بقلم: رامي مهداوي هناك الكثير من الأسلحة مصوبة باتجاهك، يمكنك أن تشاهد بعضها، وبعضها يظهر فجأة أمامك دون مقدمات أو مؤشرات. في حياتنا أيضاً نتعرض لمواقف علينا أن نردّ عليها بشكل سريع جريء مدروس بسرعة البديهة لتحقيق رد سريع عكسي، ولتحقيق نتائج غير متوقعة لمن يريد أن يحرز إصابة تزعزع ما أنت عليه، ليكون الطرف الآخر ضحية ذاته بذاته وما أنت سوى الضحية التي استخدمت السلاح المصوب عليها لحماية ذاتها فقط من الهجوم الذي تعرضت له. مثال بسيط يجيب على تساؤلاتكم بعد المقدمة أعلاه؛ قبل أيام قام البرازيلي داني ألفيس لاعب برشلونة الإسباني بتقشير (موزة) وأكلها في ملعب المباراة التي فاز فيه (البرسا) على مضيفه فياريال 3 -2 ضمن الجولة الخامسة والثلاثين من منافسات الليغا الإسبانية. اللقطة بدأت عندما توجّه ألفيس لتنفيذ ضربة ركنية في الجهة المتواجد فيها جماهير فياريال، التقطت كاميرات التلفزيون لقطات للموز الملقى على أرضية الملعب باتجاه ظهير برشلونة، قبل أن يقوم اللاعب بالرد على هذه التصرفات الجماهيرية ويلتقط إحدى (الموزات) الملقاة على الأرض ليأكلها قبل أن ينفذ الركلة الركنية لفريقه وذلك في الدقيقة 75 من عمر المباراة، وسط ذهول من الحكم المساعد في قوة تحمل ألفيس لمثل هذه الإهانات العنصرية. وكانت جماهير فياريال، قد قلدت أصوات (القرود) قبل ذلك وتعني تشبيه اللاعب بالحيوان كما فعلت جماهير كثيرة في العالم مع لاعبين آخرين ذوي بشرة (سوداء) كالإيطالي بالوتيلي، والكاميروني ايتو والقائمة تطول. سرعة الرد بطريقة غير متوقعة كانت بمثابة الصدمة التي امتلكها ألفيس بطريقة ناجحة 100 بالمائة، حيث جعل من السلاح (الموزة) الموجه له سلاحاً موجهاً لمن يحمله ضده، ولينقل المعركة من داخل الملعب إلى العالم كله بطريقة ذكية، وما تبعها من ردود أفعال إعلامية ورسمية من قبل جهات مختلفة أبدت من خلالها تضامنها مع ألفيس لمواجهة آفة العنصرية، خاصة من قبل أسماء لامعة في عالم المستديرة ورؤساء الاتحادات والأندية والمدربين حتى أصبحت حديث العامة في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئي والمقروء. أضع هنا بعض الردود السريعة لواقعة الموز: - رئيسة البرازيل ديلما روسيف أكدت عبر تويتر (ألفيس قدم رد فعل قوياً وجريئاً ضد العنصرية في الرياضة، لسوء الحظ فإن العنصرية أصبحت شيئاً مشتركاً). - بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على تويتر قال (ما حدث مع ألفيس يثير الغضب، ستكون هناك صرامة شديدة ضد العنصرية خلال كأس العالم. ينبغي أن نحارب كل أشكال التمييز). تسبب داني ألفيس وبدون قصد في إطلاق حملة عالمية ضد العنصرية، وجاء دعم آخر مهم عزز ما قام به ألفيس من العديد من لاعبي كرة القدم حول العالم، على رأسهم سيرجيو اجويرو وديفيد لويز، أوسكار، ويليام، لويس سواريز، يايا توريه، حيث نشر هؤلاء اللاعبون صوراً لهم، عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يأكلون الموز، البرازيلي نيماردا سيلفا زميل ألفيس في برشلونة وضع صورة شخصية له بصحبة ابنه وهو يأكل الموز على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليق (فلتذهب العنصرية إلى الجحيم) و (كلنا قرود). وبهذه السرعة انطلقت حملة (كلنا قرود) وانضم ماريو بالوتيلي مهاجم ميلان الإيطالي، لحملة كلنا قرود على تطبيق انستجرام لدعم اللاعب البرازيلي، كما انضم الأرجنتيني سيرجيو أجويرو لاعب فريق مانشستر سيتي الإنجليزي واللاعبة البرازيلية مارتا وغيرهم من نجوم اللعبة عبر وضع صور لهم وهم يحملون الموز ويسخرون من تصرف ذلك المشجع العنصري، وانضم اللاعب البرازيلي السابق روبرتو كارلوس، والإعلامي البرازيلي لوسيانو هاك إلى الحملة، ما أعطاها بعداً وطنياً برازيلياً ضد ما فعلته جماهير فياريال. وأعرب اللاعبون البرازيليون ريد وهالك ولوكاس ليفا عن مساندتهم لالفيس، حيث كتب ليفا عبر تويتر: (تهنئتي لك على تصرفك بالأمس، نحن معا في هذا الصراع ضد العنصرية). أما نادي فياريال الإسباني، فأعلن حرمان المشجع الذي قام بتصرف عنصري تجاه لاعب برشلونة، البرازيلي داني ألفيس من دخول ملعبه مدى الحياة وسحب بطاقة العضوية منه. وأكد النادي في بيان له سعيه الدائم للمساواة والروح الرياضية واللعب النظيف داخل وخارج الملعب ورفضه التام لأي فعل يهاجم هذه المبادئ، سواء كان العنف أو التمييز أو العنصرية أو كره الأجانب. أما ألفيس فقال: (لا أعلم من الذي رمى الموز ولكن أوجه له الشكر لأنه منحني الطاقة قبل تنفيذ الضربة الركنية) وفي تعليق آخر له في حسابه الخاص في تويتر قال ألفيس مازحاً: (والدي دائماً يطلب مني أكل الموز لتجنب أي تشنج عضلي من الممكن أن يصيبني). سبق وأن تعرّض البرازيلي كارلوس لموقف مشابه عندما لعب بنادي (انجي) في روسيا، وكذلك حدث مع الإيطالي بالوتيلي في الدوري الإيطالي، فقد استمعا لذات الهتافات العنصرية. موزة (كارلوس) كان مصيرها التلف بعدما بقيت وضيعة الخط الجانبي من الملعب، بينما (ترك) الأسطورة البرازيلية حينها المباراة وخرج (متباكياً) على حال كرة القدم وعقليات جماهيرها، وكذلك فعل (بالوتيلي) في إحدى مباريات ميلان الاستعدادية هذا الموسم. الفرق بين ألفيس والبقية أن الظهير البرازيلي (برشلوني) أي (لعيّب)! الفرق أعزائي أن اللاعب ذا القيمة الكروية الكبيرة حارب الجماهير وذلك المشجع بشيء لم يتوقعه على الإطلاق، لقد حاربه بذات السلاح الذي ألقاه وظنّ حينها أنه قد أهان اللاعب وإنسانيته. لولا تصرف الفيس ذاك لما استنهض العالم كله فكره من جديد محارباً العنصرية في ملاعب كرة القدم في غضون يومين أو ثلاثة فقط. لو استسلم ألفيس وضعف لما امتلك كل لاعبي العالم قوّة وإصراراً للتضامن معه كما هو الحال الآن. في النهاية واستنصاراً لجيناتي (البرشلونية) أختم بأني برشلوني عند الخسارة والتعادل والفوز ... وتحيا ثمرة الموز.