتباً استعملوا مصطلح (البربر) كما أنّ شيخ التاريخ (هيرودوتس) أقام بليبيا عند قبيلة (قريتي) البربرية وتذكر لنا كتب التاريخ أنّ الممالك البربرية نُعتت بهذه التسمية، وعند الحديث عن الملك يوبا الأول أو يوبا الثاني ويوغراطة يسمى كلّ واحد ب (ملك البربر) ويطلقون على ماسينيسا ملك النوميديين اسم (ملك البربر) كما أنّ القديس أوغوستينيس استعمل كلمة (البربر) في كتابيه: الاعترافات/ مدينة الله، أما ابن خلدون فقد خصّ كتابه القيم بعنوان: تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان... وقبله كتب النسّابون العرب عن قبائل شمال إفريقيا، فوظّفوا كلمة (البربر) من مثل: ابن الكلبي ت 206 ه/ الطبري ت 310 ه/ المسعودي ت 345 ه/ ابن حزم 456 ه/ أبو يوسف الورّاق... وأما المصادر فهم اعتمدوا المصادر البربرية؛ أي تلك الكتب التي ألفها البربر في عصورهم وفي مراحل دولهم. وهذه اللفظة الجديدة أصبحت سرية وخاصة، ولا تفهم بشكل عادٍ ومباشر، وتحمل إشارات فهي لغة خاصة بذلك الميدان، وقد تستعمل في مقامات أخرى بتعبيرها المقصود، وتحمل على المجاز. والخلاصة التي أريد الوصول إليها أنّ كلمة (البربر) ليست عاراً على المازيغيين، بل هي من الكلمات الأصول التي عرفوا بها، ويحقّ لهم أن يفتخروا بها، والمشكلة أنّها فُهمت من جانب اللغة الفرنسية على أنّها معرّة في ساكنة شمال إفريقيا، وتحمل مدلول الهمج والتخلّف، وهذا غير صحيح في تراثنا في كلّ معاجمه. ونعرف أنّ كثيراً من المؤلفات كانت تحمل ذات الاسم، وأذكر على سبيل المثال كتاباً موسوماً ب (مفاخر البربر) لأبي علي صالح بن عبد الحليم الإيلاني . وهذا الكتاب مفخرة من مفاخر البربر؛ حيث يسرد صاحبه بإسهاب نادر التاريخ المشترك للمغرب والأندلس، وتاريخ أنساب البربر وعلمائهم، ورجال التصوّف والفقه والتفسير والأصول والأدب والعلوم. ويعدّ وثيقة هامة بتاريخ بلاد المغرب الإسلامي، وبتاريخ قبيلتي زناتة وصنهاجة. وإنّ صاحب الكتاب كان يعي تمام الوعي مدلول الكلمة وما تحمله من محاسن، ولهذا وضع هذا العنوان الذي لا يحمل المدلول الغربي. فالمازيغيون لهم مفاخرهم الكثيرة ومنها التسمية التي تعني: علو الهمّة والكبرياء.
5 مَحْو الكلمات ذات العلاقة بالعربية: أيّها القسم لا يجب أن يخلد في البال أنّ تخلّف لغة ما كان بسبب وجود تعدّد لغوي في الوطن، كما لا يجب أن نعلّق نقائص لغة على انتشار لغة أخرى. يمكن أن أقول: إنّ تخلّف لغة يعود إلى هيمنة لغة أجنبية، وهذا صحيح لا جدال فيه، ولكن أؤكد أمراً مهمّاً يدخل في صناعة المعاجم بهجران كلّ الألفاظ التي لها انتماء إلى العربية كأنّنا ننكر: انتماء اللغتين إلى أرومة واحدة؛ انتقال الألفاظ وطيرانها؛ عدم وجود الاقتراض اللغوي؛ التأثير والتأثّر؛ المغلوب مولع بلغة الغالب؛ الاحتكاكات اللغوية؛ الازدواجية اللغوية... لا يجب أن نقفز فوق التاريخ، أو نحرق المراحل، فإنّ الازدواجية اللغوية والتداخل اللغوي من العوامل التي عرفتها الكثير من اللغات، وهي تعبير عن التفاعل الاجتماعي Interaction يمارس على مستوى الاحتكاكات اللغوية، ولذلك ظهر في العصر الحديث البحث العلمي الجاد الذي يتحدّث عن الاقتراض Emprunt والاقتباس Citation، وهذا لعدّة عوامل، ومن أهمّها: *- العامل الديني؛ *- عامل الهجرة؛ * التداخل اللغوي؛ * عامل الغلبة؛ * العامل العلمي. وإنّه من الطبيعي أن تأخذ من لغة، ومن الطبيعي كذلك أن تتواجد في لغة ألفاظ لغة أجنبية أو رسمية أو وطنية بفعل الاحتكاك الذي يأخذ مجراه بصورة طبيعية وعفوية دون أن يتحكّم فيه توجيه ما. ولكن أن ننكر على لغة تواجد كلمات لغة يعني: نكران التاريخ المشترك؛ نكران التأثير والتأثّر؛ نكران الفضل بين اللغتين. وهذا يعين العمل على صناعة تلك اللغة التي استبعدنا ألفاظ لغة بغرض سياسي لا علمي، وهنا المطبّ الذي يعمل بعض الباحثين (وليسوا علميين) من إقصاء كلّ ما له صلة بالعربية من مثل: أزول لكلمة (السلام عليكم) أنسوف لكلمة (مرحباً)... ولقد عدت إلى مدوّنة التلفاز (أخبار السادسة) وكنت أسمع المذيع في النشرة (وأنا سليقي في المازيغية) ولا أفهم إلاّ القليل؛ لأنّ كلّ الكلمات جديدة، ولم أسمعها في محيطي، وقلت ربّما يعرفها الكبار، فوجدتهم لا يفهمون شيئاً ممّا يقدم من أخبار. يجب العلم بأنّ قطع الصلة بكلّ ما له علاقة بالعرب والعربية، والعودة إلى الأصول، وإثارة الفتن وعامل الفرانكفونية هي إثارات ليست في صالح المازيغية، ويجب الخروج من شرنقة الفرانكفونية الضيّقة، على أنّها محاربة اللغات الوطنية، وللأسف فإنّ أمثال هذه المسألة أكثرها موجودة في الدول التي كانت مستعمرات فرنسية، التي تعمل على المسخ الثقافي للهوية الوطنية. فلمَ لا ننظر إلى قطب الفرانكفونية على أنّها تفتّح على اللغة الفرنسية في شكل خدمة اللغة الوطنية، وفي شكل الاستفادة من علمها، لا الهيمنة اللغوية، وللأسف فينطبق علينا قول من يقول: إنّ الشعب يفقر ويستعبد عندما يسلب لسانه الذي تركه الأجداد، وعندها يضيع للأبد.
6 تدريس اللغة المازيغية: أيّها القسم، لقد رصدتُ بعض الدروس التي تلقى في مدرّجات القسم وكنتُ أطمح سماع دروس بالمازيغية، ووجدتُ أكثر الحصص تخلو من المازيغية، وبعض الحصص فيها أمثلة بالمازيغية فقط، ولاحظتُ أكثر الأساتذة يتواصلون مع طلابهم بالفرنسية، وقليل جداً ممّن يستعملون القبائلية في الرواق فقط. فقلت في نفسي: أين هذه المازيغية التي يتشدّقون بتدريسها؟ فهل يكون تدريسها بالفرنسية؟ أو ذلك هو المقصود من البداية، أو ربّما هي نتيجة لقائل قال ذات يوم: لولا العربية لما نادينا بالمازيغية. لا أخفي القارئ أنّ مسألة التلقين اللغوي باللغة التي تدرسّها لا تكون بغيرها، وترفض كلّ الدراسات الجادة تلقين لغة بلغة أخرى، بل يحدو بالمتلقي بذل الجهد باللغة التي يدرسها ليفهم استنباطاً، مهما اعوزته الحاجة، وهذا ما تقول به دروس تعليميات اللغات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ مسألة تدريس اللغة تتطلّب شروطاً علمية كان الأحرى تمثّلها في الخطاب وفي القواعد وفي فقه اللغة، ولا بدّ من توضيح الاجتهاد في تطبيق النظريات اللغوية ذات العلاقة بخطاب ديداكتيكي يتعلّق بالبحوث التربوية المستمدّة من النّحو التربوي التطبيقي. ويجدر بي رفع هذا السؤال: ما هي المازيغية التي تدرّس؟ سؤال علمي ووجيه، ونعرف أنّ المازيغية مازيغيات، ومن هنا فالمخرج الأول في هذا المقام هو تدريس هذا التنوّع اللهجي في المازيغيات إلى أن يأتي التوحيد. ولكن هل يأتي التوحيد؟ بل وكيف يأتي التوحيد؟ أرى في البداية أن كلّ أمازيغية تدرّس في مناطقها الجغرافية، وسوف يلعب الاستعمال والإعلام دوراً في لاحق من الزمان على التوحيد، وهذا الزمان لا شكّ أنّه سيكون طويل المدى والمدة. ولهذا ليس سهلاً تنميط لغة ما على حساب لغة أخرى، ومن هذه الزاوية رفضت بعض المناطق المازيغية تدريس المازيغية بأنّها تدريس لمازيغية معيّنة. ولحلّ هذه المعضلة نترك للتدريس وللاستعمال وللإعلام فرص لغة نمطية التي قد تكون ذات يوم.
7 استعمال المازيغية في المعاملات اليومية: أيّها القسم، يقول المختصّون: اللغة ممارسة وإغماس لغوي (Emersion linguistique) أو الحمام اللغوي (Le bain linguistique) في ذات اللغة التي هي مجال الدراسة والتدريس، فاللغة ليست مفردات وتراكيب وأداءات وأصل، بل هي وعاء لثقافات وعادات وقيم لا بدّ أن تمارس بصورة عفوية في محيطها، وهذا ما يثبت بأنّ التقدّم لا يتمّ بلغة الآخرين، ولكنّه بلغة أصحابه، وعن طريق الاستعمال تنشأ الظاهرة اللغوية في توسعة الحقول الدلالية للمفردات، وبفعل إحياء العادات والمسكوكات اللغوية وصولاً إلى نحت مفردات وشوارد جديدة، فلا يمكن للغة أن تقوم لها قائمة إذا لم تكن بخصوصياتها اللغوية، وعن طريق خصوصياتها يمكن للمتكلّم أن يكون فصيحاً في خطابه، والمتلقي أوضح في مراميه، وهكذا دواليك... ومن العبث أن نبحث عن المثل الأعلى لكمال لغوي منشود في لغة من اللغات، بل إنّ ذلك هو نوع من التغريب الذي هو مشكلة لغوية ومضمونية. وتأسيساً على ما سبق من خطورة على هذه اللغة التي أنكرها بعض من أهلها بالقطيعة التي يريدون لها أن تنقطع عن ماضيها، هناك جملة أخطار تحدق بها من خلال ما يحدق بها من ملابسات غير واقعية، بل من خلال التهميش الممارس عليها. ويبدو ليث إعادة النظر في جملة المقترحات التي تعمل على رفدها علمياً، ومنها: أولاً التخطيط اللغوي: إنّ الدوارج الجزائرية والمازيغيات لا تربطهما علاقة جينيتيكية مباشرة رغم انتمائهما إلى عائلة لغوية واحدة؛ فهما تستعملان في مقامات تواصلية حميمية: أسرة/ أصدقاء/ أسواق/ معاملات عامة، كما أنّ المازيغيات ينحصر التواصل بها في فضاءات جغرافية ضيّقة، وغالب اللهجات المازيغية مهجورة من مستعمليها عدا القبائلية والميزابية. والمازيغية ينظر إليها في الوقت الحالي كلغة إثنية وهُوياتية عرقية، وهذا بسبب التمزيغ الذي بدأت تظهر ملامحه في المنادين بتمزيغ 14 دولة بربرية تتواجد فيها المازيغيات، وعلى الأخصّ ما ينصّ عليه الكونجرس المازيغي في أنّ المغرب العربي يجب أن يتحرّر من الدخلاء العرب. لستُ مع التمزيغ المراد به التفرنيس؛ تمزيغ يقلع المتعلّم عن كلّ أصوله، تمزيغ يعيدنا إلى غابر الزمان كأنّنا بلا تاريخ، ولستُ مع الرغبة في إثبات الذات وإن بارتكاب الحماقات، فهذا مستقبل أجيال وسوف تحاسبنا عليه، كما أنّني لست مع التعريب الذي يقصيني عن الماضي السحيق؛ كأنّني ولدت مع مجيء عقبة بن نافع إلى شمال إفريقيا، أو إنّ تاريخي حديث. وممّا لا شكّ فيه أنّ النسيج الاجتماعي الجزائري متوحّد متنوّع، فلا ثنائية عرقية بين الناطقين بالعربية والناطقين بالمازيغيات، فلقد لعب في الحضارة العربية الإسلامية البربر (المازيغيون) دوراً محورياً في إشعال أنوارها، بدءاً من طارق بن زياد، إلى عباس بن فرناس، وإلى الجزولي، ويحيى بن معط، وإلى الأجرومي، وأرزقي الشرفاوي والمشداليين، والطاهر الجزائري والورثلاني... وهذا كلّه كان العامل على التصاهر الوطني المرتبط بالجذور الحضارية، وما التداعيات المتناسلة العاملة على إثارة الفتن إلاّ فقاعات يجب أن يعلم بها الجميع، وفي ذات الوقت لا لتهميش المازيغية، ولا لسحق الثقافة الوطنية باسم العروبة والإسلام، ولا باسم الحضارة الغربية (الفرنسية) فكان لا بدّ من تأسيس المعاهد، ومراكز البحث في اللسان المازيغي وتأسيس الجمعيات الثقافية، وهذا ما يمكننا من الانتقال إلى التماسك الاجتماعي الوطني الصحيح، فلا نحتاج من الجزائري أن يصطحب معه مترجماً وهو يتواجد في تيزي أو تبسة أو تيارت أو تلمسان كما لا نحتاج إلى حروب اللغات ؛ حيث إنّ الازدواجية التواصلية عندنا لا تمنع التعايش اللغوي داخل البلد الواحد ودون أن تتحوّل الجزائر إلى فضاء للاحتقان اللغوي، وازدواجية العربية المازيغية ضرورة طبيعية لموقع الجزائر وما عرفته من تداخلات لغوية واحتكاكات؛ نتيجة أنّ الجزائر كانت مجمع ثقافات المشرق والمغرب. وإنّ الصراع المفتعل بين المازيغية والعربية صراع زائل، فلدينا عوامل التوحيد في كلّ المناحي، فهل نبحث عن الاختلاف، وغايتنا البحث عن التكامل اللغوي، وعملنا وضع إستراتيجية وطنية تتعلّق بلغات المدرسة والإعلام والإدارة، والسعي لوضع خطّة تنمية المجتمع الجزائري في أبعاده الحضارية وأهدافه والعلاقات الاجتماعية المختلفة. إنّه لا يوجد تنوّع عرقي وقومي، ولا تنوّع ديني ومذهبي، بل يوجد تنوّع واختلاف في الرؤى، وهو ظاهرة كونية واجتماعية، ورؤية إسلامية مستحبّة، كما أنّه لا مجال للشكّ في ما تركه أجدادنا، وخاصة المخطوط بالحرف العربي من مصطلحات، ومن أسماء النباتات وأعلام الأماكن... إلى ما يندّ عن الحصر من أشكال التعبير. وتظلّ اللغة المازيغية أداةً لا غنى عنها للبحث في تاريخ وآثار البلدان المجاورة، ولذا كان من المجدي الشروع في إعادة تركيب الموروث المعماري اللغوي التي مزجت النسيج اللغوي والثقافي المازيغي، وإعادة التوازن إلى مكوّنات نسيج مجتمعي مهدّد بالانقراض، وإنّه لمن المفيد أن نعيد ربط أبنائنا بأصولهم الجزائرية، وباللسان المازيغي والعربي، ولا ننسى أنّنا دخلنا القرن الحادي والعشرين الذي يحتاج إلى آليات معاصرة، فلا نحتاج إلى شعارات تدغدغ عواطف البسطاء والمقهورين في مناطقنا التي ما اشتكت منطقة من أخرى، وما اشتكى جزائري من ساكنة عزازقة من أخيه من ساكنة بوسعادة. فيا أيّها الساسة والنخبة لا توقظوا الفتن النائمة، فدعوها تنقرض، بل أفيقوا مكوّنات النسيج الاجتماعي ذي الجذور الضاربة في أعماق التاريخ الوطني، واعملوا على تطوير النسيج الاجتماعي الذي نسجه الأجداد لنسير قدناً إلى الترقية الاجتماعية المتكاملة، ولردم فجوة التخلّف التي هي أمرّ من كل مرارة.
ثانياً: التهيئة اللغوية: يؤسف له أنّ تدريس المازيغية في قسم اللغة والثقافة المازيغية ليس لصالحها؛ لأنّه ليس في ذاته ومن أجل ذاتها، بل يأتي دعماً للغة الفرنسية؛ حيث تلقّن معظم المواد باللسان الفرنسي، إضافة إلى كتابتها بالحرف اللاتيني، وما يستعمل في مختلف اللقاءات والنشاطات لا تسمع إلاّ بعض الأمثلة من المازيغية الشاذة. وإنّ اللغة المازيغية في وقتنا المعاصر تحتاج إلى تهيئة أولية، وهي عملية البحث في التراث المشترك، وفي الاستعمال المشترك من المسرحيات وحكايا الجدات والأحاجي والألغاز والفكاهات، ومن مسموع العامة والخاصة... ويكون هذا من كلّ فئات المجتمع الجزائري الناطقة بالمازيغية، ومن ثمّ العمل على استخلاص القواعد من المستعمل الطبيعي وثمّ تقعيد اللغة، وتقنينها، وتحضير الكتابة، وبناء المعاجم. ومن الضروري أن تعرف التطبيقات التالية كي توضع لها القاعدة. وفي رأيي لا تخرج معطيات الترقية عن: 1 التنقية اللغوية؛ 2 العمل أحياناً على إحياء اللغات المهجورة؛ 3 الإصلاح اللغوي؛ 4 الإصلاح التربوي؛ 5 التقييس اللغوي؛ 6 تحديث المفردات؛ 7 وضع المصطلحات؛ 8 بناء القواميس العامة والمتخصّصة. وفي هذه المسألة يجب أن نكون نحن الكبار قدوة للصغار، فنحافظ أولاً على لغاتنا كما نحافظ على أرضنا، فلا بدّ من عزم وتخطيط، ووضع سياسات لغوية متبوعة بسنّ قوانين متبوعة بالتنفيذ وتنسيق الجهود، وفي هذه النقطة أدعو إلى فتح النقاش في مسألة اللغة، وعبر ندواتنا، ويكون القاسم المشترك بين المختصين الوعي بالأمر في لغة أمّ، التي هي تعبير عن واقع أنس وخطاب حميمي عفوي لا يمكن الاستغناء عنه ّ... ولهذا فإنّ لغة الأمّ تصبح جزءاً لا يتجزّأ من شخصية صاحبها، وتظلّ حتى وإن زاحمتها لغات أخرى فيما بعد، هي أقرب اللغات للتعبير عن الخلجات الدقيقة إرسالاً واستقبالاً على اختلاف ميادين الإرسال والاستقبال ". وهذا شيء متّفق عليه بأنّ لكلّ لغة مقامها وخطابها ومكانتها العلمية والحضارية والوظيفية.
النتائج: إنّ اللغة المازيغية تشكو وتعاني الخطر، وهي أشدّ ما تكون بالمرأة الجميلة التي أصابها السلّ والمرض، فتُنشد لجمالها، ويُهرب منها عند معرفة مرضها، فتعاني خطورة من قبل بعض العاملين على تنميتها، بل من قبل الموجّهين لها وجهة أتاتوركية، على أنّ تحديثها وتهيئتها يمرّ حتماً عن طريق La Tour Eiffel . 1 لا يوجد تدريس المازيغية في ذاتها ولذاتها؛ 2 لوحظ في بعض المقامات الصناعة اللفظية؛ 3 لوحظ استبعاد كلّ ما له علاقة بالنطق العربي؛ 4 لوحظ كثرة البحث في أحافير التاريخ عن كلمات غير ذوقية؛ 5 هناك انحراف مقصود في تدريس المازيغية؛ 6 لا توجد مؤسّسات تعمل على ترقية/ تهيئة المازيغية؛ 7 لا توجد تهيئة لغوية تعليمية بالمعنى العلمي للغة المازيغية؛ 8 نقص فادح في بحوث تعمل على تقديم البديل النّوعي في مجال التهيئة والتدريس؛ 9 يوجد في جامعتنا قسم اللغة والثقافة المازيغية والذي يمكن أن أسميه (قسم اللغة الفرنسية رقم2).
الخاتمة: لا أنكر أنّني لمستُ وجود الإرادة من قبل هيأة التدريس في ضرورة التغيير، كما لمستُ حسن الاستماع، وقبول التحسين والتطوير لواقع لغوي متهرئ في هذا القسم الذي يعيش عشريته الثانية من التأسيس، ويفترض أن تكون لهذا القسم صولات وجولات تحسينية، لكن دار لقمان على حالها، بل هناك أشياء عفا عليها الزمان، وهذا القسم لا يزال ينشدها عبر منهجيات تقليدية ميّتة، كأنّه يعيش القرون الوسطى، بما يعرفه من بعض الممارسات التي أغفلت الثقافة المازيغية في أبعادها: الحضارية واللغوية والعلمية والتاريخية. ورأت أنّ اللغة هي لغات العلم المعاصر، وأنّ" الثقافة هي ثقافة الغرب. وهنا مكمن الخطر بأن يحدث التدجين اللغوي، أو التوجيه الذي لا يتطابق والمقاس، وهذا ما سوف يشكّل قضية عند الأجيال القادمة التي سوف تعيد النظر في بعض القضايا التي لم تكن على صواب فلمَ لا ننتبه من الآن، ونصونها من الزلل، وبذا ننقذها من الخطر. ولإنقاذ المازيغية من الخطر، أوجّه هذا الكلام إلى من يهمّه الأمر، وإلى صانعي القرار، وإلى كلّ العاملين على ترقية اللغة المازيغية التي هي تراثنا جميعاً، أوجّه كلامي بخاصة إلى الزملاء الأساتذة الذين أروم منهم إعادة دفّة المازيغية إلى الطريق السليم، بل أناشدهم بالاحتكام إلى فعل الأجداد، كي لا نتوه كثيراً في البحث عن الهُوية الجزائرية؛ فهي مستنتجة من الهُوية البربرية والإسلامية والعربية والإفريقية والمغاربية والوطنية؛ والتي لها امتداد تاريخي كبير؛ حيث تعود جذوره إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وتبدأ من الفترة المازيغية الموسومة بعهد (ممالك البربر) وهذه الفترة كان لها ازدهار وانتكاس، ثمّ تعرج على تلك الفترة التي أخرجت هذا المجتمع البربري من الظلم والتعسّف وهي فترة دخول الإسلام هذه الأراضي؛ وخلالها ظهرت أقطاب الهُوية الوطنية وتمايزت في: الأرض والحضارة واللغة والدين. وبذلك توضّحت الرؤية في مسألة تراتب اللغات من حيث القيمة المضافة للغة العلم التي لها موقعها الخاص، وما تحمله اللغة الوظيفية من تمجيد ومكانة، وهذا منذ ما يزيد عن خمسة عشر قرناً، فهل نعود إلى الوراء، ونعيد النظر في المسلّمات، ونقول: إنّ الأجداد كانوا على خطأ. وإنّه لا يمكن لنا أن نذهب بعيداً إذا وقعَ إقصاءُ عامل من عوامل الهُوية الوطنية السالفة الذكر وبالأخصّ الهُوية اللسانية الوطنية، أو ما يمكن أن نعبّر عنه في المصطلحات المعاصرة بالمواطنة اللغويةLa citoyenneté linguistique وهنا أقول: إنّه بالعربية نمارس وجودنا الثقافي والعلمي وبلغاتنا القومية نمارس وجودنا الفنّي والفكري والتخصّصي، وبهيمنة اللغات الأجنبية نفقد وجودنا ووحدتنا. كما لا يمكن أن يكون وقع للغة للمازيغية إلاّ بما يلي: الوعي بالهُوية الوطنية. انتماؤنا الحضاري إلى الأمّة والثقافة الشرقية. الأخذ في الحسبان حدود اللهجات الوطنية. التهيئة اللغوية العلمية المعاصرة. اعتماد النظرية اللغوية المعاصرة ذات العلاقة باللغات الحامية. خطّ التيفيناغ أفضل خطّ مجسّد لأصوات المازيغيات.
التوصيات: لقد بدا لي أنّ مثل هذه المقالات سوف تعمل على إعادة النظر في بعض المنهجيات وفي عدم الركون إلى واقع حال لا يخدم المازيغية، ومن هنا رأيت ضرورة وجود التدبير العلمي والثقافي الحيّ مع ضرورة تغيير الذهنيات، وتصويب الأطروحات، فالإرادة قبل الإدارة، وكان الأحرى بقسم اللغة والثقافة المازيغية أن يعيد النظر في كثير من القضايا، وأن يخدم المسألة اللغوية علمياً. وأوصي بما يلي: 1 الدعوة إلى تأسيس قسم اللغة والثقافة المازيغية في كلّ الولايات الناطقة بالمازيغية؛ 2 الدعوة إلى تأسيس مجمع اللغة والثقافة المازيغية؛ 3 فتح وحدات بحث تتكفّل بوضع الأطالس اللغوية؛ 4 إنشاء وحدات بحث في إطار مشاريع PNR تتكفّل بتقديم معاجم عامة ومتخصّصة في المازيغية؛ 5 المطالبة بإجراء التحرّيات اللغوية بالنزول إلى الميدان لجمع المسموع من كلام المازيغيين؛ 6 مطالبة المسؤولين بوضع تخطيط لغوي يحدّد مقام اللغة الرسمية، واللغة الوطنية، واللغات الأجنبية؛ 7 العمل على تعميم تعليم المازيغيات في مختلف مراحل التعليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.