قال مقرر الأممالمتحدة الخاص بحقوق الإنسان في بورما توماس أوخيا كوينتانا إن هناك بوادر إبادة جماعية في ولاية أراكان (بورما) فيما يتعلق بالمسلمين الروهنجيا. وأضاف كوينتانا الذي كان يتحدث في مؤتمر بلندن : (على عقود من الإبادة التي ترعاها الحكومة ضد الروهنجيا هناك جرائم ضد الإنسانية من الممكن أن تصل إلى الإبادة جماعية ونحتاج إلى مناقشتها _وأضاف _ هذا المؤتمر مهم جدا لأنه يسلط الضوء عليها). وشهد المؤتمر التقاء عدد كبير من القانونيين والخبراء والأكاديميين والناشطين في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE) الذين شرعوا في نقاش عام بشأن ما إذا كان اضطهاد الروهنجيا في ميانمار يجب اعتباره إبادة جماعية بموجب القانون الدولي. وشملت قائمة المتحدثين رئيس الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية البروفيسور دانيال فايرستاين والأمين العام للمحكمة الشعبية في روما البروفسور جياني توغنيوني ورئيس منظمة (بروك) تون خين. حرق بطيء وقدم خبراء في القانون الدولي تعريفات عن الإبادة الجماعية وآليات ونماذج تحقيق العدالة فيما عرض كبار الباحثين في مجال حقوق الإنسان والأكاديميين وكذلك اللاجئين الروهنجيا أدلة على عقود من الاضطهاد المنهجي للمسلمين للروهنجيا في ميانمار. الدكتور زارني، رئيس المؤتمر، قدم القضية على ما وصفه ب (حرق بطيء من الإبادة الجماعية) للروهنجيا في ميانمار منذ عام 1978م استنادا إلى ثلاث سنوات من البحث الأرشيفي الواسع ومقابلات مع ضباط الجيش وضحايا روهنجيين. وخلص المؤتمر إلى ضرورة وضع حد فوري لاضطهاد الروهنجيا في ميانمار، الذين يقولون إنه يصل إلى حد الإبادة الجماعية. وسوف يتم اعتماد الرسالة من قبل الأفراد والمنظمات المعنية بما في ذلك بوردن تيين سيوارد وهو أحد الناجين من الإبادة الجماعية في رواندا ضد التوتسي ومؤسس مجموعة (PAX) للسلام لمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية، والبروفيسور نعوم تشومسكي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والبروفيسور سبيفاك من معهد(Gayatria Chakravoty) بجامعة كولومبيا، والأستاذ الفخري ومؤسس دراسات اللاجئين البروفيسور في جامعة أكسفورد د. باربرا هاريل بوند، والأكاديمية البريطانية في مدرسة لندن للاقتصاد البروفيسور ماري كالدور والمدير التنفيذي لمركز التوثيق في كمبوديا Youk Chhang. وقال تون خين، الذي يتبنى تشريع قانون في الكونجرس الأمريكي يدعو إلى إنهاء اضطهاد الروهنجيا: (لقد بات شعبنا يخضع لسياسة التمييز والاضطهاد على يد قوات الأمن والمتطرفين المحليين من البوذيين ما يقرب من 40 عاما)، وأضاف (إنني أناشد العالم بعدم السماح لتكرار رواندا أخرى للروهنجيا). مأساة.. ويعاني الروهنجيا في ميانمار من عدد من جوانب الحياة بما في ذلك الزواج والولادة والقدرة على العمل، وحقوق المواطنة التي تنفيها الحكومة رسميا في ظل اعترافها ب 130 مجموعة عرقية في البلاد، إضافة إلى حرمان شريحة كبيرة منهم من الخدمات الإنسانية الأساسية مثل المياه والغذاء والدواء. ويبدو أن سلطات بورما البوذية (شبه العسكرية) في عجلة من أمرها للانتهاء مخططها التاريخي الهادف لإنهاء التواجد الإسلامي في إقليم أراكان بغرب البلاد والذي تمثله العرقية الروهنجية المسلمة. كما يبدو أن سبب استعجال حكومة بورما لغلق هذا الملف نهائياً (إنهاء التواجد الإسلامي في البلاد)، سببه تواصل ضغوطات المجتمع الدولي عليها لإجراء مزيد من الإصلاحات الدستورية لأنحاء مرحلتها الانتقالية نحو التحول لنظام مدني ديموقراطي منفتح على الحقوق والحريات لكافة العرقيات التي يتشكل منها الشعب البورمي. وبهذا يتضح بأن النظام الحالي للبلاد في بورما يريد التعجيل بالتخلص من ورقة (العرقية الروهنجية المسلمة) قبل الانتهاء من حزمة الإصلاحات المنتظرة حتى لا يشملهم أي تغيير على واقعهم الحالي كنتيجة للحراك السياسي الدستوري الجاري في البلاد حالياً. وبناء على ذلك، فلم تجد سلطات بورما سوى إقصاء هذه الأقلية المستضعفة (الروهنجيا) من عمليات التعداد السكاني الذي صفه المراقبون بأنه إحصاء (تمييزي وإقصائي) ل(مسلمي الروهنجيا)، وبهذا تحذف بورما أكثر من 90 بالمائة من مسلميها من تعدادها السكاني (مرة واحدة). تأتي هذه الخطوة الأخيرة (الإحصاء السكاني) في سياق خطوات سابقة قامت بها السلطة البوذية في البلاد هدفت جميعها إلى إنهاء التواجد الإسلامي في أراكان. فقد أسفر قانون صدر في عام 1982م عن انتزاع (حق المواطنة) من مسلمي الروهنجيا، وتسبب بذلك في تحويلهم بجرة قلم من مواطنين في بلادهم لهم الحق في المشاركة في العملية السياسية والتنمية الاقتصادية وطرح الأفكار وإقامة المشروعات للنهوض بالبلاد، إلى مهاجرين غير شرعيين حرموا من كافة هذه الحقوق سالفة الذكر، بالإضافة إلى ذلك فقد تمت مصادرة كافة ممتلكاتهم وأراضيهم وأصبحوا في ليلة واحدة لا يملكون أي شىء في بلادهم (السابقة وفق هذا القانون الجائر). حملات إبادة وهدفت السلطة البورمية البوذية العسكرية في هذا الوقت إلى دفعهم للرحيل عن البلاد، إلا أن تمسكهم بأرضهم التاريخية رفضهم الرحيل عنها دفع تلك السلطات إلى مواصلة مخططها الإجرامي حتى يحقق الهدف الذي تم وضعه له. فانطلقت حملات الإبادة الجماعية التي نفذتها سلطات بورما بنفسها في حق مسلمي الروهنجيا وآخرها في عام 2012م لتهجيرهم من البلاد، ومع ذلك ظل مئات الآلاف منهم داخل بورما، دفع السلطات البوذية لإقامة مخيمات (النازحين داخلياً) لهؤلاء الرافضين للهجرة خارج البلاد، انتظاراً لفرصة قادمة ليتم طردهم مرة واحدة من البلاد والتخلص منهم للأبد. هذه المخيمات التي هي أشبه بالسجون المفتوحة، بل أشد منها حيث لا يسمح بمغادرتها إلا وفق تصريح من السلطات، ولا تتوفر المياه النظيفة ولا الرعاية الصحية ولا أمان من هجمات الجماعات البوذية. والآن في عام 2014م تأتي الخطوة الأخيرة لإنهاء وجود هذه العرقية على الأقل أمام العالم وفي المستندات الرسمية؛ حيث رفضت سلطات بورما السماح للروهنجيا بتسجيل عرقيتهم في استمارات الإحصاء السكاني، وبدلاً من ذلك طلبت منهم كتابة العرقية (البنغالية) حتى يتم معاملتهم كمهاجرين غير شرعيين وفدوا للبلاد في مرحلة تاريخية سابقة مع الاحتلال البريطاني، وهو الأمر الذي يسهل عليها مستقبلاً التفاوض مع بنجلاديش من أجل تهجيريهم إليها أو طردهم مباشرة من البلاد عبر طريقتهم المعروفة (حملات الإبادة الجماعية). إصرار.. إلا أن إصرار الروهنجيا على التمسك بعرقيتهم دفع ذلك بقوات الشرطة إلى التعامل معهم بمنطق القوة والتهديد بل والاعتقال والتعذيب حتى يتم مرادها وتحقيق هدفها في محور اسم هذه العرقيات من قائمة العرقيات المنتشرة في البلاد والتي تصل لنحو 140 عرقية. ووفقاً لم نشرته وكالة أنباء أراكان، حول آخر المستجدات هناك، فقد اعتقلت الشرطة البوذية 10 روهنجيين من قرية _فاتوركيلا_ غرب ولاية أراكان في غير البلاد بحجة إصرارهم على اثبات انتمائهم إلى عرقية الروهنجيا في الأوراق الرسمية خلال عملية التعداد السكاني الجارية في الوقت الحالي بميانمار/ بورما. وأفاد مراسل الوكالة بأن المعتقلين الروهنجيين العشرة يتعرضون لتعذيب شديد شمل الصعق بالكهرباء بمقر حكومي للشرطة، بسبب امتناعهم عن المشاركة في التعداد السكاني لعدم قبول موظفي الحكومة بوضع اسم (الروهنجيا) في استمارات التعداد. وتحاول الحكومة البورمية بأساليب شتى إثناء الروهنجيين (المسلمين) عن اثبات عرقيتهم خلال عمليات التعداد السكاني بهدف تأكيد مزاعمها السابقة حول إنكار وجود عرقية في أراكان باسم (الروهنجيا). يذكر أن حكومة ميانمار اضطرت إلى الإعلان عن تمديد فترة التعداد السكاني في إقليم أراكان في غرب البلاد لامتناع سكانها المسلمين من الروهنجيا عن المشاركة في التعداد في ظل الضغوطات الحكومية والإجراءات القمعية التي تمارسها القوات البوذية ضدهم من أجل دفعهم نحو التخلي عن التمسك بعرقيتهم التاريخية الأصيلة في إقليم أراكان.