يرسم المخرج الكندي دني فيلنوف في فيلم "حرائق" خريطة للحرب الأهلية في لبنان تختلط فيها دماء الطوائف حتى يصير الضحية جلاداً، ويتحقق مستحيل يجعل من واحد وواحد واحداً مفرداً لا اثنين كما تقول أي معادلة رياضية. يبدأ الفيلم بالشاب سيمون وشقيقته جان في مكتب محام بكندا، حيث يعيشان وينتظران فتح وصية أمهما اللبنانية نوال مروان التي عملت 18 عاماً مساعدة للمحامي الكندي الذي يقرأ الوصية المشفرة، وهي تنص على إعطائهما رسالتين إحداهما تسلم لأخ لهما لا يعرفان عنه شيئاً والثانية لأبيهما الذي يظنانه قد توفي. تبدأ رحلة جان الى لبنان للبحث عن الحاضر الذي لا تتوصل اليه الا بمعرفة ماضي أمها (1949-2009) لتفاجأ بتاريخ من صراع ودماء وانتهاك صبغ وجه البلاد سنوات وتكون هناك مفاجآت أشبه بفواجع تراث الميلودراما، احتفظ بها المخرج لقرب نهاية الفيلم الذي يبلغ 130 دقيقة. الفيلم الذي اقتبس عن مسرحية بالعنوان نفسه للمسرحي اللبناني الكندي وجدي معوض عرض مساء الجمعة في مهرجان أبوظبي السنمائي الرابع. وتعلم جان أن أمها التي تنتمي الى جنوب لبنان أنجبت ابناً من شاب فلسطيني اسمه "وهاب" الذي قتله أهلها أمام عينيها لأنه "ابن المخيمات" ويقررون إرسالها بعد أن "وسخت اسم العيلة" الى خالها شربل في المدينة. هناك تلتحق بالجامعة لكنها تقرر العودة الى الجنوب للبحث عن مصير ابنها في دار للأيتام. فتفاجأ بأن الدار تعرضت للإحراق وترى الادخنة تتصاعد منها ولا تعلم شيئاً عن ابنها الذي تعرفه من وشم صنعته القابلة، وهو عبارة عن ثلاث نقاط أعلى الكعب. وتمضي نوال في رحلة البحث الى أن تلمح حافلة قادمة من بعيد فتستعد لركوبها وتخفي الصليب المعلق على صدرها وبعد فترة يهبط السائق متوسلاً لملثمين أن يتركوه هو ومن معه لأنهم أطفال ونساء، ولكنهم يطلقون النار على رأسه ويقتلون من بالحافلة. ولا ينجو إلا نوال وامرأة أخرى وابنتها ويصب الملثمون وقوداً على الحافلة تمهيداً لإشعال النار فيها فترفع نوال الصليب بيدها معلنة أنها مسيحية فتنجو ويحرقون الحافلة ويقتلون المرأة الاخرى وابنتها وينصرفون كأنهم انتصروا. وفي القرية تقوم الابنة جان بإطلاع من تظنهم يعرفون أمها نوال على صورة فوتوغرافية لها في شبابها، فينكرون الأم ويتهمونها بكل سوء. ويستعرض الفيلم كيف أصبحت نوال تدرس اللغة الفرنسية لأبناء قائد ميليشيا مسيحية يمينية تدبر حيلة لقتله وتتعرض بسبب ذلك للسجن 15 عاماً، ويقول سجان تولى حراستها 13 عاماً في سجن بلدة كفر ريات إنها كانت طوال الوقت تغني وإنهم فعلوا كل شيء لكسرها ولكنها ظلت "شامخة لم أر مثلها من قبل لم تنكسر" رغم تعرضها للاغتصاب على يد شاب لا يعرف الرحمة اسمه "أبوطارق"، وأدى ذلك الى حملها ووضعها "ابناً" في السجن، أما ابنها من "وهاب" فاسمه نهاد وولد في شهر ماي 1970 وحمل اسم "نهاد مايو" كلقب مؤقت. تنهار جان بعد علمها بقضية اغتصاب أمها وتتصل بأخيها تستدعيه فيأتي ويبدأ رحلة البحث عن شخص اسمه "والات شمس الدين" قيل لهما إن لديه علماً بأخيهما المجهول "نهاد مايو" ويستطيعان الوصول الى قابلة السجن التي تخبرهما أن "المرأة التي كانت تغني" وضعت توأماً ولداً وبنتاً وتفتح القابلة ذراعيها لابني السجينة السابقة. يستدعي شمس الدين الابن سيمون ويخبره بأن أخاه نهاد كان مهووساً بالحرب وبارعاً في الرماية، وأنه كان "أخطر قناص أراد الاستشهاد" وأنه ذهب الى سجن كفر ريات ليس كسجين بل "معذب" للسجناء والسجينات بعد أن حمل اسم "أبوطارق" وأنه يعيش الآن في كندا واسمه نهاد حرماني. ويعرض الفيلم مشاهد للأم نوال في مسبح حيث تلمح قدماً تحمل الوشم المميز من ثلاث نقاط أعلى كعب شاب فتفرح وتخرج من المسبح ولكنها حين تقترب منه تفاجأ بأنه هو نفسه الذي اغتصبها فتبتعد وتصاب بالذهول. ولا يستطيع سيمون أن يخبر أخته بالحقيقة ويسألها كيف يمكن أن يكون واحد وواحد واحداً لا اثنين. كان الأخوان يبحثان عن شخصين عن أخ غير شقيق وأب يظنانه توفي فإذا الأخ والأب شخص واحد. ويتمكن الإخوان من العثور على "نهاد حرماني" في كندا ويسلمانه رسالتين إحداهما كابن تخبره أمه أن "لديه وشماً على الكعب" والثانية كأب معذب بكسر الذال وتشديدها. وتخبره نوال في الرسالة أن سيمون وجان هما أخواه وابناه. ورغم ما حفل به الفيلم من مصادفات ميلودرامية رآها البعض غير مبررة فنياً فإن مخرجه قال إن المسرحية التي اقتبسه منها لكاتب لبناني عاش بين لبنان وكندا وإن المؤلف ربما كان في ذهنه سهى بشارة التي قتلت أنطوان لحد "عميل اسرائيل" في جنوب لبنان عام 1988 وكانت في الحادية والعشرين وسجنت في اسرائيل التي سلمتها بعد ضغوط دولية الى جيش لبنان الجنوبي وقضت في سجن الخيام عشر سنوات الى أن أفرج عنها عام 1998. ومهرجان أبوظبي الذي يختتم الجمعة القادم يشارك فيه 71 فيلماً روائياً طويلاً و55 فيلماً قصيراً و46 فيلماً إماراتياً وخليجياً وتمثل هذه الأفلام 43 دولة.