نشأ تنظيم ما أُطلق عليه اسم "الأفغان العرب" خلال الحرب السوفيتية الأفغانية، حينما أقدم الاتحاد السوفيتي على اجتياح أفغانستان، فثارت الدنيا كلها وعلى رأسها أمريكا والغرب ومعهم العالم الإسلامي ومنه باكستان والسعودية ومصر ودول خليجية أخرى، دعمت كلها سفر المجاهدين العرب إلى بيشاور حيث أنشأت مراكز التدريب والانطلاق. وقام الشيخ أسامة بن لادن بتكوين معسكر ضخم هناك أسماه "القاعدة"، أي قاعدة استقبال المجاهدين العرب. ثم صار اسم المعسكر عَلماً على التنظيم بعد ذلك. ولعبت الحكومة الباكستانية مع دول الخليج والغرب دوراً كبيراً في دعم هذا الجهاد لإنهاك الاتحاد السوفيتي ومنعه من دخول المياه الدافئة أو السيطرة على الخليج العربي. وقد استمرت هذه المرحلة حتى انسحاب الروس من أفغانستان، ليحدث الخلاف بين الفصائل الأفغانية، ويضطر ابن لادن ومجموعته إلى مغادرة أفغانستان إلى السودان التي تعرضت لضغوط سعودية كبرى لترحيل بن لادن منها وخصوصاً بعد حدوث بعض التفجيرات التي نسبت إليهم، وصدور تصريحات عدائية من ابن لادن تجاهها. بعد عودة بن لادن والظواهري ومجموعة القاعدة إلى أفغانستان مع بداية حكم طالبان وترحيب الأخيرة بهم، وإعطائهم مساحة كبيرة من حرية الحركة. وكان يمكن ابن لادن ومجموعته أن يسهم في تطوير وبناء وتنمية أفغانستان كدولة إسلامية واعدة لتكون نموذجاً للدولة الإسلامية الجيدة، ولكنه اختار طريقاً آخر حينما أعلن عن جبهة موحدة لمحاربة الصليبين: أي الأمريكيين واليهود في كل مكان. وكانت هذه أول فتوى في تاريخ الإسلام كله تأمر بالقتل على الجنسية أو الديانة. فقد قاتل المسلمون الروم ولم يأمروا بقتل كل رومي، وقاتلوا الفرس ولم يقاتلوا إلاّ من يقاتلهم. مع بداية هذه المرحلة قامت القاعدة باستهداف وتفجير المدمرة الفرنسية (كول) في اليمن عن طريق المركب المتفجر الذي اقترب منها في ميناء صنعاء. وتم تفجير سفارتي أمريكا في تنزانيا وكينيا مما حدا بكلينتون أن يقصف معسكرات القاعدة في أفغانستان بصواريخ كروز. وكانت هذه العمليات تتم بالمخالفة للاتفاق بين الملا عمر وبن لادن بألا يقوم الأخير بأي هجمات انطلاقاً من الأراضي الأفغانية. وتسببت الأحداث الأخيرة في أزمة عنيفة بين الرجلين؛ لأن بعض القبائل الأفغانية طالبت بطرد ابن لادن والقاعدة من أفغانستان ولكن الملا عمر استحى من ذلك وأخذ عليه العهود والمواثيق بعدم تكرار ذلك. بعد أن تلقى تنظيم القاعدة ضربات قاسية، إذا بفكره ينتشر عبر شبكة النت، وإذا ببعض المجموعات التي تنتهج فكرة تقوم بعمليات تفجير واسعة النطاق في بلاد كثيرة: ففي السعودية "تفجيرات الرياض"، وفي المغرب "تفجيرات الرباط والدار البيضاء"، وفي باكستان "عشرات التفجيرات"، وفي الأردن "تفجير فندق"، وفي العراق "عشرات التفجيرات"، وفي مصر "تفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ... إلخ، وفي بريطانيا "مترو لندن"، في إسبانيا "مترو مدريد". وكل الذين قاموا بهذه التفجيرات لا ينتمون إلى "القاعدة" تنظيمياً، وإنما فكرياً، والذي ينظر إلى كل هذه التفجيرات يدرك أن 99 بالمائة من الذين قتلوا فيها من المدنيين، وأن "القاعدة" لم تستهدف إسرائيل مرة واحدة في حياتها، وأن كل المستهدفين دائماً مدنيون عزل، وأن معظم القتلى في البلاد الإسلامية من المسلمين، وبعض هذه التفجيرات كانت في مساجد، أو في أسواق أو غيرها. وهذا يوضح أن فكر القاعدة هو فكر تكفيري في الأساس، وإذا قتل مسلم لم يجدوا حجة في قتله قالوا بمنتهى البساطة: "يبعث على نيته"، وكأن الأصل هو إراقة الدماء وليس حقنها! بعدها عاد التنظيم إلى لحمته وقوته بعد ثورات الربيع العربي، وإنشاء أفرع جديدة لم تكن موجودة من قبل، وإعادة التماسك التنظيمي مرة أخرى، وإعادة الاتصال بين قيادة القاعدة والأفرع، والتطور النوعي في التدريب والتسليح، وذلك حدث بعد ثورات الربيع العربي. في الختام، لو أنها شاركت القاعدة الملا عمر وطالبان في عمل مصالحة وطنية أفغانية تجمع كل الفرقاء الأفغانيين في إطار موحد وعادل لحكم أفغانستان، وكذلك المشاركة في تنمية دولة أفغانستان الإسلامية الوليدة، لكان ذلك أفضل من قيامها بأحداث 11 سبتمبر التي كانت سبباً رئيساً في إعادة احتلالها مرة أخرى. كأنها أضاعت بهذا الحادث جهد ودماء سنوات طويلة من المجاهدين الأفغان والعرب. كانت سببا ً في إراقة دماء آلاف الأفغان أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان. والحقيقة أن القاعدة لم تشارك بدور فاعل في الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال الأمريكي، حيث إن معظم قادتها وأفرادها إما قتلوا أو أسروا أثناء الغزو الأمريكي، أما الباقون منهم فقد هربوا إلى إيرانوباكستان. أما مشاركتها في الجهاد العراقي ضد المحتل الأمريكي فهي شيء محمود ولكن شابته أخطاء كثيرة، منها: استهداف المدنيين العراقيين في الأسواق والمساجد والشوارع وكلهم مسلمون. كذلك استهداف الشيعة بالقتل وتدمير بعض مساجدهم. وهذا أضر بأهل السنة العراقيين ولم ينفعهم؛ حيث إن ميليشيات الشيعة قاموا بعمليات انتقامية دون رحمة أو شفقة من أهل السنة حتى إنهم كانوا يقتلون على الاسم، فمن كان اسمه أبا بكر أو عمر يقتل فوراً. وهؤلاء ابتدعوا في الإسلام أعظم البدع وهي القتل على الاسم. تلك والله من أعظم الكبائر والافتراء على الله وعلى شريعته وعلى فريضة الجهاد العظيمة.