شكل إلغاء واحدة من أهم الحقائب الوزارية وهي وزارة إصلاح الخدمة العمومية من الحكومة الجديدة التي يترأسها عبد المالك سلال محور نقطة استفهام كبيرة، باعتبارها وزارة بالغة الأهمية أحدثت عدة إصلاحات منذ إنشائها وأثبتت فعاليتها بشكل كبير في الميدان رغم عمرها القصير، وهو الأمر الذي دفع بكثيرين للتساؤل: هل تمّ فعلا القضاء على البيروقراطية بشكل نهائي من جميع الإدارات، أم أن الاستغناء عنها مجرد قرار مؤقت وسيتم إلحاقها في التعديل الحكومي القادم بإحدى الوزارات، كما حدث مع وزارة الاستشراف التي تم إلغاؤها سابقا ليتم إلحقائها في التعديل الجديد بوزارة المالية. وجاء تحويل محمد الغازي الذي كان مكلفا بهذه الحقيبة الوزارية الى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي خطوة غير منتظرة وغير محسوبة، حيث لم يقم الرئيس بتقييم إنجازات القطاع التي ثمّنها المواطنين بعدما استطاعت تغيير بعض سلبيات قطاع الخدمات في الجزائر خاصة على مستوى الإدارات العمومية منها، من خلال إلغاء 90 بالمائة من الأوراق والوثائق الإدارية التي لا فائدة منها الآن في الميدان، قصد تخفيف الأعباء البيروقراطية عن المواطنين، الى جانب جملة من الإصلاحات في ظرف وجيز لم يتعد 07 اشهر من عمر هذه الحقيبة الوزارية. وقد تم إنشاء هذه الوزارة شهر سبتمبر 2013، حيث تم تعيين محمد الغازي على رأسها والذي تعهد بتحسين استقبال المواطنين وخدمة الموظفين حيال المواطنين والتخفيف من الوثائق وبالعمل من أجل عصرنة الإدارات ورقمنة الوثائق والتخفيف بشكل محسوس من الممارسات البيروقراطية، وقد عملت هذه الوزارة منذ إنشائها على وضع برنامج يتضمن زيارات ميدانية إلى كل الإدارات وإعطاء تعليمات لأعوانها بضرورة تقديم أحسن الخدمات للمواطنين واستقبالهم واستبدال الموظفين غير المؤهلين، وتم تخفيف العديد من الملفات الإدارية من الوثائق المطلوبة على غرار ملفات جوازات السفر، وملفات الأونساج التي أصبحت تتطلب وثيقة واحدة اليوم فقط وملفات رخص السياقة. الى جانب تعميم استخراج شهادة الميلاد الأصلية في جميع البلديات عن طريق عصرنة مصلحة الحالة المدنية وتزويدها بنظام إعلام آلي جد متطور مكنها من التخفيف على المواطنين التنقل إلى مقر ولادتهم لاستخراج وثائقهم الأصلية وحتى شهادة السوابق العدلية والجنسية التي ممكن أن تستخرج من أي محكمة عبر الوطن. كما لمس المواطنون أن أداء الموظفين على مستوى المرافق العمومية تحسن مقارنة بالسنوات الفارطة لاسيما من ناحية الاستقبال ونظافة المؤسسة، كما تم تخصيص أماكن للمواطن للانتظار، وهذا بسبب إصرار المسؤول الأول عن القطاع على ضرورة العمل الميداني والتغيير الجذري لتطوير الخدمة العمومية باتخاذ جملة من الإجراءات الاستعجالية على غرار تحسين أداء عمل أعوان الشبابيك إضافة إلى تمديد ساعات العمل على مستوى المصالح المدنية بالبلديات إلى غاية الساعة السابعة مساء، وهي إجراءات تهدف في مجملها إلى تحسين مستوى الخدمة العمومية في الإدارة الجزائرية. ولم تقتصر مهام الوازرة على تحسين الخدمة العمومية بل عملت على صيانة الطرقات والتموين بمياه الشرب وربط البيوت بشبكة غاز المدينة والقضاء على القمامة وغيرها من الخدمات التي تسمح بتحسين الظروف المعيشية للمواطنين سواء في المدن الكبرى أو في المناطق الريفية، فضلا على إيجادها حل نهائي لمعضلة حاملي الشهادات الجامعية التطبيقية التي تمت تسوية وضعيتهم من طرف الوزير، في حين لا يزال ملف عقود ماقبل التشغيل والشبكة الاجتماعية معلقا بعد إلغاء الوزارة والتي سبقت وأن تعهدت بدراسته وإيجاد صيغة قانونية تخدم مصالح هذه الفئة قبل عرضه على الحكومة للفصل فيه. وقد ترك إسقاط هذه الوزارة من حكومة سلال (3)، عدة تساؤلات عن أسباب ذلك، فهل لأنه تم القضاء على البيروقراطية بشكل نهائي بسبب ماقدمته من إصلاحات؟ أم أنه مجرد إسقاط مؤقت في انتظار إلحاقها بوزارة أخرى؟ أم أن الغازي مطلوب بقوة في قطاع العمل لإيجاد آليات تشغيل جديدة تقضي على البطالة بشكل نهائي وتحسن القدرة الشرائية للمواطن بعد أن أثبت نجاحه في تسيير القطاع الأول؟ كما خلف هذا القرار سؤال جدُ مهم حول مصير الإصلاحات التي تمت مباشرتها، وهل ستعود البيروقراطية بقوة لتنخر من جديد الإدارات العمومية؟ وما مستقبل الحرب على البيروقراطية؟..