أعاد حديث الوزيرة الجديدة للتربية عن إصلاحات مرتقبة في القطاع إلى الواجهة جدلا قديما متجدّدا بشأن تحويل تلاميذ الجزائر إلى فئران لتجارب تتّخذ الإصلاح كغذاء لها، قبل تثبت الأيّام أنها إصلاحات غير موفّقة إلى حد بعيد. وإذا كان أولياء التلاميذ والمختصّون يرفضون أن يتحوّل أبناؤهم إلى (فئران مختبرات)، فإن أساتذة ومتتبّعين يؤكّدون أن أيّ إصلاح يشهده القطاع ينبغي أن يتّكئ على المرجعية الإسلامية للجزائر وليس على مخططات تغريبية ترفع شعار العولمة وتخفي أهدافها الحقيقية. تصريحات وزيرة التربية الوطنية الجديدة نورية بن غبريط في أولى خرجاتها الإعلامية أحدثت ضجّة وجدلا كبيرين، خصوصا حين ذكرت (أن المدرسة الجزائرية لا يجب أن تستوعب جميع المتمدرسين ولا لامتصاص أكبر منهم)، وهو ما اعتبر تشجيعا ضمنيا على (طرد التلاميذ ذوي المستوى دون المتوسّط) وتشجيع التسريب المدرسي. واعتبر العديد ممّن اتّصلت بهم (أخبار اليوم) من أساتذة ومختصّين في المنظومة التربوية وأحزاب أن تصريح بن غبريط أمر لا يمكن السكوت عليه حسب ما قاله البعض ، مشدّدين على ضرورة عدم السماح بتدهور حالة قطاع التربية أكثر ممّا هو عليه، خاصّة وأنه القطاع الأكثر حساسية في الوقت الرّاهن بسبب دنو موعد الامتحانات المصيرية، خاصّة شهادة البكالوريا، والتي عرفت العام الماضي فضيحة لم تشهدها الجزائر من قبل تمثّلت في حادثة الغشّ الجماعي. بن عبورة: "نرفض تغريب المدرسة الجزائرية" أكّد محمد بن عبورة أستاذ مختصّ في علوم التربية أن قرار الوزير بن غبريط أن تصريحها يحمل معنيين، الأوّل هو فتح الباب على مصرعيه للتسرّب المدرسي والطرد من المدارس والمعنى الثاني فتح الباب كذلك أمام المدارس الخاصّة وتشجيع التوجّه لهذه المدارس. وعن المخاوف الشائعة بخصوص التغريب المحتمل للمدرسة الجزائرية قال عبورة في تصريح هاتفي ل (أخبار اليوم) أمس إنه واقع ينخر المدارس الجزائرية منذ مدّة وليس من اليوم فقط، وهو يمشي بخطى ثابتة ومخطط لها، وهو يهدف ضمنيا إلى القضاء على الهوية الجزائرية والقضاء بهذا على أساس المنظومة التربوية، مضيفا أنه اليوم بهذه القرارات يتحقّق ما أرادته فرنسا وما لم تستطع تحقيقه لما كانت على أرض الوطن. وعن الإصلاحات المتجدّدة في قطاع التربية قال عبورة إن أبناء الشعب أصبحوا فئران تجارب، مشيرا إلى أن أبناء الطبقات الرّاقية لا يدرسون في نفس المدارس مع أبناء الشعب ولا تمسّهم هذه التجارب التي أدّت إلى انحراف في المستوى التعليمي بالمدرسة الجزائرية (أبناؤهم لا يدرسون مع أبنائنا في المدارس، نحن لم نستبعد مثل التصريحات من وزيرة لا نعرف اتجاهها). النصيحة التربية ينبغي أن تسند إلى أهلها (أهل التربية وليس إلى أهل الإيديولوجيات)، مشدّدا على ضرورة الصدق في التعامل مع التلاميذ، قائلا: (ولابد أن تضع الحكومة على رأس كلّ قطاع مختصّ فيها أيّ حكومة تكنوقراطية). وبهذا طرح الأستاذ عبورة سؤالا المنظومة التربوية إلى أين؟ وإلى أين يتّجهون بها؟، وأضاف: (المنظومة التربوية هي الهوية، وبهذا الأسلوب المدرسة الجزائرية تتّجه نحو التغريب، والتغريب لا يأتي بالخير أبدا للجزائر). جمعية العلماء تقترح العودة إلى نظام الدوامين قال عبد القادر فوضيل إطار سابق في وزارة التربية ومدير التعليم الأساسي سابقا ومكلّف بقضايا التربية بجمعية العلماء المسلمين إن هناك مبادئ في التربية الوطنية الجزائرية أقرّها المجتمع ورسّمتها دساتير ومواثيق وزكّتها كلّ القوى الوطنية ينبغي احترامها، وفي هذا الصدد قال إنه لا يجوز لأيّ أحد أن يدوس هذه المبادئ. وشدّد فوضيل في تصريح ل )أخبار اليوم) على أن الحقّ في التعليم أو كما يسمّى تعميم التعليم أو ديمقراطية التعليم من المبادئ التي أسّست عليها السياسة التربوية في الجزائر، مضيفا: (لا يستطيع أيّ واحد لا وزير ولا رئيس يستطيع أن يدوس هذا المبدأ ويقول غيره، ولا تستطيع الوزيرة أن تحدّ من انتشار التعليم حتى وإن أرادت ذلك). وعن قول الوزيرة القاضي بالقضاء عن الاكتظاظ داخل الأقسام ردّ المكلّف بقضايا التربية في جمعية العلماء المسلمين مؤكّدا أن البناء وتشييد مدارس أخرى هو المخوّل الوحيد الذي يقضي على الاكتظاظ في الأقسام وإعادة التنظيم التربوي. وأضاف فوضيل في هذا الصدد أنه يمكن العودة إلى نظام الدوامين مثلما كان عليه الحال سابقا، أي أن يشتغل القسم مرّتين، وقال إنه سيصدر بيانا في هذا الخصوص ويرسله إلى الصحافة. وعن التسرّب المدرسي قال المتحدّث إن المتسبّب الأساسي فيه هم الأولياء، حيث أنهم يتركون أبناءهم يتركون المدرسة من تلقاء أنفسهم. وبناء على ما قالته وزيرة التربية بن غبريط بخصوص الإصلاحات المرتقبة التي ستمسّ قطاع التربية أضاف عبد القادر فوضيل أن الإصلاحات التي مسّت القطاع منذ 2003 إلى حد اليوم ليست بإصلاحات، معزّزا كلامه (بأن الإصلاحات التي لا تقضي على الفساد ليست إصلاحات)، واستدلّ بالمؤشّرات الجيّدة في القطاع كتدريس اللّغة الفرنسية في قسم السنة الرّابعة ابتدائي وغيرها. حركة النهضة تندّد بتصريحات بن غبريط قال الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي إنه على إثر تشكيل الحكومة الجديدة وتعيين بن غبريط على رأس القطاع أصدرنا بيانا قلنا فيه ما يلي: (إن تعيين أشخاص ليست لهم هوية سياسية واضحة يمثّل خطرا على الناشئة في المستقبل وعلى مكوّنات الهوية الجزائرية). وفي ردّه على كلام وزيرة التربية أوّل أمس أكّد ذويبي في تصريح هاتفي ل (أخبار اليوم) أن المنظومة التربوية لديها ملفات أساسية وحسّاسة لا يمكن التلاعب بها تحت أيّ مصوّر وبأيّ شكل من الأشكال، واعتبر التربية الوطنية صمّام الأمان في الحفاظ على مكوّنات الهوية الجزائرية، وقال إنه من المفترض أن تخضع المنظومة التربوية لهوية الشعب الجزائري بكل مكوناته). وفي نفس السياق، وعن تصريح الوزيرة كذلك الذي جاء فيه: (المدرسة الجزائرية لا يجب بالضرورة أن تستوعب جميع المتمدرسين...)، قال المسؤول الأوّل على رأس النهضة إن هذا التصريح (ينمّ على فشل المسؤولين على رأس القطاع)، مشيرا إلى أنه لابد من تمدرس الجميع على حد السواء، وقال إن كلام الوزيرة له أبعاد خطيرة تتمثّل في التمييز العنصري في المجتمع الجزائري، مضيفا (أن هذا الأمر ينمّ عن استعلاء، نحن في حركة النهضة لا نقبل هذا ونقول إن هذا مؤشّر غير إيجابي، بل هو سلبي). وذكر ذويبي أنه في كلّ سنة تستدعي المناهج التغيير حسب ما يطرأ من جديد على العلم، مستثنيا أن هناك ما هو قابل للتغيير وما هو ثابت في المنهاج لا يتغيّر كمبادئ الدولة الجزائرية، (الثابت هو ثابت والمتغيّر متغيّر).