المواطنة مفهوم يغيب على الكثير من العامة، والمشكل أن ذلك يؤثر على علاقتهم بوطنهم، وتظهر انعكاساته الخطيرة على يومياتهم، لذا فإن المختصين يدقون ناقوس الخطر بوجوب نشر الوعي بين المواطنين خاصة في المؤسسات التربوية، حول مفهوم المواطنة لتكون حافز قوي لبناء مجتمع متكامل.. س. بوحامد/ق.م مع تنامي هاجس التغيير الديموقراطي عبر العديد من البلدان العربية، اتسع تداول مصطلح (المواطنة) لما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن صفة (المواطن) لا تعني فقط الانتساب للوطن، والارتباط به كتابع، وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف المجالات، له كيانه المستقل، وقناعاته الخاصة، ومن حقه أن يعبر بحرية عن آرائه واختياراته الشخصية، وأن يضطلع بدور إيجابي في الحياة العامة لرفع قيمة الانتساب للوطن.. التعلق العاطفي بالوطن يوجد لدى الإنسان بالفطرة، فإن الوعي بمقومات المواطنة، وما يتبعه من إحساس بالمسؤولية والتزام بالواجبات نحو الوطن، يكتسب بالتعليم والتأهيل، عن طريق الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام، والثقافة، والمجتمع، وإذا كانت كل هذه القنوات تتكامل أدوارها في إشباع الأجيال بقيم المواطنة، فإن النتائج لابد وأن تكون ملموسة في تسريع وتيرة ارتقاء المجتمع وتحضره. وفي ضوء أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة سنة 1989، فإن الطفل الذي يجب أن يلج المدرسة، وأن يحظى بتنشئة اجتماعية في ظروف جيدة، لا يمكن النظر إليه كمجرد تلميذ ينبغي إعداده لكي يكون مواطنا في المستقبل، فهو مواطن في الأصل، وتربيته على المواطنة تعني تحضيره للمشاركة الفاعلة في خدمة وطنه، وتزويده بالمعارف والمهارات والقيم التي تؤهله لتحمل المسؤوليات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتُعده للمساهمة الإيجابية في تطوير المجتمع نحو الأفضل. وهناك اهتمام متزايد في الدول الديموقراطية في غرب أوربا كفرنسا بموضوع التربية على المواطنة وتأسست لجان للتنسيق على مستوى الاتحاد الأوربي في هذا المجال، سبق أن أعدت برنامج عمل مشترك للتربية على المواطنة الديموقراطية (E.C.D.) يهم الفترة (2001- 2004) وتم التحضير لجعل سنة 2005 سنة أوربية للمواطنة بالتربية . ويحدد المكتب الدولي للتربية (B.I.E. ) أربعة أبعاد للتربية على المواطنة وهي: حقوق الإنسان: كونية حقوق الإنسان، والمساواة في الكرامة، والانتماء إلى المجتمع، الديموقراطية: إعداد الفرد للحياة السياسية والمدنية، التنمية: إكساب اليافعين والشباب الكفاءات والمؤهلات الضرورية لمواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية لمحيطهم، ومقومات التنمية المستدامة، السلام: كنتيجة وسيرورة المواطنة المستمدة من حقوق الإنسان، والهادفة للتنمية المستدامة. ومن أبرز أسباب ومظاهر التخلف في معظم بلدان العالم الثالث، النقص في التربية على المواطنة، وما يترتب عن ذلك من ضعف الإحساس بالمسؤوليات والالتزامات تجاه الوطن؛ وإذا كان من الممكن تبرير اقتران هذه الظاهرة السلبية بأشخاص لم يلجوا المدرسة، أو انقطعوا عنها في مستويات متدنية، فإنه من الغريب أن تقترن بأشخاص يُفترض أنهم من النخبة، بالنظر لمستوياتهم التعليمية، ومواقعهم المهنية والاجتماعية، والتزام الأفراد بمقومات المواطنة يرتبط بالسلوك الحضاري الذي قد يتحلى به أحيانا مواطن عادي ولو لم ينل حظه الكافي من التعليم، وقد لا يتحلى به شخص حاصل على شهادات عليا ومتحمل لإحدى المسؤوليات في الدولة. تعليم المواطنة يكرس للعدالة الاجتماعية وحسب المختصة في علم الاجتماع سهام بداوي، فإنه من المؤسف أن نرى أشخاصا يرددون كلمة المواطنة كشعار، ولا يترجمون في سلوكهم اليومي ما تفرضه المواطنة الحقيقية من واجبات والتزامات، كمن تسيطر عليهم الأنانية الذاتية فيعيشون لأنفسهم فقط، ويعتبرون أن الوطن يجب أن يوفر لهم ما يحتاجون إليه من خدمات عامة متنوعة دون أن يساهموا بأي عمل لصالح هذا الوطن، أو الذين يتهربون من أداء الضرائب، أو يتعمدون الغش في نشاطهم المهني، أو يستغلون مواقع النفوذ للارتشاء وممارسة المحسوبية والزبونية، وتشجيع الوصولية، أو ينهبون المال العام، أو يستغلون الممتلكات العمومية لمصلحتهم الخاصة، أو يهربون الأموال إلى خارج البلاد، والذين يهمشون اللغة أو اللغات الوطنية، ويعملون على إحلال لغة أجنبية محلها، فلا يستعملونها للتعرف على الثقافات الأجنبية، وللتحاور مع الأجانب، وإنما يستعملونها في حياتهم اليومية، ويتحدثون بها داخل محيطهم الاجتماعي، ومع أبنائهم، وما يتبع ذلك من استلاب وتنكر للقيم وللثقافة الوطنية. ولذلك فإن التربية على المواطنة حسب ذات المختصة، فضلا عما تتطلبه من توجيه سليم، وقدوة صالحة، داخل الأسرة والمجتمع، تتوقف على وحدة المدرسة، التي ترتكز على مبدإ أساسي وهو أن التربية والتعليم حق لكل طفل، وتضمن تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد، سواء كانوا من أسر ميسورة أو فقيرة، أو كانوا من سكان الحواضر أو البوادي، وتتوحد في تلقين نفس المناهج التي ترتبط بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولا تقتصر على إعطاء التلاميذ مجموعة من المهارات والمعلومات، وإنما تشبعهم بالإضافة إلى ذلك بقيم المواطنة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتنمي لديهم الإحساس بالمسؤولية، وحب العمل الجماعي، وقبول الاختلاف، والتعايش مع الآخر، وتغذيهم بقيم التسامح، ونبذ العنف والإقصاء، والاعتدال وعدم التطرف، وأخذ المعرفة على أساس النسبية، وتعود التلاميذ على المناقشة والتحليل، واستعمال الفكر، والاحتكام إلى العقل في الاستنتاج، والتمرس بالتعبير عن الرأي، في إطار الحوار المنتج، وتحفزهم على الابتكار والمبادرة الشخصية، وتؤهلهم لولوج عالم المعرفة من أوسع أبوابها، والانفتاح على القيم الإنسانية الكونية. ولا يمكن تحقيق كل ذلك عن طريق مادة دراسية ضمن برامج التعليم، وإنما يتم ذلك عبر مناهج وطرق التلقين في مختلف المواد، ومن خلال أسلوب تعامل المعلمين والأساتذة والمؤطرين مع التلاميذ، وبمشاركة هؤلاء في اختيار نظام تسيير القسم الدراسي، وتسيير المؤسسة التعليمية بصفة عامة، وذلك بواسطة ممثلين يختارونهم بطريقة ديموقراطية، وعندما تتوفر المدرسة بكل الشروط والمواصفات المذكورة، يمكن أن نكون أمام جيل يفهم معنى الوطن والانتماء والولاء.